من وراء قضبان السجن المدني بالمرناقية ( غربي العاصمة ) يتطلع رجل الأعمال في قطاع الاعلام والإعلان التونسي نبيل القروي الى الفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها يوم 15 سبتمبر القادم ، بعد أن تم توقيفه الجمعة الماضي على ذمة القضاء ، وأكدت هيئة الإنتخابات أن سجنه لن يؤثر على موقفه كمترشح للسباق الإنتخابي بإعتباره غير خاضع لحكم نهائي

أغلب المراقبون يرون أن ما حدث للقروي قد يفيده أكثر مما يضره ، فالرجل الذي الذي وضعته مختلف نتائج إستطلاعات الرأي المعلنة وغير المعلنة في صدارة من يحظون بنوايا التصويت ، قد يتحول الى زعيم سياسي فعلي في نظر أنصاره ،وهي الصفة التي لم يحلم لها سابقا ، حيث من الصعب إقناع الداخل والخارج بأن توقيفه وإيداعه السجن في هذا الظرف بالذات،  كانا نتيجة تورطه في قضية مالية تم رفع دعواها بشأنه منذ العام 2016 ،

ونبيل قروي من مواليد 1 أغسطس 1963 في مدينة بنزرت ( شمال ) ، سافر خلال سنوات شبابه الأولى الى جنوب فرنسا حيث انضم إلى قسم المبيعات والتسويق في شركة « هنكل » متعددة الجنسيات ، وهناك اتصلت به شركة توظيف للانضمام إلى الوحدة الدولية لقناة (كنال +) عند بدء إنشائها في شمال إفريقيا ليلتحق بها كأول موظف في المنطقة المغاربية  وعمل في وظيفة مدير تجاري لمدة عامين  .

وفي عام 1996 ، أنشأ وكالة للاتصالات مع شقيقه غازي ، قبل أن يتجها الى مجال الإعلان  في عام 2002 ، حيث أسسا مجموعة دولية مستقلة تحمل إسم « قروي أند قروي » ، تولى نبيل إدارتها العامة ،  وبعد نجاح أول مكتب لها  في المغرب ، افتتح على التوالي مكاتب في الجزائر والرياض والخرطوم ونواكشوط وطرابلس .

وفي العام 2009 دشن القروي فرعا للشركة مخصصا للإنتاج السمعي البصري والتفاعل الرقمي والعروض الفنية ، حيث أطلق في ذلك العام قناة « نسمة » ذات التوجه  الترفيهي المغاربي ، والتي كانت أول إنتاجاتها  برنامج  «ستار أكاديمي المغاربي » الذي شارك فيها شباب من دول المغرب العربي

في 30 ديسمبر 2010 ، بينما كانت الاضطرابات تهز ولاية سيدي بوزيد بوسط تونس ، قامت قناة « نسمة » بضوء أخضر من نظام زين العابدن ببن علي ، بتخصيص ساعات للحديث بجرأة عن الأسباب التي تقف وراء الإحتجاجات الشعبية ، وبعد سقوط النظام في يناير 2011 ، حوّل القروي قناته الى قناة إخبارية بالدرجة الأولى ، لكن في 9 أكتوبر 2011 ،حدث ما يكن يدور في خلد القروي ، حيث وما إن بثت قناه الفيلم الإيراني « برسيبوليس» حتى قوبل بهجوم عنيف من الإسلاميين ، وحاول حوالي 200 من المتشددين حرق مبنى القناة و هاجموا منزله بعد بضعة أيام ، ثم تمت مقاضاته  بعد ذلك  بتهمة المساس من المقدسات ، لتثير محاكمته ردود فعل متعاطفة مع القروي من القوى الليبيرالية في الداخل ومن المنظمات الحقوقية في الغرب

وفي  3 مايو 2012 أصدرت المحكمة حكما على القروي بدفع غرامة قدرها 2400 دينار تونسي على أن  تحتفظ بالحق في الاستئناف

بعد فوز حركة  النهضة الإخوانية في إنتخابات الجمعية التأسيسية في أكتوبر 2011 ،  كان نبيل القروي من المقربين من الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مع مجموعة صغيرة من الشخصيات السياسية  الذين بادروا بالعمل على  إنشاء حزب سياسي يهدف إلى تشكيل توازن في البلاد مع قوى الإسلام السياسي التي بدأت في التغلغل في مختلف مفاصل الدولة

كان القروي أحد مؤسسي حركة نداء تونس ، وفتح أبواب قناته التلفزيونية للحزب الجديد ولرئيسه قائد السبسي ، وبعد إغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي من قبل متشددين إسلاميين ، والاطاحة بحكم الإخوان في مصر ، إتجهت قوى إقليمية من بينها الجزائر ، وغربية من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا الى رعاية اللقاء السري الذي في 16 أغسطس 2013 بين زعيم نداء تونس الباجي قائد السبسي الذي كان مرفوقا بالقروي وبين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ، وفي 2014 فاز نداء تونس في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية بعد دور كبير قامت به قناة « نسمة » لفائدة حزب السبسي ، بينما قا نبيل القروي بالإشراف على الجانب الإعلام السمعي البصري والدعائي لحملة الرئيس الرئيس الراحل

