يتعرض قطاع النفط في ليبيا إلى مشاكل وصعوبات متزايدة، تنذر بوضع القطاع الذي يعدّ مصدر الدخل الوحيد للبلاد على حافة الإفلاس. ففي ظل الأوضاع المضطربة التي تمر بها البلاد،باتت انتعاشة هذا القطاع الحيوي مرهونة بمدى قدرة الفرقاء على إجتياز مأزق الإنقسام بناء دولة  قادرة على تجاوز العقبات وتحقيق المكاسب.

وبالرغم من أن ليبيا تمكنت خلال الأشهر الماضية من زيادة إنتاجها من النفط ،وذلك في محاولة لتعزيز مصدرها المهم الوحيد للدخل،إلا أن الأوضاع المضطربة التي تمر بها البلاد،واندلاع الصراعات المسلحة بين الفرقاء الليبيين مازالت تقف عائقا أمام تحسن هذا القطاع الحيوي وتهدد بمزيد من الخسائر.

وتشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ أيام،معارك عنيفة وذلك عقب اطلاق الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لعملية عسكرية تهدف لتحرير العاصمة من سيطرة المليشيات المسلحة.وتصاعدت وتيرة الاشتباكات في ضواحي المدينة وسط تزايد المخاوف من تأثير الصراع على قطاع النفط الذي يعد ثروة البلاد الوحيدة.

هذه المخاوف عبر عنها مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، في بيان له مساء أول من أمس،قال فيه إن "عمليات تصدير النفط والغاز تواجه أكبر تهديد لها منذ عام 2011 بالنظر إلى حجم المعارك وتداعيات الحرب، التي كانت آخرها في ضواحي العاصمة طرابلس".

وجاء ذلك خلال لقاء جمع صنع الله ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، الخميس، بمقر المجلس في العاصمة طرابلس، لمناقشة تداعيات الأحداث الأمنية الجارية على قطاع النفط.وأشار بيان نشرته صفحة حكومة الوفاق الوطني على "فيسبوك" إلى أنّ السراج اطلع على جهود "المؤسسة الوطنية للنفط وشركة البريقة من أجل استمرار إمدادات الوقود بالعاصمة ومختلف مناطق ليبيا".

ونقلت صحيفة "الشرق الاوسط"عن الخبير في قطاع البترول الليبي، مليودي سلمان،قوله أن "حديث صنع الله يرجع إلى مخاوف من احتمالية دخول قوات الجيش إلى قلب العاصمة، ويحدث استيلاء على مقرات المؤسسة الوطنية في طرابلس، ثم يعقب ذلك مقاومة من القوات الموالية لرئيس المجلس الرئاسي تتسبب في الإضرار بهذه الثروة".

وأبدى سلمان مخاوفه، وقال إن "قطاع النفط في ليبيا مُقبل على تهديدات هي الأخطر منذ رحيل القذافي"، لافتاً إلى أن "المؤسسة الوطنية للنفط هي المعنية بعميلة تصدير النفط، وعلى علم بجميع التعاقدات مع الشركات الدولية... وأي تغيير سيربك عميلة التصدير".

وفي وقت سابق،أدان مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط القصف الذي استهدف مقرّ شركة شمال أفريقيا للاستكشاف الجيوفيزيائي و المجمع السكني المحيط بها وهي شركة تابعة للمؤسسة،الاربعاء بمنطقة قصر بن غشير في ضواحي طرابلس،في ضربة هي الأقرب حتى الآن من أي منشأة للنفط والغاز منذ اندلاع المعارك في العاصمة..

وأكد مجلس إدارة المؤسسة الوطنية أن القصف لم يسفر عن أي إصابات بشرية، حيث كان قد طلب من موظفي المؤسسة والشركات التابعة لها البقاء في منازلهم، نظراً لتردّي الأوضاع الأمنية في طرابلس وضواحيها، مع الاكتفاء بوجود الموظفين الأساسيين فقط.

وقال صنع الله، في حينه، إن مجلس إدارة المؤسسة يدين استهداف المنشآت النفطية "في ظل تردّي الأوضاع الأمنية مؤخراً"، ورأى أنه "يجب أن يبقى كل من موظفي القطاع ومنشآت المؤسسة الوطنية للنفط بمنأى عن كل النزاعات السياسية والعسكرية، حتى نتمكن من أداء مهمتنا الوحيدة بنجاح، والمتمثلة في ضمان استمرار إنتاج النفط وتصديره، بما يخدم مصالح كل الشعب الليبي".

