انتصرت جائزة بوليتزر في الرواية لهذا العام لأدب حماية البيئة وجماليات الطبيعة بالإعلان عن منحها لريتشارد باورز عن روايته "مظلة أوراق الشجر". 

وإذا كان لكل منا حكايته أو قصته الخاصة مع الأشجار، فان رواية "مظلة أوراق الشجر" التي اعلن مؤخرا عن تتويجها بجائزة بوليتزر لهذا العام وتدخل بوضوح في "الأدب البيئي" تقوم على سرد مبتكر لريتشارد باورز الذي عمد "لنوع من الحكي يتماهى مع الأشجار ويتنوع مابين فروع واغصان واوراق وجذور". 

ومن خلال "الأشجار وقصصها مع أشخاص مختلفين"، يطرح ريتشارد باورز رؤاه حول الطبيعة والبيئة فيما كان نقاد ثقافيون في الصحافة الغربية قد وصفوا هذه الرواية بأنها "من أفضل ما كتب عن الأشجار".

وبذلك يمكن القول إن فوز ريتشارد باورز بجائزة بوليتزر للرواية هذا العام عن رائعة "مظلة أوراق الشجر" لا يشكل مفاجأة وأن جائزة بوليتزر الأمريكية الشهيرة لم تعمد للعام الثاني على التوالي لمفاجأة النقاد تماما كما فعلت في العام الماضي عندما أعلنت فوز رواية "ليس" بجائزة الرواية لأندرو جرير.

وريتشارد باورز الذي ولد عام 1957 في الينوي يقدم في "مظلة أوراق الشجر" دفاعا نبيلا عن قضايا حماية البيئة ويستحضر أقاصيص من الحب والخيانة والحرب والإخلاص فيما يستوحي عناوين فصول روايته التي وصفت "بالتحفة الفنية" من عالم الأشجار: "الجذور، الجذع، الرأس، والبذور والثمار".

والفائز بجائزة بوليتزر هذا العام والتي تعد من أهم الجوائز الثقافية الأمريكية، ناهيك عن كونها الأهم في فئاتها المخصصة للصحافة توج من قبل في الولايات المتحدة بجائزة الكتاب الوطني فيما تعد رواية "مظلة أوراق الشجر" العمل الإبداعي الثاني عشر لريتشارد باورز.

وببنيتها الروائية الشجرية وكأنها "ملحمة للأشجار" تردد الأشجار أصداء قادمة من أعماق البشر الذين يعيشون بينها لم يغفل الراوي عن أصداء الأشجار في أعماق هؤلاء البشر عبر" تشابكات وتفاعلات شجرية في تلك الرواية الفاتنة ذات اللغة الشاعرة".

ومنتصرا لقيم سامية كالصمود دفاعا عن الطبيعة وحماية البيئة لم يتخل ريتشارد باورز عن تفاؤل المبدع وهو يدير حوارات عميقة وحكايات متشابكة بين الشجرة والانسان المعاصر او بين عالم النبات وعالم البشر فيما يتطرق ضمن جدليته الشجرية وأوراقه المتداخلة لقضايا الهجرة للولايات المتحدة ويتجول في تاريخ نيويورك وصولا لما عرف "بحرب الأخشاب في شمال غرب الباسفيك" في نهاية القرن العشرين.

فريتشارد باورز يوجه بنعومة السرد وحيل الفن رسالة لقارئ "مظلة أوراق الشجر" جوهرها ان عالم الأشجار الرحب والحنون والبديع "يكاد يكون غير مرئي على مستوى البصيرة الإنسانية المعاصرة رغم ان هذا العالم يعيش جنبا الى جنب مع الإنسان" وهذا العالم الجميل وغير المرئي "ينبغي حمايته ودرء كارثة تتهدده ضمن العدوان الفاقد البصيرة على الطبيعة". 

وهكذا يحق وصف هذا الكاتب والروائي الأمريكي المتوج بجائزة بوليتزر للرواية لهذا العام والذي يعيش على سفوح "جبال سموكي العظيمة" بأنه "فارس نبيل من ابرز فرسان الدفاع عن البيئة في التاريخ الأدبي الأمريكي".

