ساهم الفراغ الأمني وغياب دور الدولة، وهشاشة المؤسسات الليبية بعد سقوط نظام القذافي، في تنامي الميليشيات المُسلحة التي مارست وظائف أمنية، منها حماية المنشآت العامة، وجمع المعلومات، وتنفيذ عمليات القبض والمداهمات، ما تجلى بصورة كبيرة في طرابلس، بعدما تولت حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج مقاليد الأمور في مارس2016.

وتعتبر خريطة تحالف المليشيات المسلحة في مدينة طرابلس الليبية معقدة ويصعب على من يتابع المشهد الليبي فرزها بسهولة.

ولم يتوقف مشهد سلاح الميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس عن التحول تبعاً لعوامل داخلية وخارجية، وإن كانت هي بذاتها لم تتغير، على الرغم من وصولها أخيراً إلى حافة الهاوية، بعد تضاؤل نفوذها بسبب التغيرات المتلاحقة على الساحتين السياسية والأمنية في البلاد، حتى أن بعض قادة هذه الميليشيات أبدوا رغبتهم في الخروج من المشهد بعد ضمان عدم ملاحقتهم والاحتفاظ بالأموال التي جنوها طيلة الفترات الماضية، أمام سعي حكومة الوفاق الواضح إلى إنهاء سيطرة هذه الميليشيات على الدولة.

إلا أنه ظهرت  حقيقة العلاقة الخلافية بينها بدأت تظهر على شاشة المشهد مع استمرار عملية تحرير طرابلس، الأمر الذي يُنذر بانهيارها قريبًا أمام القوات المسلحة.

حيث ووفقًا لموقع (أفريكا انتلجنس) المُهتم بنشر الدراسات السياسية والاقتصادية والأمنية حول القضايا الأفريقية، فإن التوترات بين المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق في طرابلس أصبحت تتزايد على أرض الواقع، خاصة بين مليشيات طرابلس ومصراتة.

وقال، الموقع في تقرير له، اليوم الخميس، وترجمته العنوان، "إن التوترات بين قوات طرابلس ومصراتة أصبحت واضحة بشكل متزايد على أرض الواقع، وذلك منذ انتقال قوات مصراتة إلى خط المواجهة في أوائل شهر مايو، حيث تتهمها قوات طرابلس باحتكار المعدات العسكرية التي تلقتها حكومة الوفاق، ولا سيما القادمة من تركيا".

وأشار الموقع إلى "أن قوات مصراتة تخشى من حلفائها من قوات طرابلس"وذلك بسبب المواقف السياسية غير المستقرة للأخيرة، حسب قوله.

وقال الموقع: "هذا هو الحال مع كتيبة ثوار طرابلس، بقيادة، هيثم التاجوري، التي أصبحت تُهدد بالانقسام، خاصة وأن مغادرة التاجوري إلى تونس قد أضر بمعنويات قواتها".

واعتبر الموقع في تقريره أن مليشيا "قوة الردع"بقيادة عبدالرؤوف كاره "محايدة بحذر"ومن الممكن أن يتحول ولائها إلى القوات المسلحة، بقيادة القائد العام، المشير خليفة حفتر.

وشهدت الميليشيات خلال الأشهر الماضية موجة من الاضطرابات، ظهرت ملامحها في شكل تصفيات جسدية لعدد من عناصرها القياديين، ما أدى إلى ترهلها وفقدان ثقتها في بعضها بعضاً، بل وفي داخل كل مجموعة. كما تغيرت الولاءات من قائد إلى آخر، أكثر من مرة، ما جعل تطبيق خطط الحكومة في التعامل معها أمراً صعباً. إذ هدفت خطة الترتيبات الأمنية، التي أعلنتها الحكومة في أكتوبر الماضي، إلى تفكيكها وتأمين انضواء عناصرها في شكل فردي في الأجهزة الأمنية.

من جهته، أكد الناشط الحقوقي والباحث السياسي الليبي، سراج التاورغي، لـ"العربية.نت" أن هذه الميليشيات التي توحدت تحت راية الدفاع عن طرابلس ومحاربة الجيش الليبي، "هي نفسها التي تتقاتل فيما بينها منذ سنوات داخل العاصمة على السلطة والنفوذ وتشارك وتعمل في مجال الجريمة وتهريب البشر والوقود".

وأشار التاورغي إلى أن "الجيش نجح في ضرب هذا التحالف المزعوم وأفقد المجموعات الثقة في بعضها البعض، حيث انسحبت ميليشيات ثوار طرابلس من محاور القتال التي تواجدت فيها ميليشيا صلاح بادي".

كما تحدث عن "التحالف غير المتجانس"، الذي تشكل بين الميليشيات المسلحة في طرابلس لمواجهة الجيش، بالنظر إلى حجم العداوات بينها، الراجعة أساساً إما إلى خلافات شخصية بين قادة الميليشيات وأيديولوجية أو تنافس محموم على السلطة والأرض والمصالح الاقتصادية بالعاصمة.

في ذات السياق،يرى مراقبون أن أي اتفاق للهدنة في العاصمة الليبية طرابلس دون إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وحل المليشيات المسلحة لن يحل الأزمة الحالية.