يؤكد الدستور التونسي الجديد   على الحقوق في التعليم والإعلام والثقافة وحرية التعبير والضمير والملكية الفكرية والساواة بين الجنسية،ويمنع التكفير والتعذيب ، وبعد ثلاثة أعوام من الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين  وبعد أكثر من عامين من إنتخاب نواب المجلس الوطني التأسيسي ، صادق ممثلو الشعب يوم 27 يناير الماضيعلى الدستور الجديد الذي جاء ليعوض دستور 1959 الملغى ، 

وجاء الفصل 41 في صيغته النهائية دون تعديل بموافقة 156 واحتفاظ 9 ورفض 2 مؤكدا أن « الحق في الثقافة مضمون.حرية الإبداع مضمونة، وتشجع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها، بما يكرس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات ، تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه » 

وزير الثقافة المتخلي مهدي المبروك قأنه كان على  الدستور الجديد ألا يكتفي بدسترة الحقوق الثقافية، وإنما توفير الموارد الأساسية لتنفيذها في الواقع ،وهي مهمّة موكولة أساسًا إلى دور المجتمع المدني ، وقال «ان التأكيد على الحقوق الثقافية في الدستور الجديد مسألة جوهرية في بناء تونس الجديدة  التي تختزن تراثا من التنوير في الشعر وفي الفنون منذ أقدم العصور » مضيفا أن «هذه البلاد لا يمكن ان تقف تلميذا في الصف الأول أمام مجموعات لا تقرأ الكتاب بل تحفظه» في إشارة منه الى الجماعات الدينية المتشددة 

و إعتبر غازي الغرايري، الخبير في القانون الدستوري أن القانون ثقافة، وهو معطى وإنتاج ثقافي ، بينما أشاد المخرج السينمائي ناصر القطاري بتضمين الحق في الثقافة ضمن الدستور الجديد ، وقال أن « هذا التضمين الدستوري جاء ليلبي رغبة المبدع التونسي في مختلف مجالات العطاء الثقافي ، وهو يحتاج الى ترجمته في قوانين قادرة على النهوض بالفكر والأدب والفنون في زمن بتنا نتحدث فيه عن الثقافة كصناعة وكجسر للحوار بين الشعوب والحضارات » مضيفا أن « أن حق المواطن في الثقافة لن يتحقق بدون حق المبدع في  في الدعم والمساعدة والرعاية وتحصين ملكيته لإبداعه وفكره وإنتاجه »

الملكية الفكرية مضمونة

وينص الفصل 40على أن « الحق في الملكية مضمون ولا يمكن النيل منه إلا في حالات وبالضمانات التي يضمنها القانون الملكية الفكرية مضمونة » ويرى النائب بالمجلس الوطني التأسيسي وإستاذ القانون الدستوري محمد الفاضل موسى أن التنصيص على ضمان الملكية الفكرية في الدستور الجديد بأغلبية 168 صوتا يعكس إلتزام النخبة السياسية بدعم الإنتاج الثقافي والإعلامي ، مشيرا الى أن بإمكان أهل القطاع إثراء التشريعات المتعلقة بحق الملكية الفكرية عبر طرحهم مقترحاتهم وتصوراتهم لإرساء ثقافة إحترام الحقوق الفكرية وفق القوانين المعمول بها دوليا في هذا المجال 

ويرى المطرب والمؤلف الموسيقي لطفي بوشناق أن التأكيد على ضمان الملكية الفكرية من شأنه أن يساعد على الدفع بروح الإبداع وبالرفع من مستوى الفعل الفني والثقافي ،خصوصا وأن الدستور سيفرض تشريع قوانين تقدمية تحمي حقوق المبدع بما يضمن له الحياة الكريمة بعد أن عاش فنانون وكتاب كبار حالة من الفاقة في سنوات عجزهم وهم يرون حقوقهم تنهب من قبل مستغليها العموميين والخواص ومن جهته أكد وزير الثقافة التونسي الجديد مراد الصقلي أنه من الضروري العمل على تنظيم حملات تحسيسية للتوعية بقيمة الملكية الفكرية، إضافة إلى دفع الاستثمار في المجال الثقافي بهدف النهوض بالقطاع ،مشددا على ضورة إحياء التراث اللامادي والمعارض التقليدية، مشيرا إلى أهمية تهيئة الفضاءات الثقافية ودور الثقافة وجعلها مدارس فن وفق تقديره

