في الوقت الذي كثفت فيه قوات الجيش الليبي من هجماتها على الميليشيات المسلحة، في إشارة قوية إلى دخول معركة تحرير طرابلس إلى مرحلة الحسم وتخليص العاصمة الليبية من هذه المجموعات الخارجة عن القانون،تزداد الصورة وضوحا حول تركيبة قوات حكومة الوفاق التي تواجه الجيش الليبي.

.ففي موقف جديد يثبت امعان السراج في تمويل المليشيات المسلحة من أموال الشعب الليبي، في محاولة لإغرائها بمواصلة القتال للتصدي للعملية العسكرية التي يقودها الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر لتحرير العاصمة،خصصت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا،الثلاثاء،مبالغ مالية ضخمة جديدة ومكافآت تصرف لعناصرها المسلحة، وذلك وفق بيانات منفصلة.

وأصدر رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج قراره رقم 67 لسنة 2019، الذي قرر بموجبه صرف مكافأة مالية قدرها 3 آلاف دينار (حوالي 1500 دولار)  لعناصر الميليشيات من الذين لبوا "نداء الواجب للدفاع عن العاصمة ضمن عملية بركان الغضب" وفق ما وصفهم نص المادة الأولى من القرار.

ونصت المادة الثانية من القرار الذي نشره المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي عبر صفحته على فيسبوك الثلاثاء، على أن "تتولى وزارة الدفاع صرف المكافأة المالية المحددة بموجب أحكام المادة الأولى من هذا القرار وفقا لكشوفات الأسماء، مبينا بها الاسم كاملا والرقم الوطني بعد اعتمادها من آمر غرفة العمليات المشتركة الغربية لإحالتها إلى وزارة الدفاع".

كما قرر المجلس الرئاسي،تخصيص 40 مليون دينار (28.5 مليون دولار)  لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق. وأشار القرار إلى خصم المبلغ من بند المتفرقات بالميزانية العامة، التي تحصل على ترتيباتها من مصرف ليبيا المركزي، وفق صفحة المكتب الإعلامي لرئيس المجلس على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

ولم يذكر القرار وجهة صرف المبلغ وسط توقعات بأن يكون مخصصا لصفقات تسليح الميليشيات،خاصة في ظل الاتهامات المتصاعدة لحكومة السراج آخرها ما جاء على لسان مدير إدارة السيولة بمصرف ليبيا المركزي بالبيضاء، رمزي الآغا الذي كشف مؤخرا عن آليات صرف وتحويل أموال لشراء الأسلحة التركية لصالح ميليشيات حكومة الوفاق.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن أغا،قوله أن جزءًا من العمليات التي تمت لصالح الحكومة التركية وبغرض شراء أسلحة من ضمنها طائرات مسيرة دون طيار "درون" ومدرعات، تمت عبر اعتمادين فتحهما مصرف ليبيا المركزي فرع طرابلس.وبين أغا أن الاعتماد الأول صدر من حساب وزارة الداخلية بقيمة 22 مليون يورو بالسعر الرسمي، لصالح محل لبيع مجوهرات يملكه ليبي في إسطنبول، والاعتماد تم فتحه من خلال بنك يوباي روما بإيطاليا بغرض استيراد طائرات درون.

وأشار إلى أن الاعتماد الثاني صدر من حساب وزارة الصحة بقيمة 20 مليون يورو بالسعر الرسمي لصالح شركة سياحية في إسطنبول يملكها ليبي من خلال بنك يوباي روما بهدف استيراد أسلحة وذخائر ومضادات للطائرات المسيرة.ولفت إلى أن مصرف ليبيا الخارجي يملك 67% ‎ من أسهم بنك يوباي روما ، مشيرًا إلى أن إدارة المصرف  أقالت مسؤولين من البنك لاعتراضهم على فتح هذه الاعتمادات المشبوهة، باعتبارها تحايلًا على قرارات مجلس الأمن بخصوص حظر التسلح.

ولم يعد الدعم العسكري التركي للميليشيات والمجموعات الإرهابية في طرابلس ومصراتة خافيا بعد أن اعترفت بذلك رغم حظر التسليح الأممي المفروض على ليبيا، وسط صمت دولي.وباتت حكومة الوفاق الممول الرئيسي لتسليح المليشيات في ظل انقسام إدارة المصرف المركزي، إذ يتحكم الصديق الكبير محافظ المصرف في العاصمة بمقدارات البلاد، سواء العوائد النفطية أو غيرها.

