اتجهت أنظار العالم الى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي عقدت في نوفمبر الجاري، لمتابعتها في محاولة لتوقع واستشراف نتائجها المحددة للسياسة الخارجية الأمريكية. ولكون الملف الليبي يحمل أهمية دولية لتأثيراته على مصالح العديد من الدول وعلى رأسها أمريكا، فان هذه الانتخابات تمثل أهمية قصوى لليبيين كونها ستحدد مستقبل الأزمة الليبية في ظل الإدارة الأمريكية القادمة.
بالرغم من تعاقب الادارات الأمريكية إلا أن تعاطيها مع الملف الليبي كان فاشلا بامتياز،فمع الرئيس باراك أوباما لعبت الولايات المتحدة دورا أساسيا في اغتال الأمن والاستقرار في ليبيا ونشر الفوضى فيها من خلال التدخل العسكري ودعم الجماعات المسلحة والتنظيمات الارهابية التي سيطرت على البلاد وحولتها الى ساحة للصراعات المستمرة.
 ودفعت ادارة أوباما الثمن عندما قتل السفير الأمريكي في ابريل 2012 في هجوم جماعة أنصار الشريعة على القنصلية الأمريكية في بنغازي، وهو ما دفع الادارة الامريكية الى نقل السفارة وباتت تعمل من تونس، وأرخت أمريكا الحبل للدول الأوروبية الثلاث المؤثرة في الملف الليبي، وهي فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، لقيادة الملف الليبي وأقتصر دورها على الضربات الجوية للتجمعات الإرهابية.
وبعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة في أمريكا، التزمت الإدارة الأميركية الجديدة الصمت حيال ما يحدث في ليبيا، وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب،  في أبريل 2017، إنه لا يعتقد أن على الولايات المتحدة مواصلة القيام بدور في تحقيق الاستقرار في ليبيا.وأضاف ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإيطالي، باولو جينتيلوني، عقب اللقاء بينهما في البيت الأبيض: "لا أرى دوراً لأمريكا في ليبيا، " وأضاف ترامب: "أعتقد أن الولايات المتحدة تقوم حالياً بالعديد من الأدوار، بما فيه الكفاية، في أماكن مختلفة من العالم".
وجاءت تصريحات ترامب بعد لحظات من وصف جينتيلوني لدور الولايات المتحدة في ليبيا بـ"الحاسم".وقال جنتيلوني: "أعتقد أنه يجب أن يكون هناك هدف واضح واحد، وهو أننا بحاجة إلى المنطقة، ونحن بحاجة إلى الدول مثل مصر وتونس القريبة من ليبيا، ونحن بحاجة إلى ليبيا مستقرة وموحدة." وأضاف: "دور أمريكا في هذا حاسم".
وبالرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي تلك الا أن ادارة ترامب حرصت على مواصلة وجودها العسكري فى المشهد الليبي،فمنذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب السلطة في يناير 2017، نفذ الطيران الأميركي عدّة ضربات جوية في ليبيا، مستهدفاً فلول وقيادات تنظيمي "الدولة" و"القاعدة" الارهابيين.
وفي الفترة الأخيرة،كان هناك محاولة من ادارة ترامب لاعادة الانخراط في الملف الليبي،وبدا ذلك واضحا حين صعّدت واشنطن موقفها من إغلاق إنتاج وتصدير النفط، معلنة في بيان لها في اغسطس الماضي،معارضة البيت الأبيض بشدة التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا وحقولها النفطية، مشيرة إلى متابعة شخصية من الرئيس دونالد ترامب للملف الليبي بالتواصل مع عدة قادة حول العالم.
وتحركت الدبلوماسية الامريكية لاجراء مشاورات مع دول الجوار الليبي وعلى رأسها مصر،كما فرضت الخزانة الأميركية عقوبات مالية على شبكة تهريب ليبية في مالطا.كما سارعت لاطلاق تهديد مباشر بأنها ستواصل اتخاذ إجراءات ملموسة ضد أولئك الذين يقوضون السلام والأمن والاستقرار في ليبيا،وهو ما مثل وفق متابعين الاشارة الأقوى لاهتمام واشنطن بالملف الليبي.
