مع اقتراب موعد الامتحانات يُعلن الاستنفار في المنازل والتأهب يبلغ مرحلته القصوى، وتشكل الامتحانات حالة من القلق وعدم الاستقرار عند معظم الأسر المغربية، فهذه الحالة لا تتوقف على الطلبة الذين يخوضون الامتحان، بل تنعكس على الأب والأم اللذين يحاولان توفير الظروف الملائمة لأبنائهم، حتى يستطيعوا تجاوز هذه المرحلة التي تسيطر بثقلها، ليس أثناء فترة الامتحانات فقط بل قبل عدة أشهر، وتبلغ ذروتها أثناء هذه الفترة التي تعتبر مرحلة حرجة ومفصلية في حياة الطلاب وبخاصة طلبة المرحلة الثانوية حيث يتم تحديد مستقبل الطلاب بناء على نتيجة تلك الامتحانات. من هنا ونحن في أجواء الامتحانات، فإن ظاهرة (القلق) أصبحت ظاهرة ملاحظة عند الأسر المغربية،   وهو انشغال تلك الأسر بغالبيتها العظمى بموسم الاستنفار والاستعداد بدءاً من استقبال العام الدراسي وحتى نهاية العام وامتحانات الشهادات بمختلف فروعها.  
هذه الحالة سيطرت بشكل أو بآخر على معظم الاهتمامات الاجتماعية الأخرى في رصيد العائلة، وتحول الاهتمام داخل وخارج المنزل بالتدريس والتعليم والتسجيل بالدورات وإجراء عقود للدروس الخصوصية وبدأ الحديث عن تنظيم الوقت واستثماره حسب وقت الأبناء وراحتهم في كل منزل، ما جعل الجميع يتشنج ويخشى عواقب نهاية العام إذا ما حصل الأبناء على العلامات التي تدعم مستقبلهم. ‏وبمراجعة الأدبيات والدراسات في مجال قلق الامتحان، يتبين أن 20 في المائة من المتعلمين الذين يعانون من مستوى مرتفع من قلق الامتحان قد تركوا الدراسة بسبب الفشل الدراسي، بينما لم يترك الدراسة سوى 6 في المائة من المتعلمين منخفضي قلق الامتحان. وهذا يعني أن الفشل أو التسرب من المدرسة قد يرجع إلى ارتفاع قلق الامتحان لدى هؤلاء المتعلمين والذي يؤدي بدوره إلى تعرضهم لصعوبات التعلم والتي تعمل بدورها على إعاقتهم عن مواصلة تعلمهم. فالامتحان ما هو إلا حالة موقفية تدفع إلى زيادة الاستثارة لتحقيق الأداء ويكون الأداء مرتفعاً إذا كان ملازماً لاستثارة مناسبة ومن هنا يتحول مفهوم الاستثارة إلى دافعية للإنجاز، إلا أن التطرف في الاستثارة والانفعال يتعارض مع الأداء المعرفي ويؤدي إلى زيادة القلق وانخفاض التحصيل الدراسي.  