نقاشات مستفيضة

وكانت  لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي سبقت مناقشة الدستور والمصادقة عليه بمناقشة الفصول المتعلقة باختصاصها ومنها الفصل الذي ينص على أن  «تلتزم الدولة باحترام الحقوق الثقافية لكل إنسان بمفرده وتتمثل هذه الحقوق في حسب الصيغة الأولى في احترام الهوية الثقافية لكل فرد او مجموعة ،والتعرف عن الموروث الثقافي التعليم الاتصال الاعلام وتطويره والحفاظ عليه للأجيال القادمة ،والمشاركة الحرة في الحياة الثقافية للمجموعة والاستفادة من انجازات العلم والفن ،وحماية الحقوق المادية والمعنوية لكل منتج في الميدان العلمي والادبي ،وتوفير وسائل الترفيه والسياحة وممارسة مختلف الرياضات لكل المواطنين ،و تلتزم الدولة بالتشجيع على التسامح ونبذ العنف والحوار بين الثقافات والتعاون الدولي في المجال الثقافي واعتبار التنوع الثقافي عنصر ثراء للبشرية جمعاء وهو تراث جماعي لها .
ثم تم تعديل الفصل الى « تضمن الدولة الحق الثقافي لكل مواطن ،على الدولة تشجيع الابداع الثقافي انتاجا واستهلاكا بما يدعم الهوية الثقافية في تنوعها وتجددها ويكرس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات ،تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه ».
 وبعد نقاشات مستفيضة تمت المصادقة على الصيفة النهائية للفصل 41 وقد جاء فيه أن « الحق في الثقافة مضمون ، حرية الأبداع مضمونة، وتشجع الدولة الإبداع الثقافي وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها، بما يكرس قيم التسامح ونبذ العنف والإنفتاج على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات ،تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الاجيال القادمة فيه »

حريات ثقافية

يشير الفصل 30 من الدستور التونسي الجديد الى أن «  حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة « و« لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات»وحسب الفصل 31« تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة » .ويؤكد الفصل 32على أن « الحريات الأكاديمية وجرية البحث العلمي مضمونة وتوفر الدولة الإمكانيات اللازمة لتطوير البحث العلمي والتكنولوجي » 

وبعد خلافات حادة  في الشارع التونسي حول الصيغة الأولى المختلف حولها تم التوافق على صيغة جديدة للفصل 6 تنص على  أن " الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح، وبحماية المقدسات ومنع النيل منها.كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف" 

الحق في التعليم 

وبعد جدل واسع تم التوافق على الفصل 38 من الدستور والذي ينص على أن "التعليم إجباري إلى سن السادسة عشرة.وتضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني في كامل مراحله، وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التعليم والتربية والتكوين وترسيخ اللغة العربية ودعهما وتعميمها وتأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني والإنفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية وثقافة حقوق الإنسان".قبل ذلك  ندّد الخبير في القانون الدستوري عياض بن عاشور بمضمون الفصل 38 في صيغته الأولى التي صودق عليها يوم 7 يناير الماضي ، و قال إن التنصيص على تجذير الناشئة في هويتها العربية و الإسلامية و ترسيخ اللغة العربية في الدستور أمر كارثي سيجعلنا متخلفين ،مضيفا أن في التنصيص على ذلك تخلّف وانغلاق ،وأن هذا الفصل بمثابة الدعوة لرفض التقدّم و الانفتاح على الحضارات الأخرى و اللغات الأجنبية .

و صرّح بن عاشور أن المصادقة على هذا الفصل يوم أسود في تاريخ تونس ،على حد تعبيره ،وكان الفصل 38 ينص على أن « التعليم إلزامي إلى سن السادسة عشرة ،تضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني بكامل مراحله وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين. كما تعمل على تجذير الناشئة في هويتها العربية الاسلامية وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها » وتم التوافق أخيرا على إضافة « الإنفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية وثقافة حقوق الإنسان » 

الهوية 

مثّلت الهوية الوطنية عنصر تجاذب بين الفرقاء السياسيين في تونس الى أن تم التوافق على الإبقاء على الفصل الأول من دستور العام 1959الذي ينص على أن « تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة ، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها » وتم إستبعاد أية إشارة لإعتماد الإسلام مرجعا لقوانين البلاد، وهو ما يؤكده الفصل الثاني الذي يؤكد أن « تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون » وكسابقه لم يشر الدستور التونسي الى أن تونس جزء من الوطن العربي ؤرنما أكتفى بالأشارة الى أن لغتها هي العربية في إطار تجاهل متعمد للإنتماء القومي ، غير أن الفصل الخامس يشير الى ما جاء في الدستور السابق من أن تونس جزء من المغرب العربي « تعمل على وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها