في مقال سابق، قبل نهاية العام الماضي، تحدثنا عن انتظارات الشعوب المغاربية، ومدى قدرة الحكومات على الوفاء بوعودها. وكان السؤال: هل ستنجح هذه الأقطار في الخروج من "البث التجريبي" ومن السياسة الفاشلة، وهل ستحظى الشعوب المغاربية بدول جديدة ناجحة؟ أم أن الأمر لا يتعدى عملية استنساخ للفشل؟

بعد أن مضى ستة أشهر من عامنا الجاري، خسر الليبيون رهانهم على استحقاقات ديسمبر، بعد أن فشلت الطبقة السياسية في احترام ورقة الطريق التي وضعها الحوار الوطني، وأفضت التحولات إلى عودة الانشقاق في المشهد السياسي الليبي وأصبحت الدولة الليبية برأسين بعد أن رفض عبد الحميد دبيبة التنازل عن السلطة والاعتراف بحكومة فتحي باشاغا.

عاد عبد الحكيم بلحاج إلى طرابلس بعد غياب خمسة أعوام قضاها بين تركيا وقطر، وأثارت عودة زعيم "الجماعة الليبية المقاتلة" المصنّفة تنظيما إرهابيا، جدلا واسعا وتساؤلات بشأن الدور الذي يمكن أن يلعبه في هذه المرحلة المفصلية التي تعيشها البلاد، على وقع انقسام سياسي ومؤسساتي واتهامات وتهديدات متبادلة بين المعسكرات المتنافسة. وقام دبيبة بزيارة إلى الجزائر مرفوقا بوفد رفيع المستوى، وشاعت أخبار أن الجزائر ستوقع اتفاقية دفاعية مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية.

ويقف المتابع للشأن الليبي أن التعنت الذي انحرف بمسار الحوار لم يقض على رصيد حكمة  الشعب الليبي وصبره، بل هناك جهد نسقي يعزز من فرص الحلول السلمية، وبالموازاة هناك إنجازات محلية وذاتية في تنفيذ برامج تنموية، ما يؤشر على أن السيرورة السياسية ستعود إلى مجراها الصحيح.

على المستوى التونسي، واصل قيس سعيد تفكيك المؤسسات والقوانين التي تأسست عليها تونس عام 2014، فحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وأطلق منصة الاستشارة الشعبية وكشف عن ملامح الحوار الوطني، وأصدر مرسوما دعا فيه إلى إجراء استفتاء على الدستور في يوم 25 يوليو القادم تزامنا مع الذكرى الأولى لإعلان التدابير الاستثنائية.

على المستوى المغربي، تمت تسوية خلافه مع إسبانيا وألمانيا وأحرز نجاحا في كسب أنصار جدد لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء، وتعززت علاقته بإسرائيل أمنيا من خلال "قمة النقب" التي جمعت إلى جانب إسرائيل والمغرب، الإمارات، مصر والبحرين.

بالنسبة لموريتانيا، شن الرئيس الموريتاني، في 24 مارس الماضي، هجوما قويا على أداء الحكومة، مؤكدا أن الجهاز الإداري يعاني اختلالات كبيرة جعلت المواطنين يفقدون الثقة فيه، وبعد ذلك بأسابيع أعلن الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية بموريتانيا، يحيى ولد أحمد الوقف، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي ضمت 25 وزيرا. ويبدي ولد الغزواني حزما ومرونة في التعاطي مع التحديات الداخلية والإقليمية، ولاسيما في علاقته مع المغرب والجزائر. وما يميز السياسة الموريتانية وعيها المتنامي بمخاطر الوضع الأمني في محيطها الإقليمي ووعيها بالدور الذي يمكن أن تضطلع به في تسوية عدد من الملفات. ويمكن القول أن قوة السياسة الموريتانية تكمن في تواضعها وعدم انفعالها إزاء الغطرسة التي تطبع سلوك شركائها الإقليميين.

أما الجزائر، ومنذ أن اعتلى عبد المجيد تبون سدة الحكم، اتسمت سياستها بكيمياء خاصة أحدثت تفاعلات في وضعها الداخلي والخارجي على حد سواء. على الصعيد الداخلي، نجح الرئيس تبون في تخطي عقبات عديدة رغم "حالة البراء" التي انتهجتها ضده أحزاب وتنظيمات معارضة. ولعل أهم إنجازاته خلال الشهور التي مضت قانون الاستثمار الجديد وإطلاقه لمشروع المصالحة ولم الشمل. على الصعيد الخارجي، عرفت الجزائر في النصف الأول من هذا العام حراكا دبلوماسيا وسياسيا حيويا. لقد حدث انقلاب في طبيعة العلاقات الجزائرية مع محيطها الأوروبي، ولاسيما مع فرنسا وإسبانيا، حيث العلاقة مع هذين البلدين ستعرف في المستقبل قدرا كبيرا من الشفافية والواقعية على الرغم مما يبدو من تناقضات في المواقف والرؤى حول بعض القضايا. على المستوى المغاربي حدثت تفاعلات كيمياوية تحمل الكثير من التشاؤم لدى المكتفي بجانبها الظاهر، لكنها على مستوى سياقات أخرى تؤشر على مستقبل أفضل، أما على المستوى العربي فإن ملفات الفصائل الفلسطينية والقمة العربية ستعرف مقاربة جديدة، وبصرف النظر إن كانت القمة العربية ستلتئم في موعدها المحدد أم في مارس القادم، فإن سيرورة الحوار لن تتعطل بين الجزائر ومحيطها العربي، بل طبيعة المرحلة، ستفضي بالجزائر ومحيطها العربي إلى توافقات تكون أرضية للقمة العربية وللجامعة العربية مستقبلا.

في السياق الأممي، العربي، والمحلي، يظهر المشهد المغاربي مليئا بالتناقضات، تبدو أوضاعه الداخلية متأزمة أمنيا، سياسيا وتنمويا حيث كل قطر يجد صعوبة في رص جبهته الداخلية وإعادة بناء الثقة بين المجتمع والدولة. كل الحكومات المغاربية تعاني خصاصا في الذكاء السياسي، وتعاني من تراكم الفشل والفساد، تجد صعوبة في العثور الحلول وفي استقطاب الشباب وخلق مناخ سياسي يمنحها الحد الأدنى من الشعور بالثقة والمصداقية، على المستوى البيني تبدو الاصطفافات متحفظة وغير مكتملة، ويبدو كل شيء قابلا للانقلاب إلى هذه الجهة أو تلك. سياسة المحاور، على مستوى أوسع، تزداد وضوحا رغم الغموض والتعثرات التي تعترض صناع المحاور.

بأي جديد ستأتي الذكرى الستون للاستقلال الجزائري يوم 5 يوليو؟ وهل سينجح عبد المجيد تبون في فتح صفحة جديدة مع الطبقة السياسية؟ وهل سينجح قيس سعيد يوم 25 يوليو في إعطاء نفس جديد للجمهورية التونسية؟ وأي مآل سيعرفه حزب النهضة؟ وهل ستخرج حكومة دبيبة من سياسة التصعيد إلى التسوية؟ أم ستعرف ليبيا منعرجا جديدا في الصراع على السلطة؟ وهل ستنجح حكومة أخنوش في الإجابة على مطالب الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية؟ وإلى أي مدى ستنجح الحكومة الموريتانية الجديدة في تدبير الوضع الداخلي من جهة، وملف الصحراء من جهة ثانية؟