تتعمق الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا يوما بعد يوم مع استمرار حالة الاحتقان الداخلي السياسي والعسكري بين الأطراف المتنازعة،لتدخل ليبيا في حالة من الحرب تزيد من ضبابية المشهد الليبي المعقد أصلا.وتسيطر على ليبيا ظروف بالغة التعقيد في ظل الحرب القائمة بين أطراف النزاع على تخوم العاصمة الليبية.
ومع أجواء التحشيد والتموضع،تنطلق التصريحات والخطابات التحريضية من هنا وهناك منذرة بجولة جديدة من الصراع في وقت تتواصل فيه المساعي الدولية للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في العاصمة طرابلس وبلوغ حل سياسي تفاوضي بين الأطراف المتصارعة يعزز الرخاء والأمن والاستقرار لجميع الليبيين.
وتتواصل وتيرة المواجهات المسلحة حيث تمكنت قوات الجيش الليبي، أمس الخميس، من صد هجمات شنتها قوات الوفاق على عدد من المحاور جنوب العاصمة طرابلس.وقال مصدر عسكري-فضل عدم ذكر اسمه-في تصريح لـ "بوابة أفريقيا الإخبارية"، إن جميع المحاور تشهد حالة من الهدوء النسبي بعد اشتباكات وقعت أمس بين قوات الجيش وقوات الوفاق وذلك على إثر هجوم شنته قوات الوفاق على تمركزات الجيش في منطقة الأحياء البرية بالقرب من المطار، لافتا إلى أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل حاتم الشعر أحد قادة مليشيات غنيوة، ومقتل أحد أبرز عناصر كتيبة فرسان جنزور عصام فكار.
وبدوره أكد المسؤول الإعلامي للواء 73 مشاة المنذر الخرطوش، أن "وحدات الجيش تصدت أمس الخميس إلى هجوم بمحور كاريزما، وكبدتها خسائر كبيرة في العتاد والأرواح"، وذلك بعد ساعات، من إفشال هجوم مماثل على منطقة "السبيعة"، حاولت من خلاله قوات الوفاق التقدم عسكرياً والسيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية الموجودة جنوب العاصمة طرابلس، تزامناً مع ضربات جويّة نفذها سلاح الجوّ التابع للجيش الليبي، على 4 مواقع للوفاق بطرابلس.
وشهدت منطقة الرملة خلف مطار طرابلس مواجهات عنيفة، حيث تسعى الميليشيات إلى فتح طريق تسمح لها باستعادة السيطرة على المطار الدولي المهجور في العاصمة، وقطع إمدادات الجيش ومحاصرته، عبر السيطرة على السبيعة الواقعة على طريق الإمدادات الرئيسية إلى مدينة ترهونة (على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس)، التي تُعدّ بمثابة منطقة استراتيجية نحو جبهات القتال.
وكشف المركز الاعلامي للجيش الوطني في بيان له عن مؤشرات تؤكد "انهيار النظام الدفاعي والعسكري للميليشيات والتنظيمات الإرهابية في معركة طرابلس"، لافتاً إلى أن "قوات الجيش ستدخل طرابلس قريباً".وقال البيان إن "قوات السراج لم يعد لديها قدرات جوية، وأصبحت تنتظر الدعم التركي، وصفقات أخرى. كما زاد عدد المرتزقة في محاورها بسبب قضاء قواتنا على قياداتهم الإرهابية، والخسائر الكبيرة في عناصرها، وعزوف الشباب عن القتال معها بعد أن اكتشفوا حقيقتها"، معتبراً أن "معالم نهاية المعركة تبدو الآن، وعليكم الاستعداد لما بعد التحرير".
وكانت القوات الموالية لحكومة الوفاق قالت إنها أحرزت تقدماً عسكرياً في منطقة السبيعة، التي تبعد مدينة 40 كيلومتراً جنوب العاصمة.وقال مصطفى المجعي، المتحدث باسم قوات الوفاق، في تصريحات لـ"وكالة الصحافة الفرنسية"، أول من أمس:"قواتنا أحرزت تقدماً عسكرياً في محور السبيعة، وسيطرنا على مواقع مهمة، أبرزها معهد الطيران ونقاط متقدمة". مضيفاً:"كانت معارك شرسة قبل انهيار قوات حفتر بسرعة، وتكبيد وحداتنا العسكرية خسائر كبيرة في آلياتهم"، لافتاً إلى "سقوط 20 من قوات الجيش قتلى، إضافة إلى عشرات الجرحى، مقابل سبعة عناصر من قواتنا".على حد زعمه.
وفي المقابل، قالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني إنه تم أمس استهداف أربعة مواقع للميليشيات في طرابلس بنجاح، وأضافت في بيان لها أن "كل موقع يؤوي هذه الميليشيات سيكون هدفاً مشروعاً لقوات الجيش"، وتابعت موضحة:"نتحرك ضمن خطة محكمة وتعليمات، ونعرف متى نتقدم ومتى نصنع مصائدنا"، مشيرة إلى أن "قوات الجيش على دراية تامة بكل ما يجري داخل مواقع العدو".
كما تحدثت الشعبة عن "رصد مئات المخطوفين على الهوية، وغيرهم من المدنيين، داخل سجون سرية عشوائية بالعاصمة طرابلس"، وتوعدت كل من كان وراء هذه العمليات بأنه سيكون هدفاً واضحاً ومباشراً لوحدات الجيش في البر والجو.يذكر أن وزير داخلية حكومة الوفاق "فتحي باشاغا" وجه تعليماته في ابريل الماضي إلى كافة مدراء الجهات والمكاتب الأمنية التابعة له طالب فيه بموافاته بأسماء كل من تعاون مع القوات المسلحة لمعاقبتهم واتخاذ إجراءات بحقهم.
