حصدت المواجهات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، أرواح الكثير من المدنيين. ولم تظهر أي بوادر لانتهاء التصعيد العسكري المستمر منذ شهر تقريبا.كما تسبب القتال في الأطراف الجنوبية والجنوبية الشرقية للعاصمة الليبية في نزوح الآلاف من السكان هربا من نيران الحرب،فضلا عن خسائر مادية كبيرة. 

وفي ظل الانفلات الأمني الذي تعانيه العاصمة الليبية منذ أسابيع،والذي حولها إلى ساحة قتال بين الميليشيات المتصارعة،باتت المنشآت الرئيسية في مرمى النيران بهدف تدميرها أوالسيطرة عليها،وهو ما يهدد بخسائر كبيرة تندرج جميعا في اطار الخسائر التي لحقت بالمواطن الليبي منذ بداية الازمة.

إستهداف وتهديد

وفي إستئناف لمسلسل إستهداف المنشآت العامة،هدد زعيم مليشيا "أسود تاجوراء"، بشير خلف الله الشهير بـ"البقرة"، باقتحام مطار معيتيقة في ليبيا، إذا لم يُفرج عن سجناء المليشيا الذين أصدر النائب العام قرارًا بالإفراج عنهم.ووجه خلف الله تهديده لقوة الردع الخاصة وقوات الأمن في طرابلس، مانحًا إياهم مهلة 24 ساعة -تنتهي هذه الليلة- للإفراج عن السجناء.

وقال "البقرة" في بيان نُشر على صفحة المليشيا في "فيسبوك"، إن "هناك اتفاقًا على إطلاق مجموعة مساجين، من بينهم عدة أفراد منتمون للكتيبة، لكن قوة الردع تماطل في إطلاق سراحهم".

وسقطت مجموعة من الصواريخ على مطار معيتيقة، في ساعات الصباح الأولى من فجر السبت، في قصف جديد على المطار الوحيد في العاصمة الليبية طرابلس.جاء ذلك بعد أن توعدت ميليشيا "البقرة" المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة بـ"أمطار من الصواريخ" على المطار معيتيقة، الذي تسيطر عليه ميليشيا قوة الردع الخاصة التابعة لحكومة الوفاق.

وقالت الميليشيا، التي تتخذ من مدينة "تاجوراء" (18كم شرقي العاصمة طرابلس) مقرًا لها ويقودها المدعو بشير خلف الملقب بـ"البقرة"، في بيان صدر صباح السبت:"ردها يا غسان سلامة إن استطعت ووالله لن تستطيع، حتى لو قصفت طائرات الغرب، لن نستسلم وسنحولها إلى جحيم.. الله أكبر انتظروا أمطارًا غزيرة بصواريخ الكاتيوشا يا عملاء.وأضافت:"كما قلنا لكم، صواريخنا لن تتوقف ولسوف تستمر، كونوا معنا فالنصر قريب".

وكان المبعوث الأممي غسان سلامة قال في مؤتمر صحافي عقب قصف المطار الوحيد في العاصمة طرابلس بوابل من الصواريخ قبل أيام:"نحن نعلم تمامًا من قام بقصف مطار معيتيقة مرتين،مضيفا نحن نعلم بهذا الطرف وهو يعلم أننا نعلم. ولذلك أستفيد من هذه اللحظة لأقول له: "المرة المقبلة سنسميه بالاسم.

وإعتبر مراقبون أن سلامة يقصد ميليشيا "البقرة"،وفي هذا السياق،نقلت "العربية نت"،عن مصدر أمني من مديرية أمن طرابلس أن الطرف المسلح المعني في تصريحات سلامة هو ميليشيات الرحبة المتواجدة في منطقة تاجوارء،والتي سبق أن أصدرت حكومة الوفاق قرارها بحلها في يناير الماضي عقب هجومها على قاعدة معيتيقة.

هجمات سابقة

وسبق لمليشيا البقرة أن شنت هجمات على مطار معيتيقة،ففي يناير الماضي،أسفر هجوم شنته الميليشيا عن مقتل أكثر من عشرين شخصا وجرح حوالي ثلاثين آخرين وتسبب في ايقاف الملاحة الجوية من والى المطار.