وكان عضو مجلس النواب إبراهيم الزغيد،أكد منذ أيام في مداخلة هاتفية مع قناة "العربية الحدث"،أن "إقتصاد ليبيا ريعي متوقف على النفط لذا قامت القوات المسلحة برفع القوة القاهرة عن الموانئ النفطية ليتم تصديرها حيث  يذهب  النفط إلى مصطفى صنع الله ليذهب إلى مصرف ليبيا المركزي ومن ثم يتحول من العملة الصعبة إلى العملة المحلية ليقوم محافظ مصرف ليبيا المركزي المقال الصديق الكبير بصرف هذه الأموال على الميليشيات وبالتالي يتم شراء الأسلحة ومن قطر وتركيا بأموال الليبيين".

وأردف :"أما الليبيين يتزاحمون على المصارف ولم يتحصلوا على الف دينار من مصرف خلال أسبوع وبالتالي فهي أموال الليبيين أما نحكمكم أو نقتلكم،فثروة الليبيين هي التي تذهب لتقتلهم بدم بارد"،لافتاً إلى أن كل ما يحدث في العاصمة طرابلس هو عبارة عن قتل الليبيين بأموالهم.وثمن عضو مجلس النواب دور الجيش الوطني لمقارعته الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين وحكومة فائز السراج ،مؤكداً أن العاصمة التي وصفها بـ"المغتصبة" ستعود إلى الليبيين.

وليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها مسألة تمويل حكومة الوفاق للمليشيات،ففي بداية المعركة مطلع أبريل الماضي،أعلن السراج تخصيص 2.5 مليار دينار ليبي أي حوالي مليار دولار.وأصدر السراج حينئذ قرارين بشأن تخصيص مبلغ ملياري دينار (حوالي مليار دولار) لمعالجة الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة ومعالجة آثار الاشتباكات بالعاصمة طرابلس، وكذلك تخصيص مبلغ 484 مليون دينار لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق أي نحو 200 مليون دولار.

وأثار القرار حينها شكوكا حول الهدف منه،حيث حذر رئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب، زايد هدية،في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، من وصول الأموال الليبية المصروفة من المجلس الرئاسي والمصرف المركزي في طرابلس إلى المتطرفين.وطالب النائب كافة موظفي المصارف بتحمل مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية والقانونية تجاه بلدهم وشعبهم بكل شجاعة.

ورأى عضو مجلس النواب محمد العباني أن قرار رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بمنح 2 مليار دينار لميليشيات طرابلس هو إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق من أموال الخزينة العامة التي تعد ملكاً للشعب،متهماً السراج بارتكاب جريمة إهدار مال عام لتصرفه في المال العام خارج الميزانية المعتمدة ،مؤكدا  أن تخصيص مبلغ ملياري دينار خير دليل على ارتباط المجلس الرئاسي والسراج بقوى الشر والإرهاب ما يفقده أي شرعية ويعريه أمام شعبه والمجتمع الدولي ويجرده من العطاء الاجتماعي والأدبي والأخلاقي.

ويتهم السراج بالسيطرة على المؤسسات المالية الليبية وتوظيف مقدراتها لخدمة الميليشيات.حيث قام (السراج)،في فبراير الماضي، بصفته رئيس مجلس أمناء المؤسسة الليبية للإستثمار بتعيين القياديين في جماعة الإخوان المسلمين، مصطفى المانع، عضوًا بمجلس إدارة مؤسسة الاستثمار (الصندوق السيادي لثروة ليبيا)، ويوسف المبروك، نائبًا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة، بصلاحيات مدير عام وهو ما أثار جدلا واسعا في ليبيا حيث نددت به أطراف ليبية كثيرة.

وقالت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان،في بيان لها، إنها تضع كل الليبيين أمام أكبر صور الفساد الإداري والمالي، وتحالف قوى السلطة والمال لإنتاج أبشع أنواع الفساد في أعلى كيانات الدولة المتمثل في قرار السراج، بتعيين كل من مصطفى المانع عضوا بالمؤسسة الليبية للاستثمار، ويوسف المبروك نائباً لرئيس مجلس الإدارة بمؤسسة الاستثمار، مذكرة بأن كل التعيينات التي أجراها السراج، مبنية عن صلة القرابة أو زمالة الدراسة، أو المحاصصة، بعيدا عن أي معيار للكفاءات والمهنية والخبرة.

وجاء هذا التعيين ضمن ما أعتبر تمكين السراج لجماعة الإخوان في مفاصل الدولة الليبية ، عبر تعيينهم في المناصب العليا. فالجهاز المالي الليبي، يعاني من وقوعه تحت سيطرة أفراد من جماعة الإخوان. ويعتبر المصرف المركزي بطرابلس، على رأس هذه المؤسسات الخاضعة للإخوان، إذ ينتمي كل أعضاء ما يعرف بالهيئة المركزية للرقابة الشرعية بالمصرف للجماعة، فيما يترأس اللجنة المعنية بمراجعة العمليات المصرفية والتأكد من مطابقتها للشريعة، حمزة أبوفارس، الذي أٌدرج على قوائم الإرهاب الموضوعة بمعرفة دول الرباعي العربي ، على خلفية علاقته بقطر والتنظيمات الإرهابية.

