يحتلّ رجل الدّين في المجتمعات المسلمة مكانة مرموقة ما يجعل رأيه في جميع المجالات الحياتية له رواج في المجتمع.

من ذلك، يمكن أن توظّف فتاوى رجال الدين لخدمة جهات بعينها خاصة لو تعلق الأمر بجماعات ذات خلفية إسلامية لكن الأخطر هو أن تكون هذه الفتاوى داعية للإقتتال الداخلي و الإنقسام.

في ليبيا، يستمر مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، في إثارة الجدل بفتاوى غريبة ومستهجنة من قبل العديد من الليبيين، إذ تدعو إلى حمل السلاح وسفك الدماء، عاكسة انحيازاً للميليشيات والجماعات الإرهابية.

ومؤخرا، أفتى الغرياني الملقب بـ"عراب الإرهاب"، بعدم تكرار أداء فريضة الحج والعمرة لمن أداهما، داعيا لتوجيه نفقات الحج والعمرة للميليشيات المسلحة التي تقاتل ضد الجيش الوطني الليبي.

ومن بين فتاوى الغرياني السابقة، واحدة بإهدار دم القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، وجنوده، وفتوى أخرى باعتبار القتال ضد الجيش الوطني الليبي "جهادا".

فتوى الغرياني الغريبة التي أثارت الاستهجان والسخرية، تضاف لسابقاتها من فتاوى التضليل، فقد دعا من قبل لإخراج زكاة المال للميليشيات المسلحة في طرابلس.

كما أفتى الغرياني بعدم جواز الصلاة خلف من يدعو لنصرة حفتر، قائلاً "لا تجوز الصلاة خلفهم ولا سماع كلامهم، لأنّ الحرام لا يجوز سماعه ولا تجوز رؤيته، وهكذا العلماء يقولون الحرام إذا كان شيء حرام لا يجوز لك أن تسمعه، ولا يجوز لك أن تراه، ولا يجوز للمسلم أن يصلي خلفهم أو يجلس عندهم أو يستمع لهم أو ينظر إليهم".

إلى ذلك، أصدر فتوى تقول "إن من ينضم إلى حفتر ويموت معه، يخشى أن يموت ميتة جاهلية، في حين كل من يقاتله ويموت فهو شهيد وفي سبيل الله".

ولعب الغريانى الذي يلقب في ليبيا بـ"مفتي الفتنة"، منذ 2012، دور الذراع الفقهية للجماعات المتطرفة في ليبيا، عبر إصدار فتاوى تتوافق مع مصالحها وأهدافها، فارتكبت عدّة جرائم عنف استنادا إلى فتاواه، التي طالب خلالها الجماعات الإرهابية، برفع السلاح ومحاربة قوّات الجيش الليبي، حتى أصبح أحد أبرز المساهمين في انتشار الفوضى وتعزيز الانقسام في ليبيا.

يذكر أن الغرياني برز في "سوق الفتاوى المتطرفة" منذ عام 2012، وأعلن في سلسلة من الفتاوى المتتالية، انحيازه التام إلى تيار الإسلام السياسي في ليبيا ودعمه للجماعات المتطرفة، حيث كان يدعو في كل مرة الليبيين إلى التقاتل، محرضاً على العنف.

جدير بالذكر أن الغرياني شارك بقوة في الحرب الإعلامية الموازية لمعارك الإطاحة بالقذافي العسكرية، بهدف تأجيج غضب الشعب الليبي والعالم، فكانت له عدة مداخلات على قناة "الجزيرة"اتهمت النظام بارتكاب جرائم لم يجد لها الليبيون أي أثر بعد سقوطه.

وتتسم مواقف الغرياني من التدخل الأجنبي بالتناقض. ففي حين كان يصف طائرات حلف شمال الأطلسي في 2011 بـ"طيور الأبابيل"التي جاءت لإنقاذ الليبيين من جبروت القذافي ويصمت إزاء الوجود العسكري الإيطالي في مصراتة، يهاجم الدول العربية والأوروبية الداعمة للجيش ويصفها بـ"عملاء إسرائيل".