وجاء الهجوم حينها بحسب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني،بهدف إطلاق سراح إرهابيين محتجزين في سجن، ينتمون إلى تنظيم "داعش" و"القاعدة".حيث يطالب قادة الكتيبة 33 التي تدين بالولاء لمفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني والجماعة الليبية المقاتلة، بإطلاق سراح أشخاص مقبوض في سجن معيتيقة بتهم الاٍرهاب.

وفي أبريل الماضي،تعرض المطار لقصف صاروخي أصاب طائرة "إيرباص 320"،بالإضافة إلى صالة الوصول بالمطار الرئيس بالبلاد.وأظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي تلفيّات بالمدرج وثقوباً في جناح وهيكل الطائرة.ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن قوة الردع الخاصة التابعة لحكومة الوفاق، التي تدير المطار،أن الصواريخ أطلقها موالون لزعيم جماعة مسلّحة يُعرف باسم بشير "البقرة".

وفي سبتمبر الجاري،تعرض مطار معيتيقة الدولي تعرض إلى هجوم عنيف بمختلف أنواع الأسلحة، ما أدى إلى توقف جميع الرحلات الجوية المحلية والدولية، وتحويلها إلى مطار مصراتة.وأفادت قوة الردع الخاصة التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، عبر حسابها بموقع "فيس بوك"، بقيام من وصفته بـ"المجرم المعروف بشير البقرة" بالهجوم على مطار معيتيقة الدولي رفقة من وصفتهم بـ"كل المجرمين المطلوبين لدى قوة الردع الخاصة بعد هروبهم وانضمامهم لهذه المليشيا".

ميليشيا البقرة

وتعرف ميليشيا الرحبة رسمياً باسم الكتيبة 33 وتتبع وزارة دفاع حكومة الوفاق اسمياً، لكن أفرادها وعددا من قاداتها يوالون خصوم الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق.وتعتبر تلك الميليشيات آخر المجموعات المسلحة التي بقيت على ولائها لحكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني السابق، كما أنها من رحبت بالمرشح لرئاسة الوزراء السابق "عبد الباسط اقطيط"، المعارض للاتفاق السياسي، واحتضنت حراكه في سبتمبر من العام الماضي، وشاركته في مظاهرات لبعض الأيام وسط طرابلس.

وشاركت ميليشيا البقرة في عمليات تأمين حكومة الإنقاذ كأحد أهم أذرعها المسلحة، لكن موقفها الحيادي إبان هجوم قوات حكومة الوفاق على مقرات حكومة الإنقاذ في مارس العام الماضي، حافظ على مراكزها في تاجوراء، ومنحها قرارا رسميا من وزارة الدفاع بالانضمام إليها..

ويتزعم الميليشيا "بشير خلف الله"،الذي ينحدر من مصراتة، لكنه يقيم برفقة أسرته في تاجوراء، وتعرف كتيبته بصلاتها وعلاقتها الوطيدة بمفتي ليبيا المعزول "الصادق الغرياني" وقادة تيار الإخوان المسلمين الداعمين لتيارات إسلامية متشددة.وعرف عن خلف الله تورطه في عمليات غير قانونية منها الاتجار بالبشر، والاختطاف من أجل الحصول على فدية مالية.

تأمين المطار

ويطرح التهديد بالهجوم على المطار تساؤلات حول قدرة مسؤولي طرابلس على حفظ الأمن وضبط التشكيلات المسلحة التي في الأصل موالية لها.خاصة وأنه يأتي بعد أيام من إعلان وزير داخلية الوفاق المفوض، عبد السلام عاشور، تكليف العميد خالد زهو التابع للإدارة العامة للأمن المركزي رئيسا لقوة مهمتها حماية منفذ مطار معيتيقة الدولي،بعد أن كانت  قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية تتولى تأمين المطار الدولي.

ووفقاً للقرار رقم 1648 للعام 2018، تم تكليف العقيد الحسن التومي مساعدا لرئيس القوة، وفق ماء جاء في بيان صدر عن الوزارة.ويأتي ذلك في إطار "الترتيبات الأمنية الجديدة" بالعاصمة، وفق عاشور، وبعد ساعات قليلة من تكليف رئيس الحكومة المعترف بها دوليا، فائز السراج، وزير الداخلية بتشكيل قوة شرطية نظامية لتأمين وحماية المطار.

