بدأ الليبيون في خوض معركة جديدة من أجل فرض خيارهم بانتخاب رئيس للبلاد عبر الاقتراع الشعبي المباشر، بعد أن شهدت اجتماعات تونس خلافات بين أعضاء اللجنة القانونية حول الانتخابات الرئاسية وما إذا كان رئيس ليبيا المقبل سينتخب مباشرة من الشعب أم من مجلس النواب، مع ترك موضوع الاستفتاء على الدستور للبت فيه من قبل ملتقى الحوار السياسي

ويرى المراقبون أن هدف الإخوان هو استعمال البرلمان القادم لانتخاب رئيس وفق ميولاتهم السياسية والإيديولوجية. نظرا لقناعتهم بأنهم غير قادرين على التأثير في خيارات الشعب أو في ترشيح شخص يحظى بثقة الليبيين.

وقالت عضو اللجنة آمال بوقعيقيص «في اللجنة القانونية كنا أغلبية تطلب انتخابات رئاسية مباشرة ولكن لأن منهجية العمل في اللجنة تعتمد التوافق وهذا لم يحدث بخصوص هذا البند حيث أصرّ بعض الأعضاء على مطلبهم بان تكون انتخابات رئاسية غير مباشرة لذلك قررنا إحالة هذا البند للملتقى».

وتحاول قوى الإسلام السياسي وحلفاؤها، فرض أجندتهم، بالاتجاه الى انتخاب رئيس للدولة من داخل مجلس النواب، حتى لا يحتكم الى الشرعية الشعبية المباشرة عند توليه الحكم، ويبقى رهينة التوازنات البرلمانية والجهوية، وأن خلافا حادا حول هذه النقطة جدّ في اجتماعات تونس، ما أدى الى الدفع بها الى ملتقى الحوار السياسي لحسم القرار بشأنها.

وندد عدد من الفاعلين السياسيين والمحليين بمحاولات الالتفاف حول إرادة الشعب الليبي وحقه في انتخاب رئيسه، وتحويل هذا الحق الى أعضاء البرلمان لينتخبوا الرئيس وفق المصالح الحزبية والتوازنات السياسية والإيديولوجية والمناطقية.

وأوضح عضو مجلس النواب عبد السلام نصية إن «‏أي اقتراح أو محاولة لحرمان الشعب الليبي من اختبار رئيسه، هو محاولة لاستمرار الفوضى واللادولة» معتبرا أن «كل الحجج والمخاوف من انتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب، هي حجج ومخاوف لاستمرار دولة الأشخاص والنهب والفوضى».

ودعا رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو المواطنين الليبيين للتمسك بانتخاب الرئيس مباشرة وعدم اتباع من عبثوا بالشعب لعشر سنوات ، وقال : «رئيس لا ينتخبه الشعب لن يكون رئيسا للدولة ولا رمزا للسيادة ولا خادما للشعب، بل سيكون خادماً لعصابة، ورمزا للعجز، وحارساً للفساد » فيما أعرب الدكتور مالك أبو شهيوة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، عن رفضه أي آلية لاختيار رئيس البلاد تحول دون الاقتراع الشعبي الحر والمباشر ، وقال أن الليبيين « يريدون انتخاب الرئيس بطريق الاقتراع العام السري الحر المباشر وبالأغلبية المطلقة لأصوات المقترعين، لذلك يجب علينا رفض أي آلية أخرى » وفق تعبيره

بالمقابل ، عبّر عبد الحكيم فنوش، المحلل السياسي الليبي المقيم في باريس، عن تفاؤله بانتخاب الرئيس من قبل الاقتراع الشعبي المباشر في 24 ديسمبر المقبل، رغم محاولات البعض لجعل الانتخاب من قبل البرلمان ، مشيرا الى أنه : “بالنسبة لموضوع انتخاب الرئيس لم يحسم من قبل اللجنة القانونية وتمت إحالته للجنة ال 75، وذلك بسبب تعنت بعض الشخصيات المعروفة لدى الليبيين، وأتصور بأنهم سيخسرون وستقوم لجنة الحوار بإقرار انتخاب الرئيس من قبل الشعب”.

وقال المحلل السياسي الليبي يعرب البدراوي أن اختيار رئيس ليبيا من مجلس النواب المقبل وليس باختيار شعبي لن يجعله رئيسًا للدولة ولا رمزًا للسيادة، بل سيكون خادمًا لعصابة، ورمزًا للعجز، وحارسًا للفساد مثل التجارب السابقة. ، وأوضح أن تنظيم الإخوان فيما يخص القاعدة الدستورية للانتخابات “يريد الإمساك بأحد العصفورين”، فهو يريد تمرير مشروع انتخاب الرئيس من البرلمان، وفي هذه الحالة هم قادرون على إيصال رئيس للدولة من طرفهم دون مشقة كبيرة.

وأضاف أن الهدف الثاني للإخوان هو إذ لم يتحقق تمرير انتخاب الرئيس من البرلمان برفض الشعب للانتخابات ومقاطعتها، خاصة المناطق التي لا تقع تحت سيطرة الإخوان، مشيرًا إلى أن في هذه الحالة ستتأجل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، وتستمر الحالة القائمة حاليًا والتي يسيطرون فيها على ليبيا بالكامل.

وقال مؤسس حراك 24 ديسمبر الداعم للانتخابات جمال الفلاح إن الحراك والشعب الليبي لن يتنازل عن حق انتخاب الرئيس بشكل مباشر ، وأبرز :” إن مسألة اختيار رئيس البلاد مباشرة من الشعب هي مطلب منذ 2012، وتم تجاوزها أكثر من مرة، ولن يسمحوا بهذا العبث مرة أخرى” ،مشيرا إلى أن القلة المعارضة لاختيار الرئيس مباشرة من الشعب هم تيار الإسلام السياسي ولهم عدة أسباب، فهم يملكون أدوات وإمكانات يستطيعون بها السيطرة على مجلس النواب ويختارون الرئيس.

وتابع: “إن تيار الإسلام السياسي يدرك أن إمكانياته محدودة في حال انتخابات مباشرة، إذ ليس لهم قاعدة شعبية”.

و أكد رئيس الكتلة الوطنية بمجلس الدولة الاستشاري ناجي مختار أنه في حال تم إجراء انتخابات في ليبيا فهي فرصة لانتخاب أهم منصب في الدولة ، و أشار لدعمه انتخاب رئيس للبلاد عن طريق الاقتراع السري المباشر من أبناء الشعب، لافتًا إلى أن ذلك سيعطي شرعية كاملة لليبيين وقدرة على العمل بعيدًا عن أي مضايقات، وكذلك لا يقيده الابتزاز السياسي بسبب الصفقات السياسية من الأحزاب والجماعات والمجموعات التي يُتوقع وجودها داخل مجلس النواب.

ولفت إلى أن إجراء الانتخابات فرصة كي تحدد ليبيا هويتها النابعة من إرادة الشعب بعد خبرة اكتسبها طيلة الفترة الماضية، مضيفًا أنها فرصة قد تكون أخيرة حتى لا تُفرغ مؤسسات الدولة الليبية من مضمونها وتتحول إلى شكل واسم فقط.

وأطلق عدد من الناشطين حملة عبر مواقع التواصل الإجتماعي لنقل مواقف الشعب الليبي من آلية إنتخاب رئيس ليبيا القادم ، ورفضه المطلق لمناورات الإخوان وحلفائهم من الإنعزاليين الجهويين الخائفين من أن تميل إرادة الليبيين نحو طرف سياسي لا ينسجم مع طموحاتهم للسيطرة على البلاد ومقدراتها.