وارتفعت أسعار النفط لأعلى مستوى منذ نوفمبر 2018،لتتجاوز 70 دولارًا للبرميل، مدفوعة بمخاوف من خسائر جديدة في الإنتاج الليبي.وإذا ما انزلقت ليبيا إلى مزيد من الاضطرابات، فإن أمورًا كثيرة ستكون على المحك، وخصوصًا أن ليبيا مورد رئيسي للنفط والغاز إلى أوروبا، ونقطة انطلاق لتدفقات المهاجرين إلى إيطاليا.

ورأى الخبير الليبي مليودي سلمان،بحسب صحيفة "الشرق الأوسط"،"أنه كان من المتوقع أن يقترب إنتاج البلاد من النفط إلى 1.5 مليون برميل في اليوم"، لكن في ظل هذه المعارك، والمخاطر التي تقترب من الشركات العاملة ومنابع النفط، فإنه "من المؤكد تراجع هذه الصناعة، ما قد يؤثر على مدخولات البلاد".

وتصل إنتاجية ليبيا حالياً لنحو 1.3 مليون برميل يومياً، في ظل تذبذب خلال الأعوام الماضية بسبب الاشتباكات المسلحة بمحيط الهلال النفطي، وتوقف عملية الإنتاج من حقل الشرارة الذي ينتج نحو ثلث النفط الليبي.

وتؤمن قوات الجيش الوطني، منطقة الهلال النفطي، التي تمتد من ميناء الزويتينة شمال شرقي مدينة أجدابيا، مروراً بالبريقة ورأس لانوف، وصولاً إلى ميناء السدرة على الطريق الساحلية المؤدية إلى مدن سرت والمنطقتين الوسطى والغربية من ليبيا. وتتمثل المنشآت النفطية في منطقة الهلال النفطي، أساساً، في الخزانات والموانئ التي يتم الاعتماد عليها في تصدير شحنات النفط والغاز إلى الخارج.

وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، إن إنتاج النفط تحسن بعد سيطرة الجيش الوطني الليبي على 95 % من حقول النفط في ليبيا.وتابع المسمارى خلال كلمة فى مؤتمر صحفى اليوم، أن النفط لم يعد ذريعة لدعوة المجتمع الدولي للوقوف ضد الجيش الوطني الليبي.

وكانت جماعات مسلحة يقودها الليبي إبراهيم الجضران، المطلوب دولياً، هاجمت في 14 يونيو/حزيران محطات رأس لانوف والسدرة، لكن قوات الجيش الوطني تصدت لها.وتسبب فرض "القوة القاهرة" على حقل الشرارة في جنوب البلاد، لأسباب أرجعها صنع الله لضعف عملية التأمين، في تراجع إنتاجية ليبيا من النفط إلى نحو المليون برميل يومياً، قبل أن يوافق صنع الله على رفعها.

وتمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في القارة الأفريقية، كما أنها تحتل المرتبة التاسعة بين عشر دول تتمتع باحتياطيات نفطية مؤكدة،حيث تحتوي الأراضي الليبية على أحواض وموانئ نفطية كبيرة،لكنها باتت فى ظل الأزمة في مرمى الجماعات المسلحة التى تستهدف منشآت النفط في أنحاء ليبيا من آن لآخر طيلة السنوات الماضية للضغط من أجل مطالب مالية أو سياسية.

ويعتبر الوضع الأمني مؤثرا جدا في القطاع النفطي،حيث تضع الشركات الأجنبية الإستقرار من أولويات شروط الاستثمار في الدول التي ترغب الاستثمار فيها.ورغم ما تمثله السوق الليبية من جاذبية للمستثمرين فإن الفوضى المستعرة وتكرار الإعتداءات على المنشآت النفطية،دفع الشركات الأجنية للحذر في العودة إلى ليبيا.

وساهم تعثر القطاع النفطي،نتيجة تجدد الصراعات المسلحة،فى تردى الأوضاع الإقتصادية وبالتالي تردي الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي.ويرى مراقبون أن تحسُّن آفاق الاقتصاد بشكل أساسي مرهون بتحسن الأحوال الأمنية وتوحيد مؤسسات الدولة عبر تحقيق تقدم في اجتياز المأزق السياسي الذي أحدث انقساما في البلاد.