وتأتي هذه التطورات العسكرية بينما كثفت البعثة الأممية من تحركاتها بهدف استئناف المفاوضات.وجدد مبعوث الأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا، غسان سلامة، التأكيد على ضرورة العودة إلى المفاوضات واستئناف العملية السياسية بين الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية، معتبرًا أن الحل العسكري للأزمة "وهم مكلف"، ومنوهًا إلى أن الأمم المتحدة "تقترب من العودة إلى عمليات حل الأزمات الليبية".
ووفقا لوكالة الأنباء السعودية "واس"، قال سلامة، فى مؤتمر صحفى عقده الأربعاء، مع وزير الشؤون الخارجية والترويج التجارى المالطى  "كارميلو أبيلا"، إن لدى مالطا دورًا خاصًّا فى لفت انتباه دول الاتحاد الأوروبى الأخرى إلى ما يحدث فى ليبيا، والمخاطر التى تنتج عن استمرار الأزمة هناك.
وردًّا على تعليق وزير الخارجية المالطى " كارميلو أبيلا"، بشأن الحل العسكرى فى ليبيا، قال سلامة: "إن الحل العسكرى هو وهم، وهو مكلف كذلك"، موضحاً أنه بعد أشهر من الصراع وأكثر من 1200 قتيل، تقترب الأمم المتحدة أخيرًا من العودة إلى عمليات حل الأزمات الليبية.وتابع سلامة: "أعرف أنه يمكننا الاعتماد على مالطا كدولة، وهى على استعداد للمساعدة، وعقد اجتماعات، كما تستطيع أن تذكر الأعضاء الآخرين فى الاتحاد الأوروبى بضرورة توحيد الموقف بشأن الأزمة التى تمر بها ليبيا".
وبدورها بدأت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للشؤون السياسية، ستيفاني ويليامز زيارة إلى مدينة مصراتة حيث أجرت سلسلة من المباحثات مع أعيان ومسؤولي المدينة.واجتمعت ويليامز بأعضاء بلدية مصراتة، حيث أجرت اجتماعات تناولت عدة موضوعات، منها مبادرة الممثل الخاص، غسان سلامة، بنقاطها الثلاث للعودة إلى العملية السياسية.
وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها المستمر للجهود التي تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وحل سياسي تفاوضي يعزز الرخاء والأمن والاستقرار لجميع الليبيين.وجاء ذلك خلال تقديم السفير الأميركي الجديد لدى ليبيا ريتشارد نورلاند أوراق اعتماده لوزير خارجية حكومة الوفاق الليبية المدعومة دوليا محمد الطاهر سيالة في سفارة ليبيا في تونس، بحسب بيان للسفارة الأميركية نشرته في صفحتها على موقع فيسبوك الخميس.
وكانت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، مورغان أورغتوس،قالت الاثنين الماضي، إن الوزير مايك بومبيو عبَّـر في اتصال هاتفي بنظيره المصري سامح شكري،عن "المخاوف الأميركية بشأن طول أمد الصراع في ليبيا"، مشيرة إلى أنهما "اتفقا على الحاجة لحل سياسي" وفق ما نقلته وكالة "رويترز" للأنباء.
وأوضحت أورغتوس في تصريح نشره موقع وزارة الخارجية الأميركية أن بومبيو بحث أيضًا مع شكري التعاون للتصدي لتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، مضيفة أن "الوزير ووزير الخارجية المصري يتشاركان القلق بشأن طول أمد العنف وعدم الاستقرار في ليبيا، واتفقا على الحاجة للتوصل إلى حل سياسي للصراع".وكان بيان صدر عن وزارة الخارجية المصرية، اكتفى فيما يتعلق بليبيا، بالإشارة إلى أن الاتصال الهاتفي، تناول الأزمات في كل من سوريا واليمن وليبيا.
وفي 29 يوليو الماضي، قدم سلامة إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا، طرح خلالها إجراءات فورية من ثلاث مراحل للخروج من النزاع وهي "إعلان هدنة بمناسبة عيد الأضحى، ثم عقد اجتماع رفيع  المستوى للبلدان المعنية من أجل ترسيخ وقف الأعمال العدائية، وبعدها تنظيم اجتماع دولي يعقبه اجتماع ليبي يضم الشخصيات القيادية المؤثرة من جميع أنحاء البلاد للاتفاق على العناصر الرئيسية في سبيل المضي قدما".
ونجحت البعثة الأممية في اقناع الأطراف الليبية بتنفيذ هدنة عيد الأضحى التي صمدت بالرغم من الخروقات التي شهدتها.وسارعت العديد من الأطراف للدعوة الى البناء على الهدنة من اجل التوصل لوقف نهائي للقتال.لكن محاولات تمديد الهدنة باءت بالفشل في ظل تواصل حالة الاحتقان بين الأطراف المتصارعة واستمرار عمليات التحشيد العسكري بينها.
ويخوض الجيش الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي عملية عسكرية لتطهير العاصمة طرابلس من المليشيات التي تسيطر عليها منذ سنوات وتحظى هذه المليشيات بدعم من دول اليمية على رأسها تركيا وقطر. وبالتزامن مع عملية طرابلس، يخوض الجيش الليبي معارك بين الحين والآخر ضد العصابات التشادية التي تتمركز في بعض المناطق جنوبي ليبيا خاصة في مدينة مرزق والتي تتحالف مع مليشيات العاصمة لتشتيت الجيش الليبي.