في ظل الواقع الليبي المشحون، بين انسداد الأفق السياسي وتواصل التصعيد بين الفرقاء خاصة مع تنامي حدة الصراع في العاصمة الليبية طرابلس،تصاعدت التحذيرات من تزايد أعداد المهاجرين القادمين من الأراضي الليبية باتجاه الأراضي الأوروبية وذلك بعد أشهر من تراجع هذه الظاهرة المقلقة لدول القارة العجوز.

وجاءت التحذيرات على لسان رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج،الذي حذّ في مقابلتين مع صحيفتين إيطاليتين من أن الحرب في بلاده قد تدفع أكثر من 800 ألف مهاجر نحو السواحل الأوروبية.

وقال السراج في تصريح لصحيفة "لا ريبوبليكا" إيطالية، "لن يكون هناك فقط 800 ألف مهاجر جاهزون للرحيل، سيكون هناك ليبيون يفرون من هذه الحرب".وأضاف "نواجه حرباً عدوانية قد تصيب بعدواها المتوسط برمته. على إيطاليا وأوروبا أن تكونا موحدتين وحازمتين للتصدي للحرب العدوانية التي يشنها حفتر" لافتا إلى أن الدمار سيطال أيضا "الدول المجاورة".

وفي المقابل،أكد وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني (يمين متطرف) أن الموانئ الإيطالية ستظل مغلقة في حين سارع نائب رئيس الوزراء لويجي دي مايو إلى الرد على السراج قائلاً "لن نسمح أبداً بأن يصل 800 ألف مهاجر إلى إيطاليا".وكرر دي مايو أن على أوروبا برمتها أن تتدخل في قضية الهجرة عبر "سياسة إعادة توزيع للمهاجرين" و"سياسة تعاون لإرساء الاستقرار في ليبيا".

وعلى مدى السنوات السبع الماضية،مثلت الشواطئ الليبية بوابة المهاجرين نحو أوروبا وخاصة الشواطئ الإيطالية التى تحملت العبئ الأكبر في إستقبال أكبر عدد من الهاجرن وهو ما دفعها إلى السعي إلى إبرام إتفاقيات مع عدة أطراف ليبية للحد من تدفق المهاجرين إلى شواطئها.فى وقت تشتكي فيه روما من تركها وحيدة تواجه أزمة الهجرة، وتطالب بالمزيد من التضامن من شركائها في الاتحاد الأوروبي.

من جهتها، قالت المنظمة الدولية للهجرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إنه "يستحيل توقع عدد الأشخاص الذين يمكن أن يغادروا ليبيا"، مضيفة "ثمة قلق الآن على أمن المدنيين والمهاجرين في البلاد".

وتكتظ مراكز الإيواء في ليبيا بعشرات الآلاف من المهاجرين ممن قامت السلطات الليبية بتوقيفهم داخل البلاد أو إنقاذهم في عرض البحر. وينال عدد من المهاجرين فرصة إعادة توطينهم في بلد ثالث، فيما تتم إعادة غالبيتهم طوعا إلى بلدانهم عن طريق المنظمة الدولية للهجرة.

وتتعرض ليبيا لانتقادات متكررة من المفوضية العليا للاجئين ومنظمات غير حكومية للانتهاكات السائدة والأوضاع الصعبة في مراكز الإيواء التي ينقل إليها المهاجرون الذين يتم اعتراضهم في البحر المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا.فيما يرى المسؤولون الليبيون أن بلادهم تتحمل عبئ الهجرة غير الشرعية.

وأطلقت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر هجوما منذ 4 أبريل/نيسان للسيطرة على العاصمة الليبية مقر حكومة الوفاق في عملية قالت إنها تهدف إلى القضاء على "الإرهابيين والمرتزقة".ويأمل الجيش الوطني الليبي في بسط سيطرته على غرب ليبيا في حين يسيطر على شرقها وقسم كبير من جنوبها وذلك في محاولة لانهاء الفوضى المتفشية في البلاد منذ سنوات.

وقالت صحيفة "العرب" اللندنية،أن تصريحات رئيس حكومة الوفاق الوطني،تأتي في الوقت الذي نجح به الجيش الليبي في فرض تكتيكاته العسكرية في مواجهة الميليشيات المُسلحة التي اتخذت العاصمة طرابلس، رهينة لها بتأييد من حكومة الوفاق، التي وفرت الغطاء السياسي والقانوني لها.

ونقلت الصحيفة عن مراقبين إن لجوء فايز السراج في هذا التوقيت لاستمالة دول الاتحاد الأوروبي من أجل التدخل بمثابة إعلان الهزيمة.وأضافت أن فايز السراج يهدف من وراء هذه التصريحات الصحافية إلى استغلال الخلاف الأوروبي حيال مجريات الأحداث في ليبيا، والدفع بدول من التكتل إلى الانضمام إلى الموقف الإيطالي الذي وضع يده بيد قطر لإسناد الميليشيات الإسلامية التي تهيمن على طرابلس.

لكن هذه المحاولات قوبلت بالرفض من مسؤولين ايطاليين،حيث أكدت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، إن الحل الدبلوماسي في ليبيا هو السبيل الوحيد المُجدي بالنسبة لإيطاليا.

وقالت الوزيرة في تصريحات إذاعية ونقلتها وكالة "آكي"الإيطالية،الاثنين،"إن من يتحدث عن هجمات عسكرية محتملة لا يدرك ما يقول لأننا نشهد اليوم عواقب هجوم عسكري لم يتم التفكير بعواقبه في إشارة الى عمليات الناتو سنة 2011 مبينة أن اللحظة الراهنة لن تكون أفضل من تلك السابقة.

وأشارت الوزيرة الى أن العواقب وبشكل خاص فيما يتعلق بزعزعة الاستقرار ستلقي بظلالها على إيطاليا فوراً لذلك فمن يقول لنهجم وإلا فسيتدفق المهاجرون لا يفهم أننا إذا وصلنا إلى نشوب حرب فلن يكون لدينا مهاجرين بل لاجئين، وهؤلاء الأخيرين يجب استقبالهم،على حد قولها.

وفي وقت سابق،قال نائب رئيس الوزراء الإيطالي، لويجي دي مايو،"إن إيطاليا ليس لديها أي نية لاستخدام القوة العسكرية للتدخل في الصراع الليبي". وكتب دي مايو على موقع فيسبوك "نستبعد تماما أي تدخل عسكري محتمل في ليبيا، لا اليوم ولا أي وقت مطلقا، مثلما نستبعد أي دعم محتمل حتى -ولو غير مباشر- من الدول الأخرى.

وقال دي مايو الذي يرأس حزب حركة خمس نجوم الشريك في الائتلاف الحاكم، في رسالته "في ظل وجودنا في الحكومة لن تكرر إيطاليا تلك الأخطاء".في اشارة منه إلى عام 2011، عندما ساعدت الغارات الجوية التي نفذها حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ادخال البلاد في حالة من الفوضى وسقوطها بين راثن المليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة.

وأسهمت الفوضى التي عصفت بليبيا منذ سنوات،في تحولها الى طريق عبور للمهاجرين عن طريق الجماعات المسلحة التي انتشرت في البلاد في ظل غياب سلطة الدولة.ويرى العديد من المتابعين للشأن الليبي أن ملف الهجرة كغيره من الملفات الليبية العالقة يبقى رهين القضاء على المليشيات المسلحة وارساء سلطة موحدة قادرة على فرض الاستقرار في البلاد.