تتواصل الاشتباكات على مشارف العاصمة الليبية طرابلس بوتيرة الكرّ والفرّ بين طرفي القتال فيما لم تبح المعركة بعد بكل أسرارها ولم يظهر فيها منتصر ومنهزم، رغم تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على أكثر من محور، فيما يبقى دخول العاصمة ذاتها المنعطف الحاسم والمرتقب الذي سيرسم ملامح المرحلة المقبلة سياسيا وعسكريا.

أعلنت منظمة الصحة العالمية الخميس أن المعارك قرب العاصمة الليبية أسفرت عن مقتل 56 شخصا وإصابة 266 آخرين خلال الأيام الستة الأخيرة. وأوضحت المنظمة في بيان أنه "خلال الأيام الستة الأخيرة، أسفرت عمليات قصف عنيف وإطلاق نار" قرب العاصمة الليبية عن "266 جريحا و56 قتيلا، بينهم سائق سيارة إسعاف وطبيبان".

وأضافت "آلاف الأشخاص فروا من منازلهم، فيما يجد آخرون أنفسهم عالقين في مناطق النزاع. وتستقبل المستشفيات داخل وخارج المدينة (طرابلس) يوميا ضحايا". وأشارت المنظمة إلى أنها تزيد مخزونها من المعدات الطبية في المناطق حيث تدور معارك.

ومنذ بدء الهجوم في 4 أبريل تبادل الجانبان السيطرة مرتين أو ثلاث على مطار دولي مهجور على بعد 20 كيلومتر جنوب طرابلس وكذلك على ثكنة تقع إلى الشرق منه.

وقال قائد مجموعة مسلحة موالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس "نشهد حاليا معارك كر وفر"، مضيفا "ما زلنا في طور الاستعداد. بالنسبة لنا لم تبدأ الحرب فعليا بعد".

وأوضح أن المعارك الحالية تدور بالمدفعية الثقيلة والقذائف وأن المطار اليوم على خط الجبهة". ولا يسلك الطريق المغلق أمام حركة السير بين طرابلس والمطار الذي دمر في 2014 جراء أعمال عنف مماثلة، سوى آليات عسكرية تابعة لقوات حكومة الوفاق وسيارات إسعاف عائدة من خط الجبهة.

وأعلن الجيش الوطني الليبي أن عملية طرابلس لن تتوقف. وقال آمر غرفة العمليات الرئيسية بالقيادة العامة للقوات المسلحة اللواء عبدالسلام الحاسي، إن الجيش لن يوقف عمليته العسكرية التي أطلقها قائده العام المشير خليفة حفتر لتحرير العاصمة طرابلس نهاية الأسبوع الماضي إلا بعد تحقيق كافة أهدافها المتمثلة في القضاء على الميليشيات المسلحة هناك.

سياسيا،أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا تأجيل موعد الملتقى الوطني إلى وقت غير محدد، في ظلّ تواصل الاشتباكات بين الجيش الليبي وقوات حكومة الوفاق الوطني، وتصاعد أعداد الضحايا.

ودعا الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش اثر جلسة مغلقة لمجلس الامن مساء الاربعاء الى وقف المعارك والعودة للحوار.

وقال:" نحن بحاجة إلى إعادة إطلاق حوار سياسي جدّي مقرّاً بأنّ المناشدة التي وجّهها إلى المشير خليفة حفتر لعدم شنّ هجوم على العاصمة الليبيّة  لم تُستَجب"

وأضاف غوتيريش "لا يزال الوقت متاحًا لوقف إطلاق النّار، ووقف الأعمال القتاليّة، وتجنّب وَضعٍ أسوأ قد يكون معركةً عنيفة ودمويّة للسيطرة على طرابلس".

وأشار الأمين العام للأمم المتّحدة إلى أنّ ليبيا تُواجه وضعًا في منتهى الخطورة حاضًّا على وقف المعارك لإتاحة استئناف المفاوضات السياسيّة.

وقال "من الواضح جدًا بالنسبة إليّ، أنّنا في حاجة إلى استئناف حوار سياسي جادّ ومفاوضات سياسيّة جادّة، لكن من الواضح أنّه لا يمكن أن يحدث ذلك من دون وقفٍ تامّ للأعمال القتاليّة".

في الأثناء، أخلى الاتحاد الأوروبي أفراد بعثته للمساعدة التي تضم عشرين شخصا من طرابلس إلى تونس حيث مقرها وذلك "مؤقتا" بسبب المعارك.

من جانبها، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إن الاتّحاد يعبر عن "انشغاله للتطورات المقلقة جدا في ليبيا".

وجددت دعوتها أطراف النزاع من أجل وقف فوري لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدة الإنسانية.

وقالت موغيريني حينها بعد اجتماع مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي "دعوت بحزم شديد كافة القيادات الليبية وخصوصا حفتر، إلى وقف كل العمليات العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة".

في ألمانيا، تباحثت المستشارة أنغيلا ميركل هاتفيا مع السراج و"نددت بتقدم قوات المشير حفتر باتجاه طرابلس"، حسب بيان للحكومة الألمانية. وأكد البيان "القناعة بأنه لا يوجد حل عسكري ممكن في ليبيا"، معتبرًا أنه "يتعين أن تستأنف العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة".

وطالبت إيطاليا فرنسا بالامتناع عن مساندة أي فصيل وذلك بعدما قال دبلوماسيون إن باريس عرقلت إصدار بيان للاتحاد الأوروبي يدعو قوات الجيش الوطني الليبي لوقف الهجوم.

وقال ماتيو سالفيني نائب رئيس الوزراء الإيطالي لراديو آر.تي.إل 102.5 "سيكون أمرا بالغ الخطورة إذا اتضح أن فرنسا عرقلت لأسباب اقتصادية أو تجارية، مبادرة من الاتحاد الأوروبي لتحقيق السلام في ليبيا وساندت طرفا في القتال، مضيفا "بصفتي وزيرا للداخلية فلن أقف موقف المتفرج".

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية يوم الخميس إن فرنسا لم تعترض على دعوات لحفتر لوقف هجومه لكنها طلبت فقط إدخال تعديلات تتضمن ذكر محنة اللاجئين ووجود متشددين تصنفهم الأمم المتحدة كإرهابيين ضمن القوات المناهضة للمشير خليفة حفتر.

في سياق متصل،أكد المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن قوات الجيش تواجه تحالف الإخوان والقاعدة وتنظيم داعش الإرهابي في العاصمة طرابلس.

وقال المسماري، في مؤتمر صحفي الثلاثاء، منذ انطلاق عملية "طوفان الكرامة" لتحرير طرابلس من قبل القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، إن تحالفاً بين الإخوان والقاعدة وداعش في طرابلس ضد القوات الليبية الرامية لتطهير البلاد من الإرهاب.

واستعرض المتحدث باسم قوات الجيش الليبي، أحمد المسماري، في وقت سابق، قائمة تضم أخطر الإرهابيين في تنظيم القاعدة المطلوبين للعدالة محليّا ودوليا، وقال إنّ بعضهم فروا إلى العاصمة طرابلس، وآخرون يحاولون الدخول إليها، في وقت ظهرت فيه عدة شخصيات إرهابية واقعة تحت عقوبات دولية بسبب ارتكابها جرائم حرب، في ساحة القتال، جنباً إلى جنب مع الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق.

ويرى مراقبون أنه برغم الدعم الكبير الذي حصلت عليه ميليشيات طرابلس من مدينة مصراتة التي خرجت منها ميليشيات تابعة لصلاح بادي، فإنها فقدت السيطرة على غالبية محاور القتال، ما ينبئ بقرب انهيارها.