ما بين وعود انتخابية تتضمن ارقاما وتصورات لمكافحة مشكلة البطالة المتصاعدة في تونس وما بين واقع يجعل من الصعوبة بمكان تجسيد هذه الوعود على الأرض، فإن الحل الوحيد لهذه المشكلة يتمثل في ان تشهد البلاد بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة فترة استقرار تسمح بجذب الاستثمارات الخارجية ومن ثم زيادة فرص العمل بشكل كبير..هذه الرؤية طرحها في مقابلة مع الاناضول رضا الشكندالي، الخبير الاقتصادي التونسي والمدير العام لمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بتونس، في معرض تقييمه لتصورات تقليص البطالة في برامج الأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات التشريعية، غدا الاحد.

وتعتبر البطالة المعضلة الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد التونسي كما انها مثلت أهم المطالب التي قامت من أجلها ثورة الحرية والكرامة في سنة 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.وبحسب أرقام رسمية، فقد بلغت نسبة البطالة في الربع الأول من العام الجاري 15.2 بالمائة متراجعة بـ 0.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من 2013 حيث كانت قد بلغت 15.1 بالمائة، وإن بقيت مرتفعة. وتمس البطالة بشكل خاص الفئة الشبابية وبشكل أخص حملة الشهادات العليا، ما يعني انها مرشحة للتصاعد مستقبلا إذا لم تواجه بشكل ناجع، حيث بلغت نسبة البطالة بين الشباب الجامعيين (ذكور وإناث) في الربع الأول من العام الجاري 31.4 بالمائة، وتوزعت بنسبة 40.8 بالمائة لدى الإناث و21.2 بالمائة لدى الرجال.

واوضح الشكندالي بداية أن التركة مثقلة من النظام القديم الذي تجاهل فئات عمرية وجهوية عديدة، فلم يعط اهتماما بتشغيل الشباب ولذلك كل الأرقام تدل على أن الفئة العمرية بين 19 و25 سنة هي الأرفع نسبة بطالة من كل الفئات العمرية الأخرى. كما ان المرأة أيضا كانت مستبعدة من برامج التشغيل لدلك فإن نسبة البطالة لدى الإناث اليوم هي ضعف نسبة البطالة لدى الذكور، وكذلك الفارق نفسه بالنسبة للمناطق الداخلية المهمشة اقتصاديا رغم ما بها من "خيرات من فوسفات وغيره"، مقارنة بالمناطق الساحلية التي "تنتفع" بهذه الخيرات.

وبعد ثورة 2011، يتابع الخبير الاقتصادي، لم تأخذ المسألة الاقتصادية حظها نتيجة للتوترات والتجاذبات السياسية، و"بالتالي فإن ما يتوجب القيام به بعد الانتخابات التشريعية وتكوين الحكومة المقبلة هو إيلاء الأهمية القصوى للاقتصاد بجانب الانتهاء من المسألة الأمنية والسياسية التي تتطلب بين سنتين و3 سنوات أخرى لضمان الاستقرار الأمني والسياسي".واليوم، لم يخل أي برنامج لحزب ينافس على الانتخابات التشريعية التي تجري الاحد المقبل من تصورات وتعهدات لمكافة البطالة

"حركة النهضة" وعدت من جانبها بالتقليص من نسبة البطالة إلى أقل من 10 في المائة في المدى المتوسط وزيادة فرص العمل من 2.1 في المائة حاليا سنويا إلى 3 في المائة إضافة إلى تقليص نسبة البطالة لدى الشباب وخريجي الجامعات إلى أكثر من النصف.وكذلك الشأن بالنسبة لحزب "نداء تونس" الذي وعد بتوفير 450 ألف موطن شغل جديد في ظرف خمس سنوات، وأيضا "الجبهة الشعبية" التي حددت الآليات الكفيلة بالحد من ظاهرة البطالة وأهمها إقرار منحة بطالة شهرية، وضمان تدخل الدولة المباشر في القطاعات الإستراتيجية عبر إطلاق مشاريع كبرى لما تمتاز به من قدرة تشغيلية عالية.

وبوجه عام، رأى رضا الشكندالي أنّ  هذه الأرقام التي تضمنتها البرامج الاقتصادية للأحزاب "غير ممكنة سواء من حيث نسب النمو المقدمة أو من حيث فرص التشغيل"، مشددا على  أنه "لابد من سنتين أو ثلاث لضمان الاستقرار الأمني والسياسي ووضوح الرؤى فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية وبالتالي عودة الاستثمار الخاص".وأشار إلى أن الاقتصاد التونسي لن يتمكن بنفس المنوال الحالي، الذي يوفر 75 ألف فرصة عمل سنويا، من تجاوز الـ 200 ألف موطن شغل في الخمس سنوات القادمة في ضوء المعطيات الراهنة، مؤكدا أن "الأحزاب السياسية لها الحق في الحلم لأن هناك فرق كبير بين الحكومة والحزب باعتبار أن الحكومة القادمة ستكون توافقية وبالتالي لن يتم تطبيق أي برنامج اقتصادي لأي حزب حاكم أو مساءلته عليه".وخلص الشكندالي أن حل البطالة يتمثل في عودة الاستثمارات الأجنبية بقوة للبلاد، مضيفا أن تونس تحتاج كذلك استثمارات من نوع خاص. 

وأوضح هذه الجزئية قائلا: "البطالة في تونس من نوع خاص جدا وهي بطالة أصحاب الشهائد العليا [تمثل تقريبا ثلث نسبة البطالة] وهؤلاء لا يمكن إعطاؤهم أجرا منخفضا وبالتالي فإن الاستثمار في اليد العاملة الرخيصة اليوم والاكتفاء بتوفير فرص عمل لها باعتبار الامر أيسر - كما كان يفعل النظام السابق - لم يعد مجديا ولن يحل معضلة البطالة، فالأمر يستوجب تغيير المنوال حتى يتمكن من استقطاب هذه الفئة من العاطلين، وذلك عن طريق جذب استثمارات في القطاعات ذات المحتوى المعرفي العالي لتوظيف حملة الشهادات".