وقال عاشور، خلال مؤتمر صحفي داخل مطار معيتيقة، مع وكيل وزارة المواصلات بالبلاد هشام بوشكيوات، "بناء على تعليمات الرئيس السراج، نشتغل على إعادة ترتيب القوة الأمنية داخل المطار".وأشار عاشور، إلى أن "قوة فض النزاع (التي شكلها المجلس الرئاسي)، ستكون معنا في نفس إطار تأمين وحماية مطار معيتيقة، لضمان عدم تكرار الاعتداءات عليه.

من جانبه، قال هشام بوشكيوات، وكيل وزارة المواصلات، إن "إعطاء الإذن بعودة الحركة الجوية لمطار معيتيقة، سيتوقف لحين التأكد من توفر شروط الأمن والسلامة للمسافر".وأوضح بوشكيوات، بالمؤتمر نفسه، أن "الترتيبات الأمنية لن تأخذ وقتا طويل، وبعدها، نعلن استئناف الحركة من مطار معيتيقة.

وتوقفت حركة الملاحة الجوية في مطار معيتيقة الدولي، إثر سقوط قذائف عشوائية على المطار، في خرق للهدنة التي أشرفت عليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.ووفق مراقبين، فإن الترتيبات الأمنية الجديدة ستشمل تغيير جميع الكتائب الأمنية التي تؤمّن مواقع حيوية في طرابلس، والتي لها خلافات مع كتائب أو جهات أخرى.

يشارإلى أن مطار معيتيقة،هو مطار دولي وقاعدة جوية عسكرية على بعد 11 كم باتجاه الشرق من قلب العاصمة الليبية طرابلس.وبعد إغلاق مطار طرابلس الدولي في يوليو 2014، بسبب الحرب الأهلية الليبية، أصبح مطار معيتيقة هو المطار الوحيد الذي يخدم طرابلس.حيث  تم تحويل الرحلات التي كانت تسير من مطار طرابلس ونقلها لتنطلق من مطار معيتيقة وقد اصبحت أغلب هذه الرحلات تشمل فقط رحلات لشركات طيران ليبية بعد انسحاب الشركات الاجنبية بالكامل بسبب الأوضاع الأمنية الغير مستقر.

وتسببت الصراعات المسلحة بين الميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس، في تدمير طائرات مدنية من أنواع مختلفة،وذلك بسبب الهجوم على المطارات الليبية خاصة مطار معتيقة الدولي.وتضرّر قطاع الطيران في ليبيا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بسبب الاشتباكات والنزاعات المسلحة والفوضى الأمنية، حيث توقفت الرحلات الجوية بين ليبيا وعدة دول خاصة في أوروبا.

وفي أبريل الماضي،أكدت الشركة الليبية الأفريقية للطيران القابضة،أن شركات الطيران في ليبيا قد تكبدت أضرار بالغة نتيجة للأعمال العسكرية التي طالت الطائرات المطارات ومرافقيها وأن مثل هذه الأعمال تؤثر بكل بالغ على تقديم الخدمة وإرباك المسافرين وإلغاء الرحلات.وطالبت الشركة من خلال بيان لها، المؤسسات الرسمية للدولة بتحمل المسؤولية باتخاذ الخطوات الضرورية واللازمة لتأمين المطارات ومرافقيها.

ومنذ العام 2011، تعيش العاصمة الليبية في الفوضى،ويشيع وجود عدد لا حصر له من الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة التي تغير ولاءها وفقاً لمصالحها، مناخاً من انعدام الأمن.وقال تقرير لخبراء في الامم المتحدة إن "المجموعات المسلحة مارست نفوذا يزداد وضوحا على مؤسسات الدولة الليبية وتضع مصالحها في المقدمة".وأضاف التقرير الذي عرض على مجلس الأمن الدولي في الخامس من أيلول/سبتمبر الجاري،أن "اللجوء إلى العنف للسيطرة على البنى التحتية والمؤسسات العامة والتهديدات والهجمات ضد الموظفين شائعة في هذا البلد خصوصا في طرابلس".