في الوقت الذي تتسارع فيه جهود ومساعي حثيثه من الجيش الوطني الليبي لانهاء الفوضى الأمنية وإعادة الإستقرار في كامل ربوع ليبيا،تتصاعد التحذيرات من تدخلات لأطراف خارجية اخري تسعي لتاجيج الصراع واطالة عمر الأزمة وحالة الفوضى في البلاد عبر دعم الجماعات المسلحة التي مثلت حجر عثرة أمام اخراج البلد الممزق من أزمته منذ سنوات.

وتتوالى الأحداث منذ أسابيع على تخوم العاصمة الليبية طرابلس، حيث يقوم الجيش الليبي بمجموعة من العمليات العسكرية لتحرير المدينة من المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية المسيطرة عليها منذ سنوات مستغلة الفوضي العارمة والانفلات الامني.وتتزايد التساؤلات حول سبب تأخير حسم المعركة بالرغم من فارق القوة والتنظيم بين الطرفين.

واندلع القتال يوم 5 أبريل/نيسان، بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج في طرابلس.ومنذ شن الهجوم،نجح الجيش الوطني الليبي في السيطرة على منطقة غريان وقصر بني غشير وعدد من البلدات الأصغر. كما سيطر أيضا على مطار العاصمة المدمر القديم لكن حسم المعركة لم يكتمل.

رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح،وفي حوار له مع صحيفة "الشرق الأوسط"،عزا تأخر الحسم الى التدخلات الخارجية الداعمة للمليشيات المسلحة.حيث شدد صالح على أن دعم قطر وتركيا للميليشيات في طرابلس أخّر حسم معارك الجيش لتحرير العاصمة، إلا أنه أكد أن ذلك "لن يثني الجيش عن استمرار تحركاته".

وتصاعد الدعم التركي للمليشيات خلال الفترة الماضية حيث واصلت تركيا ارسال شحنات السلاح الى ليبيا والتي كا آخرها أواخر مايو الماضي حين وصلت سفينة قادمة من ميناء "سامسون" التركي، محمّلة بأسلحة وذخائر متنوعة وآليات عسكرية إلى ميناء العاصمة طرابلس، حسبما وثقته صور ومقاطع فيديو التقطت على متنها، أظهرت كذلك لحظة تسلّم الشحنة من طرف كتيبة "لواء الصمود" التي يقودها المعاقب دوليّا صلاح بادي.

ولم تكتفي أنقرة بارسال سفن السلاح بل دفعت بعناصرها الى ساحة المعركة حيث نشرت "شعبة الإعلام الحربي" التابعة للجيش الوطني الليبي، على حسابها في موقع "فيسبوك"،منذ أيام، شريطًا مصورًا يظهر ضابطًا تركيًّا يدرب المسلحين على قيادة مدرعات تركية وصلت أخيرًا إلى العاصمة الليبية، مشيرة إلى أنّ الفيديو عثر عليه في هاتف أحد المقبوض عليهم.

كما تصاعدت مؤخرا التحذيرات من انتقال عناصر ارهابية الى ليبيا لمنع سقوط المليشيات في العاصمة طرابلس.وكشفت تقارير اعلامية أن تركيا كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا،حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة.وأكّد اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي،خلال مؤتمر صحفي على وجود "خط جوي وبحري مفتوح بين تركيا ومصراتة لنقل العتاد العسكري والإرهابيين إلى ليبيا".

وفي موقف تركي جديد تجاه تطورات الأزمة الليبية، وصف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو،الجمعة الماضي، تقدم الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس بأنه خطوة لفرض أمر واقع، ومحاولة منه للسيطرة على السلطة بالقوة بدعم قوى إقليمية، جاويش أوغلو عبر أيضا عن تصور أنقرة للحل في ليبيا حيث أكد دعم بلاده لجهود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ووصف أوغلو الموقف الأوروبي من الملف الليبي بأنه أصبح أكثر اتزانا، مرجحا عقد مؤتمر دولي حول ليبيا.على حد زعمه.

الموقف التركي يعكس صراحة القلق الذي باتت تعانيه أنقرة في ظل تراجع المليشيات الموالية لها في العاصمة الليبية والتي مثلت طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد،ذراعها الرئيسي لنهب ثروات ليبيا والعمل على اطالة أمد الأزمة فيها خدمة لمصالحها وأجنداتها التي تنفذها جماعات الاسلام السياسي الموالية لها وعلى رأسها جماعة "الاخوان".

وزادت المخاوف التركية والقطرية بعد تصويت مجلس الأمن الدولي، الإثنين الماضي، على تمديد قرار حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ عام 2011، كما فوض تفتيش سفن منعاً لتوريد هذه الأسلحة.ويأتي قرار مجلس الأمن بعد انتهاكات متتالية لتركيا بتهريب الأسلحة إلى ليبيا عبر موانئ طرابلس ومصراتة والخمس.

واعتبر مراقبون أن التوجه الغربي لمواصلة حظر تحرير استيراد الأسلحة في ليبيا من شأنه أن يساهم في الحد من وصول السلاح للجماعات وهو ما يمثل ضربة موجعة لتركيا التي تراهن على دعم المليشيات المسلحة التي تمثل الضامن الوحيد لها لمزيد نهب الثروات الليبية وتمرير اجنداتها التي تستهدف المنطقة ككل.

وتزايدت مؤشرات حسم معركة طرابلس مع تقدم الجيش الوطني الليبي وهو ما دفع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج لاطلاق مبادرة جديدة بعد أن كان قد أعلن في وقت سابق رفضه لوقف القتال وهو ما عزاه مراقبون الى الخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات حكومة الوفاق وتراجع مناطق نفوذها.

وتتلخص مبادرة السراج في عقد ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، يمثل جميع القوى الوطنية من جميع المناطق، مؤكداً أنّ "الملتقى سيسعى للاتفاق على خارطة طريق وإقرار قاعدة دستورية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، قبل نهاية 2019".ولم يكشف السراج عن الآلية التي ستمكنه من تنفيذها، خاصة أن سيطرته ضعيفة على الميليشيات المسيطرة على طرابلس.

وأمام الرفض الكبير الذي قوبلت به المبادرة من عدة أطراف سياسية في البلاد،سارع  رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج للتأكيد في تصريح لوكالة رويترز على إنه "غير مستعد" للجلوس مع  المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي للتفاوض على إنهاء معركة تحرير العاصمة طرابلس المستمرة منذ شهرين.

وتشير تصريحات السراج إلى وجود احتمالات ضعيفة لوقف إطلاق النار قريبًا في معركة طرابلس التي يتمركز فيها السراج وحكومته تحت حماية خليط من الميليشيات.ويرى العديد من المتابعين للشأن الليبي بأن التذبذب والتناقض الذي ظهر عليه السراج يكشف بوضوح ارتهانه للمليشيات التي تختلف مصالحها وأجنداتها لكنها تشترك في الرغبة في الابقاء على حالة الفوضى وغياب سلطة الدولة القوية.