ويطلق الشارع الليبي صفة "مفتي قطر"على الغرياني وذلك لدفاعه المستمر على تدخل الدوحة في الشؤون الداخلية لليبيين وتهجمه على رافضي ذلك التدخل الذين وصفهم بالكلاب عندما قال "من لا يشكر قطر فهو أقل من الكلب".

ففي في يونيو 2017 قامت حكومة السراج بإقفال دار الإفتاء ومصادرة محتوياتها، وهو القرار الذي دفع بالغرياني للفرار إلى تركيا وجاءت تلك الخطوة عقب أكثر من سنة على دخولها إلى طرابلس بعد توقيع اتفاق الصخيرات، لكنها أبقت عليه مفتيا للبلاد رغم مهاجمته لها مرارا.

وشن الغرياني هجوما عنيفا على الحكومة عقب دخولها إلى طرابلس وقال إنها "لم تفلح في أي شيء إلا في الاقتحامات والسطو والبلطجة"منتقدا إصدارها "بيانات تهادن حفتر ومن يقاتلون معه من الفرنسيين والأجانب".

وارتبط موقف حكومة "الوفاق"التي ينظر إليها كواجهة منمقة لإخوان ليبيا من المفتي بخسارة الميليشيات المحسوبة على حكومة خليفة الغويل لمواقعها في طرابلس، وأيضا بالخلافات التي هزت تيار الإسلام السياسي في العامين الأخيرين، بشأن الموقف من إشراك حفتر في التسوية السياسية.

وحرّم الغرياني تلك الحملة قائلا "القرار حرام لا يجوز حيث يعطي صلاحيات واسعة لبعض من وصفها بالميليشيات لتقتحم وتقتل وتنتهك الحرمات وتصادر الأموال تحت مسمى مكافحة الارهاب"لكن معركة تحرير طرابلس كشفت سطحية تلك الخلافات التي سرعان ما اختفت بمجرد الإعلان عن عملية تحرير طرابلس، ليعود التيار الإسلامي للتحالف من جديد.

وفي أغسطس 2014، طالبت اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان بإعفاء المفتي العام للديار الليبية صادق الغرياني من منصبه، ورفع الحصانة عنه، حيث قالت اللجنة، إن هذه الدعوة جاءت بعد رصد اللجنة لدعوات صريحة للمفتي العام للديار الليبية بالتحريض على ممارسة وإثارة العنف وتصعيده، وتحريض على القتل والتعذيب، وانتهاك حقوق الإنسان عبر وسائل الإعلام، والتي تنذر بحدوث حرب أهلية، وتؤثر سلبا على الأمن والسلم الاجتماعي للمجتمع الليبي، كما طالبت بإحالته للتحقيق من قبل مكتب النائب العام.

وفي نوفمبر 2014، قرر مجلس النواب الليبي المعترف به دولياً، عزل الصادق الغرياني من منصبه، كما قرر إلغاء دار الإفتاء وإحالة اختصاصاتها واختصاصات المفتي لهيئة الأوقاف، وذلك بسبب مواقفه المتطرفة، إضافة إلى خطابه المتشدد، وفتاويه التي يدعو فيها إلى القتل وسفك الدماء.

وكان الصادق الغرياني، أصدر العديد من الفتاوى الشاذة والمنحرفة طوال فترة عمله في دار الإفتاء الليبية، ومن هذه الفتاوى، الفتوى التي سمح فيها للإخوان باقتحام مدينة بني وليد ومدينة تاورغاء، واللتين لا يتفق فكرهما مع فكر تنظيم الإخوان، واعتبر أهالي هذه المدن في غفلة، ويجب قتالهم لإرجاعهم عما يفكرون.

يرى مراقبون أن الفتوى تعتبر سلاحا أكثر فتكا بالسلم الأهلي من الأسلحة الثقيلة لما يتمتع به من هالة في المجتمعات المسلمة لذلك يقع توظيفه من أجل تطبيق أجندات سياسية مغلفة بمسوغ ديني و هو ما تقوم به بعض الدول و التنظيمات السياسية في ليبيا.