ويأتي تتويج ريتشارد باورز بجائزة بوليتزر عن عمله الأدبي المنتصر لقضايا حماية البيئة والتنوع البيولوجي في وقت يواجه فيه التنوع البيولوجي تحديات جمة وتتصاعد فيه نداءات وكتابات المثقفين حول العالم لحماية البيئة ومواجهة إشكاليات مثل ظاهرة التغير المناخي.

وإذا كان ريتشارد باورز يبدو متفائلا رغم مخاوفه من كوارث العدوان على الغابات وقطع الأشجار، فإن الكاتب والروائي الأمريكي جوناثان فرانزن بدوره لم يتخل عن الأمل رغم العنوان الصارخ لكتابه الأخير والذي قد يثير قشعريرة في النفوس :"نهاية النهاية للأرض".

وفيما أظهر تتويج رواية تنتصر لقضايا حماية البيئة بجائزة بوليتزر اهتماما ثقافيا أمريكيا بتلك القضايا فإن هذا الكتاب الجديد لجوناثان فرانزن الذي يتناول إشكاليات التغير المناخي يظهر حقيقة أن البيئة تتأثر سلبا أو إيجابا بقيمنا الثقافية فيما يتمسك صاحب رواية "التصحيحات" بأهداب الأمل في ثورة للضمير الإنساني تنقذ العالم من مخاطر بيئية جسيمة وتحول دون "نهاية النهاية للأرض" داعيا "لحلول إبداعية ومبتكرة لاشكاليات ومعضلات العدوان على البيئة".

وتلك القضايا المتعلقة بحماية البيئة والتنوع البيولوجي، باتت موضع اهتمام واضح من جانب مبدعين في كل مكان بالكوكب الأرضي مثل الكاتب والروائي الإسترالي ريتشارد فلانجن الفائز بجائزة مان بوكر والذي يندد بالعدوان على البيئة، بينما انطلق صوت ثقافي بارز من كندا ليحذر من خطورة هذا العدوان وهي الكاتبة ناعومي كلاين صاحبة كتاب :"هذا يغير كل شيء". 

والكاتبة الكندية ناعومي كلاين التي ولدت في مونتريال يوم الخامس من مايو عام 1970، وصاحبة كتاب "عقيدة الصدمة" تحذر بقوة من مخاطر التغير المناخي والتلوث البيئي وتتكئ على أحدث المعطيات في مجموعة العلوم المعنية بهذه القضايا لتوضح أن الأرض تتغير بالفعل وأن تغييرا مناخيا واسع النطاق يجري على قدم وساق فيما لو استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه من انفلات بيئي فإن كوكب الأرض سيتغير بصورة جوهرية ولن تكون الأرض بعد ذلك هي ماعرفها الانسان من قبل.

وها هو أحد كبار المثقفين في الولايات المتحدة والعالم وهو بول كروجمان الاقتصادي الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008 يقول ان التغير المناخي هو الخطر الأعظم على العالم.

ومن هنا ، يبدي هذا المثقف النوبلي الكبير تأييدا لتحالف عالمي لمواجهة آثار التغير المناخي.. معتبرا ان ظاهرة كالاحتباس الحراري تهدد الحضارة الغربية والحضارات الانسانية كلها فيما يؤكد على خطأالرؤية التي تسعى جاهدة للتقليل من خطورة التغير المناخي.

وها هي دورية "نيويورك ريفيو" الأمريكية المعنية بالقضايا الثقافية تنشر تقريرا بعنوان "توقعات متجهمة للغاية"، استند فيه الكاتب والخبير البيئي الأمريكي بيل ماكيبن على معطيات لجنة دولية حكومية تابعة للأمم المتحدة حول قضايا التغير المناخي أثارت المزيد من القلق حول ظاهرة مثل الاحتباس الحراري حتى أن ماكيبن يقول إن هذه "الوثيقة-الدراسة" التي جاءت في 500 صفحة صدرت مؤخرا واعدها 91 عالما من 40 دولة "لا تثير البكاء على المستقبل فحسب وإنما أيضًا على الحاضر".

