في بداية اندلاع الأزمة الليبية في عام 2011، تمكنت الميليشيات المسلحة من تأسيس دور قوي لها، وظهرت المجموعات المسلحة في كل ركن في البلاد، مستغلة انهيار مؤسسات الدولة وغياب سلطة القانون، إضافة إلى انتشار السلاح لتكوّن لنفسها مناطق نفوذ تحت سلطة الرصاص، وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى. 

وانتشرت في ليبيا الكثير من بؤر التطرف، وخاصة في مدن غرب البلاد التي باتت مكانا خصبا للجماعات المسلحة، التي يعتبر شعارها الرئيسي "لا صوت يعلو فوق صوت السلاح". تمكنت هذه المليشيات من مد نفوذها في العاصمة الليبية طرابلس التي شهدت صراعات  عنيفة ومتكررة جول النفوذ طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد. 

وكان السبب الرئيسي لتمترس المليشيات في العاصمة طرابلس كونها مركز القرار، لا السياسي والدبلوماسي فحسب، وإنما المالي والاقتصادي بالأساس، حيث أن الحرب كانت في جانب كبير منها منذ العام 2011 حرب غنائم في بلد غني بأرصدته واستثماراته وثرواته النفطية. وهذه الغنائم التي تثير أطماع الداخل والخارج، صنعت طبقة من أمراء الحرب المحتكمين على مليارات الدولارات، والمسيطرين على مفاصل السلطة في طرابلس. 

سطوة المليشيات ونفوذها الكبير بدت واضحة أكثر حين قامت في 10 أكتوبر 2013 بخطف علي زيدان رئيس الوزراء من مقر إقامته ليلا وبملابس النوم. وخطفوا بعد ذلك نوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني في 25 مارس 2014. وكان هذان الحدثان يمثلان أكبر دليل على أن الدولة كانت مجرد كيان ورقي لا حول له ولا قوة أمام تغول المليشيات التي كانت تمارس أنشطتها الاجرامية دون رادع. 

اذا يمكن القول بأن الحكومات التي تعاقبت على العاصمة طرابلس كانت تدار عبر المليشيات التي كانت تستعملها لاستنزاف الأموال. وهو ما أكده رئيس الحكومة السابق علي زيدان، في تصريحات اعلامية، حين كشف عن ملف تمويل مليشيات الدروع المتطرفة التي تحولت لاحقاً إلى أنصار شريعة وداعش وغيرها من التنظيمات، قائلا بأنه وجدها أمامه وقد شكلتها حكومة عبدالرحيم الكيب وشرعنتها رئاسة أركان يوسف المنقوش وبأنه تعامل معها كواقع موجود أمامه عند توليه الحكومة. 

تصريحات زيدان ألقت الضوء على بداية تغول المليشيات بالاعتماد على الحكومات الضعيفة التي كانت تشرعنها وتفتح لها خزائن اأموال الليبية فيما كان الشعب الليبي يعاني من أزمات معيشية كبيرة حيث غلاء الأسعار والتضخم وانحدار العملة المحلية بشكل غير مسبوق، وغياب السيولة وانهيار الخدمات كالغاز والكهرباء والتموين والصحة والتعليم ونظافة المحيط، إضافة إلى اتساع دائرة الجريمة وارتفاع منسوب النهب والسلب والاختطاف والحرابة والإفلات من العقاب. 

وتشير أغلب التقارير أن أرقام الفساد المالي في البلاد منذ أزمة 2011 وصلت درجة قياسية فبعض الإحصائيات تشير إلى أن مئات المليارات بين 2012 و2016 صرفت دون معرفة المسالك التي مرت عليها ولا الجهات التي وصلتها لكن الكثيرين يؤكدون أنها كانت تتجه للمليشيات، واعتبر مراقبون اقتصاديون أن ميزانية العام 2012 التي كانت في حدود 71 مليار دولار، باطلة لعدم اعتمادها على أي أساس فني أو مالي. 