وتعتمد حكومة الوفاق على مجموعة من المجموعات المسلحة، شكّلت فيما بينها تحالفًا في ديسمبر/كانون الأول 2018، سُمي بـ"قوات حماية ليبيا"، وهو تحالف يضم أبرز الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، وهي "ثوار طرابلس"،"لواء النواصي"، و"قوة الردع والتدخل المشتركة" محور أبو سليم، و"ميليشيا باب تاجوراء".

وبالإضافة إلى هذه المليشيات الرئيسية، انضمت مجموعات مسلحة تتبع التيارات المتشددة للقتال ضد الجيش الليبي على غرار قوات أبو عبيدة الزاوية، والتي تتمركز بشكل أساسي في مدينة الزاوية الليبية، ويقودها شعبان هدية المكني بأبو عبيدة الزاوي.ومليشيا لواء الصمود في مصراته بقيادة الإخواني صلاح بادي.بالاضافة الى قوات ما يسمى "سرايا الدفاع عن بنغازي" المصنفة عربياً على لوائح التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال أفريقيا. 

وتخشى جهات مخابراتية غربية من تحويل مبالغ ضخمة من أموال الشعب الليبي الى الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيمي "داعش" و"القاعدة" الذين يقاتل في صفوف قوات السراج، خصوصا بعد أن تأكد لها أن المجلس الرئاسي بات يعتمد في تصديه للجيش على إرهابيين مطلوبين للمحاكمة سواء في ليبيا أو الخارج.

ومنذ الرابع من أبريل الجاري،أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" العسكرية في محاولة لتحرير العاصمة الليبية طرابلس من سيطرة المليشيات المسلحة.ومع دخول المعارك في شهرها الخامس كثف الجيش الليبي من غاراته الجوية مستهدفا مدين مصراتة اتي تعتبر المعقل الأبرز لأقوى المليشيات الموالية لحكومة الوفاق. 

وقصفت مقاتلات سلاح الجو التابعة لـ الجيش الوطني الليبي، اليوم الأربعاء، مرتين، القاعدة الجوية في مصراتة.وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، على صفحته بموقع "فيسبوك": إن "نسور سلاح الجو دمروا طائرة مقاتلة من نوع "إل 39" على مدرج مطار مصراتة العسكري، أثناء قصفها مدنيين في تخوم طرابلس.

وذكر البيان، أن القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، تؤكد على عدم استخدام المطار للعمليات العسكرية من قبل ميليشيات مسلحة، محذرًا من أن أي طائرة ستخرج من مطار مصراتة سوف يتم استهدافها من قبل سلاح الجو.وكانت الطائرات التابعة للجيش الليبي، دمرت في المكان نفسه طائرة شحن، قالت إنها كانت قادمة من تركيا، وبها حمولة من الصواريخ الخاصة بالطائرات المسيرة.

وزودت تركيا بشكل معلن الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق بأسلحة متنوعة من ضمنها طائرات درون ومدرعات قتالية ووسائل دفاع جوي،واعترف فائز السراج مؤخرا بتلقي قواته أسلحة من تركيا.ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن السراج قوله: "نحن في وضع دفاع عن النفس، نتعاون مع الدول الصديقة، وفقاً لما نراه مناسباً لحماية أهلنا"، والدفاع عما سماه "الشرعية".في مشهد كشف مدى تواطئ حكومته في استجلاب التدخل الخارجي في بلاده.

وتعد ليبيا إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً،لكن ورغم ذلك فقد بات تردي الأوضاع المعيشية السمة الأبرز في حياة الليبيين.حيث شهد الاقتصاد الليبي،خلال السنوات التي أعقبت إندلاع الأزمة في العام 2011،تعثرات كثيرة تمثلت في ارتفاع سعر صرف الدينار، والتذبذب في الإنتاج النفطي وصادراته اليومية.ورغم محاولات تجاوز الأزمات الاقتصادية،فإن تواصل وجود الميليشيات المسلحة التي تنهب البلاد وتستنزف ثرواته،يلقي بظلاله على امكانية انقاذ الاقتصاد المتهاوي وتحسين الأوضاع المعيشية المتردية للمواطن الليبي.

ومع فوضى انتشار السلاح وتضارب المصالح لدى قادة عدد من الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، يصر الجيش الليبي على مواصلة عملياته العسكرية التي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس، وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من الميليشيات وتعويلها عليها ما أدخل البلاد في أزمة خانقة تستمر تداعياتها منذ ثماني سنوات.