وبقدرما أظهر "مؤتمر الأطراف الرابع عشر لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي"، الذي عقد في شهر نوفمبر الماضي بمدينة شرم الشيخ التوجهات المصرية النبيلة حيال قضايا التنوع البيولوجي والبيئة ، فانه جسد رؤية مصرية تنتصر "لثقافة الحق والخير والجمال" وتستجيب لتحديات باتت تشكل هما عالميا وتثير قلق المثقفين والمبدعين حول العالم مثل ريتشارد باورز المتوج بجائزة بوليتزر للرواية لهذا العام. 

وفيما يترقب الصحفيون كل عام نتائج الإعلان عن هذه الجوائز التي تحمل اسم الصحفي الأمريكي جوزيف بوليتزر ويرجع تاريخها الى عام 1917 وتوصف بأنها من اعرق التكريمات في مجال الصحافة على مستوى العالم فإن النقاد بدورهم ينتظرون كل عام اعلان اسم الرواية التي فازت بالجائزة وتبلغ قيمتها المادية 15 الف دولار أمريكي.

ومن ثم فان لجوائز بوليتزر التي تمنحها جامعة كولومبيا في نيويورك اهميتها في الحياة الثقافية الأمريكية والرواية الفائزة تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات.. وهي جائزة تترقبها دوما دوائر صناعة النشر حتى إن حجبها عام 2012 أثار صدمة في الأوساط الأدبية ودور النشر الأمريكية فيما كانت رواية "مظلة أوراق الشجر" قد وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية في العام الماضي. 

وإذا كانت جوائز البوليتزر الأكاديمية الأمريكية في الأدب لا ترقى لمصاف جوائز نوبل فان البوليتزر التي يضم مجلس إدارتها 18 عضوًا لا تقل أهمية عن جوائز المان بوكر البريطانية وتمهد الطريق أمام الفائز ليصبح نجما عالميا وهو ما يتوقع حدوثه مع مؤلف رواية "مظلة أوراق الشجر" كما حدث من قبل مع روائيين وكتاب قصة أمريكيين سبق وأن فازوا بهذه الجائزة التي تجعل صاحبها مسموع الكلمة في وسائل الإعلام بقدر ما تحقق لأعماله رواجا كبيرا داخل الولايات المتحدة والدول الناطقة بالإنجليزية. 

وفي عام 2017، كان فوز المبدع الليبي هشام مطر بجائزة بوليتزر في أدب السيرة الذاتية عن روايته "العودة" حدثا هاما للإبداع العربي ككل بقدر ما يمثل فرصة على عالم هذا الكاتب والروائي الذي عاش شطرا من سنوات الصبا في مصر.

ومنذ الإعلان مؤخرا عن جوائز بوليتزر في الصحافة لهذا العام تتوالى صور الفرحة بين الصحفيين الفائزين بالجائزة التي توصف بأنها الأهم على مستوى جوائز الصحافة في العالم كما تتوالى أسماء الصحفيين ومؤسساتهم، فيما تمكنت المصريتان ماجي ميشيل وناريمان المفتي في وكالة اسوشيتدبرس من الفوز بجائزة التغطية الدولية عن سلسلة تحقيقات صحفية حول المشهد اليمني وشارك في هذه التحقيقات المصور الصحفي اليمني معاد الزكري.

وكذلك حضر المشهد في ميانمار في جوائز البوليتزر هذا العام حيث حصلت وكالة رويترز على جائزة للتغطية الدولية عن تقرير استقصائي بشأن الممارسات القمعية التي تتعرض لها اقلية الروهينجا المسلمة في هذا البلد كما فازت الوكالة بجائزة أخرى للصور عن مهاجرين على الحدود الأمريكية.

وسواء على مستوى جوائز الصحافة أو الأدب فإن البوليتزر انتصرت هذا العام لقضايا تهم الإنسان المعاصر في كل مكان وتعلي من قيم الحق والخير والجمال.. ومن يدري لعل فوز ريتشارد باورز وهو أديب معروف إلى حد كبير في الولايات المتحدة والغرب بجائزة بوليتزر للرواية هذا العام تكون فاتحة طريقه في نهاية المطاف للتتويج بجائزة نوبل في الآداب التي تتعافى من آثام أدت لحجبها في العام الماضي.