ورغم وصول حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج وبداية عملها، إلا أنها لم تستطع كبح جماح الميليشيات، بل سارعت إلى شرعنة بعضها والإعتماد عليها. وظل كل شيئ يدار عبر أمراء الحرب كالعادة، ففي ما يخص الاعتمادات، تعرضت لجنة خبراء منظمة الأمم المتحدة في شهر مارس 2018، لتهديدات ميليشياوية مباشرة بعد أن تم تسريب تقرير، من 160 صفحة، يكشف عن عمليات فساد ونهب واسعة لأموال عامة، عبر عمليات مصرفية وهمية لصالح بعض قادة ميليشيات تسيطر على مصارف في طرابلس. 

حيث كشف التقرير عن عمليات مصرفية غير قانونية تخص 10 شركات تعمل لصالح جماعات مسلحة موجودة في منطقة تاجوراء في العاصمة حصلت على اعتمادات مستندية من مصرف الجمهورية والمصرف الليبي الخارجي بقيمة مليار دوﻻر لكل منهما حتى فبراير من العام 2016، وفي مايو 2018 كشفت تسريبات عن قائمة تضم شركات مملوكة لأمراء الميليشيات في العاصمة طرابلس جرى منحها اعتمادات مالية بقيمة 65 مليون دولار. 

وأكدت هذه التسريبات ما ورد في بحث لمركز "سمال آرمز سيرفي" للدراسات، أكد أن الوضع السياسي والاقتصادي في ليبيا، بات في قبضة تحالف لميليشيات العاصمة أطلق عليه البحث اسم "كارتل طرابلس"، بدعم من حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي. وحسب المركز، فإن "كارتل طرابلس" أصبحت شبكة إجرامية تضم ميليشيات أهمها ما يعرف باسم "قوة الردع الخاصة" بقيادة عبد الرؤوف كارة، و"كتيبة ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري، و"كتيبة أبوسليم" التي يتزعمها "اغنيوة"، بالإضافة إلى "كتيبة النواصي" بزعامة على قدور. 

وفي أبريل 2018، كشفت دراسة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن الدولي عن سيطرة الميليشيات على قرارات المجلس الرئاسي. وتقول الدراسة، إن الميليشيات تحولت من جماعات مسلحة إلى "مافيا منظمة" تمتلك شبكات تؤثر في الاقتصاد والأعمال والسياسة والإدارة في العاصمة وهذا ما جعل الاقتصاد الليبي والأموال الليبية تصب في مصلحة فئة صغيرة جدًا ودائرة أصغر من أي فترة مضت منذ أحداث فبراير 2011. 

ومنذ وصولها إلى طرابلس، لم تنجح حكومة الوفاق في وقف الإشتباكات المتكررة التي حصدت أرواح الكثيرين، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة. على غرار الإشتباكات التي إندلعت نهاية أغسطس من العام 2018، والتي تواصلت على مدى أسابيع مخلفة 115 قتيل و383 جريح حسب وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني، ناهيك عن خسائر مادية كبيرة جراء إستهداف المنشآت النفطية والمطار والمباني العامة والخاصة. 

ومثلت هذه الاشتباكات بحسب مراقبين استمراراً لمشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس، وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من المسلحين. وإعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حينها، أن "الاشتباكات في طرابلس هي الدليل الأكثر وضوحًا على تداعي الاستراتيجية التي تبنتها الأمم المتحدة والقوى الغربية في ليبيا منذ العام 2011، التي اعتمدت على إنشاء حكومة الوفاق الوطني لإحلال الاستقرار والسلام". 

وقالت إن "حكومة الوفاق، منذ وصولها العاصمة طرابلس، اعتمدت بشكل كبير على مجموعات مسلحة لبسط سيطرتها بالدولة، كما أن كثيرًا من الليبيين اعتبروا الحكومة مجرد سلطة مفروضة من القوى الخارجية". ونتيجة لذلك، قالت الصحيفة إن "تلك المجموعات المسلحة باتت تتنافس على العاصمة، ودخل كثير منهم في تحالفات مع آخرين لتشكيل مجموعات أكبر وأكثر قوة، هدفها فرض نفوذها سياسيًّا، والسيطرة على الأراضي، والفوز بنصيب من الثروات المالية وأهمها الاحتياطات النفطية، التي تعد الأكبر في أفريقيا". 