وتسارعت تحركات السفير الأمريكي بليبيا، وذلك ضمن سلسلة من الاجتماعات أجراها مع مسئولين ليبيين ومصريين،ارجعها كثيرون الى محاولة تحجيم الدور التركي المتصاعد في تأجيج الصراعات في ليبيا وانتهاكاتها المتواصلة التي كانت تنذر بصدامها مع القاهرة. وتزايد الضغط الأمريكي لوقف إطلاق النار، والذي اعقبه توقيع اتفاق لإعادة فتح النفط الليبي، كما دعمت واشنطن المسارات السياسية الجارية في ليبيا مؤخرا.
هذه التحركات المتأخرة والتي تاتي في اطار الحملة الانتخابية لم تنجح في اخراج ادارة ترامب من بوتقة الفشل في ادارة الملف الليبي كما لم تنجح في ابقائه في البيت الأبيض الذي خسره أمام منافسه الديموقراطي جو بايدن الذي ستتكفل ادارته بالأزمة الليبية خلال السنوات القادمة وهو ما يطرح تساؤلا حول قدرة الادارة الجديدة على اختراق يحسب لها في هذا الملف.
  وبالعودة الى الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن، فقد كان نائب الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2011،وبالرغم من أن فوزه في الانتخابات يشكل بحسب كثيرين امكانية لبعث الروح في تيار الاسلام السياسي وتنظيم "الإخوان" على مستوى الشرق الاوسط برمته وليس ليبيا،نظرا لارتباطهم بالديمقراطيين،فان رفضه للتدخل العسكري في ليبيا في 2011 يشكل نقطة هامة في ادارته للملف.
كما أن بايدن الذي وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "بالمستبد"،قيد يتجه الى كبح جماح السلطان التركي الذي بات يشكل خطرا يتهدد ليبيا والمنطقة.ويرى مراقبون أن الادارة الأمريكية الجديدة ستلتفت للانتهاكات التركية المتواصلة التي زادت من حدة الصراعات في ليبيا وأدخلت المنطقة عموما في توترات متواصلة.
 ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري، المحلل السياسي محمد صالح العبيدي، أن "صعود بايدن سيؤدي إلى تراجع للنفوذ التركي في ليبيا وفي الشرق الأوسط عموما، خاصة في إطار تسويات مرتقبة مع الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه فرنسا وألمانيا، الغاضبتين من السلوك السياسي التركي"،مؤكدا أن "فوز بايدن سيغير المعادلات جزئيا وسيعيد ترتيب الأوضاع في العلاقة بالقوى الإقليمية، خاصة القوة التركية، التي أحدثت فتنة داخل حلف شمال الأطلسي".
ورجح العبيدي أن "تكون الولايات المتحدة في عهد بايدن حاضرة بشكل عسكري مباشر في ليبيا، لأن الولايات المتحدة لن تصمت عن هذه العربدة التركية خاصة مع التململ داخل المنطقة، كما أن تركيا ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، وبالتالي فإن الإدارة  الأمريكية لا يمكن أن تدخل في صدام مع دول الخليج ومصر من أجل تركيا"، وفق ما أورد الموقع الاخباري.
يمكن القول بأن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية سيدخل الدبلوماسية الأمريكية في حالة جمود مرحلية الى حين صياغة برنامج للتعامل مع الملفات الساخنة.ويرى مراقبون أن واشنطن لن تنغمس في الملف الليبي بشكل مباشر لكنها ستتجه الى اقصاء الأطراف الخارجية المعرقلة للحوار الليبي وتعزيز  فرض حظر التسليح وغيره من القرارات الأممية ذات العلاقة وهو ما قد يشكل نقلة هامة في سياق حل الأزمة المستعصية منذ سنوات.