في العام 2015 بدأت التصدعات تظهر في حركة نداء تونس بإنشقاق عدد من القيادييين الذين لم يوافقوا على سياسة التوافق الحكومي مع حركة النهضة ، وشهدت تلك الفترة تقرب القروي من الغنوشي ، ودعمه لنجل الرئيس حافظ قائد السبسي وتعيينه عضوا في المجلس التنفيذي للحركة  في يناير 2016، قبل أن يختلف مع نجل الرئيس لاحقا ، وفي أبريل 2017 أعلن القروي تجميد عضويته من النداء ، لكن الأمر لم ينته بسلام . فقد تم تسريب تسجيل على شبكات التواصل الاجتماعي،  أعلن فيه القروي عن رغبته في حل منظمة « أنايقظ »غير الحكومية والمتخصصة في مكافحة الفساد، بعد أن كانت استهدفته وشقيقه قبل عام بتهمة التهرب الضريبي وعدم سداد قرض لأحد المصارف

كما تعرض القروي الى حملات شنت عليه بسبب دعم قناته في العامين 2014  و2015 لمنظومة فجر ليبيا وإستقبالها عدد من أمراء الحرب من بينهم الإرهابي عبد الحكيم بالحاج

في أغسطس 2016 تغيرت حياة القروي رأسا على عقب عندما توفي أبنه الوحيد خليل في حادث ، فأسس بعد ذلك جمعية « خليل تونس » الخيرية التي خصص مساحات كبرى للترويج على قناة « نسمة » من بينها برنامج كان يتولى فيه مخاطبة الفقراء ويعرض قصصهم الإنسانية ويحرض الميسورين على التبرع لهم ، ما أعطاه شعبية جارفة خصوصا وأن ذلك البرنامج كان يبث في أوقات الذروة قبل عرض المسلسلات التركية التي كانت قناته تقوم بدبلجتها الى اللهجة العامية التونسية

وقد تزامنت نجومية القروي مع خلافاته مع الهيئة المستقلة للإتصال السمعي البصري التي غرمته في مناسبات عدة بسبب خرق قوانينها من قبل قناته التي لم تغير صيغة إنشائها وفق الشروط المحددة بعد 2011 ، وفي أبريل الماضي ، تم غلق قناة «نسمة» من قبل قوات أمنية مكلفة ، وهو ما زاد من التعاطف الشعبي مع نبيل القروي وإظهاره في صورة الضحية بسبب دعمه للفقراء ، خصوصا وأن الغلق جاء في ظهور الإعلان عن نتائج عمليات لإستطلاع الرأي أظهرت أنه يتقدم نوايا التصويت في الإنتخابات الرئاسية ، لكن بعد أيام عادت القناة للبث

وفي أوائل يونيو 2019 ، أعلن القروي ترشيحه للانتخابات الرئاسية ، لكن بعد أين ، وتحديدا في 18 يونيو 2019 تم اعتماد تعديلات مثيرة للجدل ، كان من دوافعها إقصاؤه من الترشح ، حيث تحظر التعديلات  ترشيح الأشخاص الذين تبرعوا بالسكان ، أو استفادوا من التمويل الأجنبي أو الإعلانات السياسية خلال الاثني عشر شهرًا التي سبقت الانتخابات ،أو لديهم سجل إجرامي . وفي 25 يونيو قدم 51 نائباً من نداء تونس والجبهة الشعبية استئنافاً لعدم دستورية التعديلات، و في نفس اليوم ، أصبح  القروي رئيسا لحزب« قلب تونس »  المعروف سابقا باسم الحزب التونسي للسلام الاجتماعي

وفي يوليو 2019 أعلن القروي أن حزبه يقدم مرشحين في الانتخابات البرلمانية في 33 دائرة ، وقد زاد من مستوى ثقته بالنجاح أن الرئيس الرئيس الراحل  الباجي قائد السبسي رفض التوقيع على التعديلات الإنتخابية المصدق عليها من قبل البرلمان ، وبالتالي لم تنشر في الجريدة الرسمية ، ولم يتم إعتمادها رسميا من قبل هيئة الإنتخابات

رزق القروي بتوأمين ذكرين بعد رحيل إبنه ، وتحول الى منافس جدي على إدارة البلاد ، لكنه بالمقابل دخل في مواجهات معلنة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد المرشح بدوره للسباق نحو قرطاج ، ويوم 23 أغسطس الجاري تم توقيفه بينما كان يقوم بجولاته الميدانية في شمال البلاد ، ليجد نفسه قابلا في السجن المدني ، لكن ذلك لن يمنعه ولن يمنع حزبه من المنافسة في الإنتخابات بشقيها الرئاسي والتشريعي ، فهل يكون أول رئيس ينتخب وهو وراء القضبان ؟