وعقب هذه الإشتباكات، قرر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، في 16 أيلول/سبتمبر 2018، تشكيل لجنة الترتيبات الأمنية لطرابلس الكبرى، تتولى وضع تدابير لتعزيز وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار الأمني في طرابلس الكبرى، ووضع خطط وتوصيات لتأمين المدينة وإحلال قوات نظامية من الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية في المنشآت الحيوية بدلا من التشكيلات المسلحة. 

لكن هذه الترتيبات الأمنية لم تنجح في فرض الامن في طرابلس حيث تصاعدت وتيرة الاغتيالات بين المليشيات كما طالت الاغتيالات سئولين أمنيين، حيث أغتيل مدير فرع جنوب طرابلس لمكافحة المخدرات المقدم علي بوشهيوة ، عن طريق مجهولين في منطقة. قصر بن غشير إحدى ضواحي العاصمة الليبية طرابلس

وقبل ذلك، اغتيل عنصران من ميليشيا كارة أو ما تعرف بقوة الردع الخاصة رميا بالرصاص على ايدى مجهولين، وبعد أقل من أسبوع، تم اغتيال أحد قادة الميليشيات المسلحة المنتسب لوزارة الداخلية ويدعى خيرى حنكورة، إثر تعرضه لوابل من الرصاص أمام أحد الفنادق وسط المدينة على أيدى عناصر مجهولة. 

وفي الرابع من أبريل/نيسان 2019، أعلن الجيش الوطني الليبي، بدء عملية طوفان الكرامة لتحرير العاصمة الليبية من المليشيات المسلحة، في أعقاب عملية تأمين مناطق الجنوب الليبي، والتي نفذتها وحدات الجيش في يناير من العام ذاته، والتي بدأت بشكل فعلي مباشرة عقب الهجوم الذي شنته وحدات تابعة للمعارضة التشادية، على مقر اللواء العاشر التابع للجيش في منطقة تراغن جنوبي مدينة سبها، إحدى أهم مدن الجنوب الليبي. 

وفي المقابل، سارعت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، لاطلاق عملية عسكرية باسم "بركان الغضب"، والتي تكونت من تحالفات بين المليشيات المتصارعة اضافة الى العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، على غرار قوات أبو عبيدة الزاوية، والتي تتمركز بشكل أساسي في مدينة الزاوية الليبية، ويقودها شعبان هدية المكني بأبو عبيدة الزاوي، والذي سبق أن اعتقل في القاهرة لانتمائه لتيارات جهادية. 

كما انضم "لواء الصمود" بقيادة الإخواني صلاح بادي، للقتال ضد الجيش الليبي. ويعتبر صلاح بادي أحد أبرز قيادات عملية "فجر ليبيا"، ويحمل رقم 71، ضمن قائمة الإرهاب، التي أعلنها مجلس النواب، وشملت أكثر من 75 إرهابيا متورطين في جرائم حرب داخل ليبيا. اضافة الى قوات ما يسمى "سرايا الدفاع عن بنغازي" المصنفة عربياً على لوائح التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال أفريقيا والتي أعلنت إنضمامها لقوات حكومة الوفاق في طرابلس والمنطقة الغربية. 

وكشفت معركة طرابلس عن انتشار العديد من العناصر الارهابية الفارة من مناطق في شرق وجنوب البلاد وانضمامها للقتال في صفوف المليشيات ضد الجيش الليبي على غرار فلول مجالس شورى بنغازي وإجدابيا ودرنة الفارة من المنطقة الشرقية وبقايا تنظيم أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة الفارة من صبراتة وسرت ومناطق الجنوب. 