وما نريد تأكيده في هذه السطور، هو أن البعض أو لنقل الكثير من شرائح المجتمع المغربي بالغت في التهيب من أجواء المدرسة والامتحان على السواء ولعبت دوراً واضحاً في إدخال الخوف والرعب والقلق إلى نفوس الأطفال والأبناء من حلقات التعليم الأساسية إلى الثانوية العامة، فهي تلقائياً وضعت هؤلاء بتعليماتها وقوانينها المؤقتة، من ناحية هذا صحيح وذاك لا يجوز في دائرة الحذر والتيقظ العالي لأجواء ومناخ الدراسة، بمعنى تنبيهه مسبقاً إلى الخوف من قضايا قد يجتازها التلميذ بكل سهولة إذا مارس طقوس الدراسة بهدوء وراحة وتأمل مرحلة الدراسة، وبدلاً من تعزيز الدافع الذاتي عند هؤلاء وجعلهم يحرضون ملكاتهم وإمكاناتهم وقدراتهم نحو المنهاج وما يتضمنه من واجبات جرت العادة (الموضة) على سلوك أقصر الطرق وأكثرها إرهاقاً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وهي الوعد المنتظر بالدروس الخصوصية والأستاذ المنتظر لكل مادة، علماً أن الأجواء التي يهيئها الأهل للأبناء في أيامنا هذه تجعلنا نتحسر نحن على ربعها يوم كان يحلم بعضنا أن يجلس على طاولة ليدرس المواد العلمية ويحل مسائل الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ويرسم الخرائط والمصورات، أو حتى أن يتسنى له أن يسأل أي أستاذ عن إشكالية ما مرت معه أو حتى لا يمكن لأحد أن يعينه من أفراد العائلة بتسهيل بعض الحلول لعدد من المسائل، ومع ذلك كان الطالب ينحت بالصخر كما يقال كي يفهم ويستوعب ما لديه من واجب دراسي، أما اليوم فأصبحنا نرى ما يشبه المعسكر المغلق لأي منزل لديه طلاب وبخاصة الشهادتين، حيث تمنع الزيارات و التلفزيون والحديث بصوت عال ويصبح كل مسموح ممنوع، يتغير نظام حياة الأسرة بالكامل...؟!  
هذه الحالة قد تبدو طبيعية إذا تركت الأمور تسير بشكل سلس ومعقول بعيداً عن التوتر والتخويف لمناخ المدرسة والدراسة بشكل عام ولكن غير الطبيعي هو المبالغة بالتحضير والاستعداد من قبل الأهل أولاً لدرجة الاستنفار القصوى وكأن معركة الامتحانات هي الأولى والأخيرة، وهنا بالتأكيد لا ندعو للتقاعس واللامبالاة ولكن إلى الاعتدال بطريقة التعاطي مع أبنائنا وأطفالنا وطلابنا وهم يخضعون لامتحان نفسي وفكري وجسدي، فهم أكثر حاجة إلى رؤية وجوه ذويهم مبتسمة ومنبسطة وكلام معتدل يعزز الأمل بالمستقبل، و يتوجب الإشارة إلى أن الامتحان ليس حلبة صراع ضحيته الطالب، بل هو مقياس منطقي للتحصيل والمعرفة المفيدة والتقييم الدراسي، والذي يهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه، ولابد من تطوير الامتحانات باستمرار، وتعديل ضغوطها بما يتناسب مع الحاجات الواقعية والتطورية للمجتمع وأجياله، ومع الصحة النفسية للجميع، كما لابد من التأكيد على ضرورة الاهتمام بأجيال الطلاب في مختلف أعمارهم من خلال تخفيف الضغوط عليهم وتقديم العون النفسي والعملي والواقعي اللازم لهم، وتوفير الفرص المناسبة لمستقبلهم الدراسي والمهني لمختلف مستوياتهم، وإعدادهم بشكل متوازن لمواجهة مراحل الحياة المختلفة بقوة وعزم وصبر وجد ومثابرة، ولابد من التأكيد على ضرورة التعرف على خبرات الحياة المتنوعة والمواقف الصعبة و"الاستفادة من الفشل" في حال الرسوب أو الحصول على درجات متدنية في الامتحانات، واعتبار ذلك فرصة حقيقية للتطور والتقدم والمراجعة لتنمية القدرات وتعديل الأخطاء والمضي نحو الأفضل دائماً.
خلاصة الكلام: على الأسرة والمؤسسات التعليمية ''سواء كانت مدارس أو جامعات'' أن تجعل فترة الامتحانات فرصة لتعويد المتعلمين على احترام وإدارة الوقت في بيئة مليئة بالود وتقدير الجهد وتعزيز المفهوم الإيجابي لفترة الامتحانات، بحيث لا تكون فترة إرهاب وترهيب، بل تكون فترة نزهة فكرية ترفيهية تقطف فيها ثمار الجهد والتحصيل، كل ذلك في أجواء من الجد والاجتهاد والحيوية والنشاط، فجرعة نشاط خير من حقنة إحباط.
مع التمنيات لأبنائنا الطلبة النجاح في امتحاناتهم.

كاتب صحفي من المغرب.