ومع تحقيق الجيش الليبي تقدمات ميدانية في عدة مواقع إستراتيجية استنجدت حكومة الوفاق بحليفتها تركيا، وهو ما ترجم بشكل علني من خلال توقيع مذكرة التفاهم المثيرة للجدل بين حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج والحكومة التركية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وذلك رغم المعارضة الإقليمية والدولية الواسعة لهذه الاتفاقية. 

وأفضى التدخل التركي إلى احتدام المعارك التي فشلت كل المحاولات الدولية في احتوائها، خاصة أن تركيا انتقلت من الدعم اللوجستي بالعتاد والسلاح إلى الدعم العسكري المباشر من خلال إرسال ضباط أتراك لتدريب القوات المقاتلة إلى جانب حكومة السراج في مرحلة أولى، ثم الدفع بآلاف المقاتلين المرتزقة الذين استقدمتهم من سوريا للقتال في ليبيا. 

وفي أعقاب سقوط قاعدة عقبة بن نافع الإستراتيجية في قبضة المليشيات والمرتزقة بعد تدخل تركي مباشر باستخدام البارجات والطائرات المسيرة، أعلنت حكومة الوفاق بسط سيطرتها على مدينة ترهونة، بدعم تركي كبير كشف حجم تورط أنقرة في الصراع الدائر في البلاد. لكن الأخطر من ذلك كان حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها المليشيات بدعم من المرتزقة والارهابيين والتي تذكر بجرائم سابقة شهدتها مدن غريان وصبراتة وصرمان. 

واقتحمت تشكيلات الوفاق بقيادة تركية وبدعم من آلاف المرتزقة والارهابيين الموالين لأردوغان  مدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس. ودخل هذا الخليط الخطير من المقاتلين مدينة ترهونة تحت غطاء من "المسيرات" التركية، من 3 محاور، باستخدام أسلحة متطورة حصلت عليها حكومة الوفاق من النظام التركي الذي يقود المعارك بصفة مباشرة منذ أشهر. 

وقامت المليشيات بعمليات تصفية ضد عدد من أهالي ترهونة الرافضين للخروج من المدينة والمتمسكين بمنازلهم وسرقت محتويات هذه المنازل، وفقا لشهود العيان. كما تعرضت محطة كهرباء ترهونة، حسب شهود العيان، لأعمال تخريبية انقطع على إثرها التيار الكهربائي والاتصالات الأرضية والإنترنت المنزل. وفي غضون ذلك أعلن الهلال الأحمر بمدينة بني وليد جنوب غرب طرابلس، أن مايزيد عن 5000 عائلة نزحت من ترهونة خلال ساعات اليوم الماضية. 

وقبل ترهونة، نفذت المليشيات التابعة لحكومة الوفاق إعدامات جماعية وفردية في شوارع مدينتي صبراته وصرمان. كما شهدت مدينة غريان، أواخر يونيو 2019، جرائم بشعة وانتهاكات جسيمة بعد أن تمكنت حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على المدينة (80 كيلومترا جنوب غربي العاصمة طرابلس)، التي كانت قوات الجيش الوطني الليبي، تسيطر عليها، وتتّخذها مقراً لقيادة عملياتها العسكرية. 

وبعد أن خرج الجيش الوطني الليبي من تمركزاته في قلب العاصمة طرابلس، احتراما للمطالبات الدولية وإنجاحا لمساعي الحل السلمي للأزمة، عادت الى واجهة الأحداث الصراعات الدامية بين هذه المليشيات في اطار الصراع على النفوذ في مناطقها خاصة مع وجود فوارق عقدية وولاءات مختلفة بين الجهوية والانتماءات لتنظيمات إرهابية مختلفة منها الموالي لتنظيم داعش أو القاعدة أو الإخوان. 

آخر فصول صراع المليشيات ، جاءت مع مقتل المليشياوي "أحمد سعد الصغير"، الملقب بـ"الذيب"، والذي عثر على جثته "ملقاة في جزيرة غوط الشعال بطرابلس صباح الخميس 16 يوليو 2020". وفق ما اوردت تقارير اعلامية نقلا عن مصادر امنية. وأضافت التقارير أن "الذيب" من مواليد 1994، وهو من سكان عرادة، ويعد أحد عناصر المليشيات الموالية لتركيا ، وقد دفن في مقبرة "سيدي بوغراره". 

ويأتي مقتل الذيب في سياق عمليات التصفية التي تشهدها العاصمة الليبية بين المليشيات المسلحة، حيث شهدت المدينة قبل ذلك بأيام عملية تصفية المليشياوي "رضا علي القيرة" من سكان العاصمة من قبل مسلحين. وقالت تقارير اعلامية أن المليشياوي القيرة هو أحد عناصر مليشيا "ثوار طرابلس" الموالية لتركيا، وقد تمت تصفيته من قبل مجموعة مجهولة، مشيرة الى أن هناك احتقان وغضب في أواسط مليشيا ثوار طرابلس. 

كما تمت تصفية "قيادي في ميليشيات الجويلي يدعى وائل امسيك الزنتاني في وسط العاصمة طرابلس". وفق ما نقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الضابط في أمن طرابلس محسن بن الجالي. وجاء ذلك اثر تجدد الاشتباكات، مساء الخميس، بين ميليشيات تابعة لحكومة الوفاق، في عدة مواقع من العاصمة طرابلس، خصوصا في الأحياء الجنوبية والغربية. 

وفي مطلع يوليو الجاري أقدم مسلحين على تصفية المليشياوي أبوبكر فرج الحرابي في مدينة الزاوية من مواليد فبراير 2000 ومن سكان مدينة الزاوية وتابع لمليشيا "الفرقة الأولى". ووقالت تقارير اعلامية أن مسلحين يستقلون سيارة مدنية قاموا بفتح النار عليه أثناء تواجده في منطقة السيدة زينب بالزاوية دون تحديد الأسباب. 

وسقط خلال الأيام الماضية عدد من القتلى أثناء مواجهات في ضاحية جنزور بالعاصمة طرابلس، في اشتباكات مع مليشيات أخرى تتبع نفس الوزارة، على تقاسم السيطرة في المنطقة، أمام مقر حرس "المنشآت النفطية" في جنزور وقرب مقر البعثة الأممية بالبلاد. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو 12 عنصرا من مليشيا فرسان جنزور وفق تقارير اعلامية. 

وأكدت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان مقتل مسلحين في اشتباكات بين المليشيات المسلحة المدعومة من قبل حكومة الوفاق في منطقة جنزور غربي العاصمة طرابلس، مشيرة الى أنها مجزرة إرهابية ارتكبت على بعد مئات الأمتار من مقر البعثة الأممية للدعم في ليبيا. وقالت ، "إن تصفية الحسابات والقتل والتنكيل بالجثث في مشهد دموي تقشعر منه الأبدان، ويعيدنا لسنوات ما قبل التاريخ"، داعية النائب العام الى فتح تحقيقات من شأنها ردع العصابات الإجرامية". 

وأدانت البعثة الأممية للدعم الحادثة، وقالت  في بيان لها أن وقوع هذه الاشتباكات يؤكد ضرورة تحرك حكومة الوفاق بسرعة نحو إصلاح فعال للقطاع الأمني بالتزامن مع نزع سلاح المجموعات المسلحة وتسريح وإعادة دمج عناصرها. وأدانت البعثة الأممية هذه الاشتباكات ووصفتها بالأعمال الطائشة التي تعرض حياة المدنيين للخطر المباشر. 

وقال المتحدث بإسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن الصراع بين مسلحي الميليشيات في غرب البلاد ، يكشف عن المخاطر التي تتهدد السلم الأهلي، ويؤكد صواب موقف الجيش الداعي الى حل الميلشيات وجمع السلاح. وتابع أن مسلحي الميلشيات لا يلتزمون بالقانون ولا يعترفون بمفهوم الدولة ، وهم في غالبيتهم الساحقة من الإرهابيين والمرتزقة والمجرمين المتورطين في قضايا تستوجب محاكمتهم. 

وتزيد هذه الاشتباكات المتكررة من أزمات العاصمة الليبية التي تعيش على وقع أوضاع معيشية صعبة للغاية خاصة مع انعدام السيولة النقدية في المصارف وغلاء الأسعار وتأخر صرف المرتبات وانهيار الخدمات. وشهدت طرابلس، خلال الأيام القليلة الماضية مظاهرات حاشدة احتجاجًا على الانقطاعات المستمرة للكهرباء التي تزيد على 10 ساعات يوميًا. 

ويسعى النظام التركي لترسيخ وجود المليشيات في ليبيا لضمان استمرار الفوضى بما يضمن له تحقيق مخططاته القائمة على نهب الثروات الليبية. لكن هذه المخططات تصطدم باصرار ليبي على مواجهة الغزو التركي بدعم من مصر التي أعلنت استعدادها للتدخل العسكري المباشر في ليبيا لدحر العدوان التركي والقضاء على المليشيات التي تحشد بدعم من مرتزقة اردوغان لاحتلال سرت والجفرة. 

وأعلن البرلمان المصري مؤخرا موافقته على نشر قوات مسلحة مصرية في مهام قتالية بالخارج، وعلى نشر قوات للدفاع عن الأمن القومي، وتحديدا في الإطار الاستراتيجي الغربي؛ في إشارة إلى الحدود مع ليبيا. وجاءت هذه الموافقة في سياق التحضير لتدخل مصر العسكري المباشر في ليبيا لدحر الغزو التركي والقضاء على مليشيات ومرتزقة أردوغان الذين باتوا يهددون ليبيا والمنطقة ككل. 

وجاءت خطوة البرلمان المصري في أعقاب لقاء جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بمشايخ وأعيان القبائل الليبية، الذين أكدوا تفويضهم للرئيس المصري والقوات المسلحة المصرية للتدخل لحماية السيادة الليبية، واتخاذ كافة الإجراءات لتأمين مصالح الأمن القومي لليبيا ومصر ومواجهة التحديات المشتركة. وقبل ذلك دعا مجلس النواب الليبي رسميا القوات المسلحة المصرية للتدخل العسكري في ليبيا دعما لليبيين في حربهم ضد الاحتلال التركي الذي يسعى للسيطرة على الحقول النفطية ونهب ثروات البلاد دعما لاقتصاد أنقرة المتداعي. 

وتتمسك مصر بتفكيك المليشيات المسلحة في ليبيا بشكل كامل وقيام كافة المليشيات الأجنبية بإلقاء السلاح بشكل كامل دون أي شروط. وشدد وزير الخارجية المصري سامح شكري من عمان حيث التقى نظيره الأردني، الأحد الماضي، على رفض بلاده ممارسات الميليشيات في ليبيا، المدعومة من أطراف خارجية في إشارة إلى أنقرة، التي نقلت بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكثر من 11 ألفا و500 مرتزق من سوريا إلى الأراضي الليبية للقتال إلى جانب الوفاق. 

وتؤكد التطورات خلال السنوات الماضية الخطورة الكبيرة التي يمثلها وجود المليشيات المسلحة المدعومة من تركيا في ليبيا. ويشير مراقبون الى أن انهاء سطوة المليشيات بات ضروريا قبل الحديث عن أي حلول سياسية في البلاد. ويؤكد هؤلاء أن بعثة الأمم المتحدة تتحمل أسباب استمرار وجود الميليشيات المسلحة وتمركزها فى طرابلس بسبب تغاضيها عن تفعيل ملحق الترتيبات الأمنية الوارد فى اتفاق الصخيرات الذى وضع آلية واضحة للتخلص من الميليشيات، بالإضافة إلى الرؤية التى وضعها العسكريين الليبيين خلال اجتماعاتهم الست فى القاهرة للتعامل مع مشكلة الميليشيات وكيفية حلها ونزع أسلحتها.