منذ بداية الصراع المسلح في ليبيا في العام 2011،ظل الليبيون ضحية لانتشار ظاهرة العنف التي اقترنت بعمليات القتل والاغتيال،علاوة على الاخفاء القسري والاعتقال التعسفي خارج إطار القانون والافلات من العقاب،في ظل تغول الجماعات المسلحة والميليشيات المتعددة التي إستغلت غياب سلطة الدولة لتمارس أنشطتها الإجرامية التي زادت من معاناة المواطن الليبي.
ومازالت عمليات الاختطاف والاخفاء القسري على أيدي المجموعات المسلحة تلقي بظلالها على المشهد الليبي خاصة في غرب البلاد.آخر هذه العمليات استهدف رئيس قسم الإعلام سابقا في جامعة سرت أحمد السني،الذي اعتقتلته مجموعة مسلحة من مصراتة تابعة لحكومة الوفاق في مشهد اعتبره البعض مؤشرا على تواصل مسلسل الانتهاكات لدوافع سياسية واجتماعية.
 ويعتبر أحمد السني من أبرز الأكادميين الليبيين،وهو رئيس قسم الإعلام سابقا، ساهم في عودة جامعة سرت إلي الحياة من جديد بعد الحرب وكون الفريق الإعلامي الذي اظهر العديد من المواهب الطلابية، فضلا عن مشاركته في العديد من المؤتمرات العلمية في (اجدابيا/ سرت/ مصراته/ بنغازي/ طرابلس) التي تهتم بمحتوى القنوات الفضائية والعدالة الانتقائية والقائم بالأتصال وضد خطاب الكراهية، بحسب روايات زملاء له ومقربين.
أثارت حادثة الاختطاف هذه جدلا في الأوساط الليبية حيث استنكر أساتذة جامعيون وزملاء للمعتقل عمليات الإخفاء القسرى للصحفيين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الليبية، داعين إلى عدم الزج بتلك الشرائح في الاستقطاب الحاصل في المجتمع الليبي، وأطلقوا وسم "هاشتاق" "الحرية للأستاذ احمدالسني".
وتأتي هذه الحادثة في أعقاب أخرى مشابهة استهدفت رئيس جامعة الزيتونة  عبد الفتاح المالطي،ومرافقه مسجل عام الجامعة أحمد مسعود،اللذين اعتقلتهما مجموعة مسلحة تابعة لقوات الوفاق في طريق سرت الجفرة، وهما في طريقهما لزيارة عمل للمنطقة الشرقية لمتابعة الاجراءات المتعلقة بالجامعة مع وزارة التعليم بالحكومة المؤقتة.
وأدانت وزارة التعليم بالحكومة المؤقتة،حادثة الاختطاف قائلة في بيان لها، إنها تحمل كافة الجهات ذات العلاقة على المستوى المحلي والدولي تبعات هذه الواقعة، مشيرةً إلى ضرورة تدخل المبعوث الاممي الى ليبيا غسان سلامة العاجل لحل هذه الواقعة التي لا تمثل إلا أصحابها محملة الجهة المسؤولة عن اختطافهم كل المسؤولية.
وأكدت الوزارة بأن رئيس الجامعة "عبدالفتاح المالطي" ومسجل عام الجامعة "أحمد مسعود" هما موظفين مدنيين لا علاقة لهما بأي توجهات، مطالبة كافة نقابات أعضاء هيئة التدريس ومجالس الحكماء ومؤسسات المجتمع المدني بالتدخل السريع لضمان رجوع المختطفون إلى أهاليهم سالمين.
وتنتشر عمليات الخطف والتوقيف دون سند قانوني في العاصمة طرابلس، على أيد الميليشيات المسلحة. لكن مع تواصل الاقتتال بين الجيش الوطني وقوات موالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج،يشير متابعون الى أن عمليات الخطف والاغتيالات على الهوية،ازدادت بشكل كبير.وقال أحمد حمزة، مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، إن حوادث الاختطاف والاختفاء القسري تزايدت في الآونة الأخيرة في عدد من المدن الغربية وخاصة العاصمة طرابلس.
واعتبر حمزة، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن حوادث اختطاف أساتذة جامعة الزيتونة وسرت بدوافع سياسية أو على خلفية الهوية الاجتماعية والمواقف السياسية، مشيرا إلى أن أسلوب المليشيات ليس جديدا عليهم حيث اعتقال من يخالفهم في الرأي.مشيرا الى أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا مثل هذه الحوادث بشكل مستمر وموثق.
وشجب حمزة هذه الحوادث، معلنا دعمه للكشف عن مصير المختطفين وإطلاق سراحهم وعدم تكرار هذه الممارسات.وقال "إن عدد المختطفين منذ بداية الاشتباكات -في العاصمة طرابلس- في جميع المدن الليبية يتجاوز 120 مختطفا على أساس الهوية الاجتماعية والمواقف السياسية".وبالنسبة لأعداد المعتقلين والمحتجزين، فهي تفوق ألفي شخص في السجون ومؤسسات الإصلاح والتأهيل التابعة للمليشيات.
ومنذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي، تشن قوات الجيش الليبي عملية عسكرية في العاصمة الليبية طرابلس، بهدف تطهيرها من الميليشيات المتطرفة والمسلحين المتحالفين معها.وأشارت تقارير اعلامية الى أن عمليات الاختطاف تسارعت مستهدفة كل من تشك المليشيات المسلحة في تأييده الجيش الليبي.
وفي مايو الماضي،أعلن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبى، إن المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق اعتقلت تعسفيا وأخفت قسرًا مئات الأشخاص من مؤيدى القوات المسلحة الليبية فى طرابلس.وأفاد المركز فى بيان له أن مليشيات مصراتة ألقت القبض على نحو 180 شخصًا من مؤيدى الجيش الليبى وقامت باحتجازهم بإحدى المزارع الواقعة على طريق السدرة.
وأشار المركز الإعلامى التابع للجيش الليبى إلى أن المحتجزين جرى سجنهم داخل ما يعرف بـ "مزرعة المجدوب" والموجودة فيها غرفة عمليات لبعض مليشيات مصراتة، هذا إن لم يتم نقلهم لجهة أخرى، مؤكدا أن عمليات القبض والاحتجاز ليست الأولى من نوعها، حيث سبق اقتياد الكثيرين لمجرد الاشتباه بتأييدهم للقوات المسلحة الليبية.
ومنذ سنوات،يتعرض الليبيون في العاصمة الليبية طرابلس،في ظل سيطرة المليشيات المسلحة عليها، لشتى أنواع الجرائم من اعتقال تعسفي، خطف، قتل، احتجاز بدون محاكمة في ظل غياب حكومة قادرة على بسط سلطتها على مجموع تراب البلاد.ووفقا لتقارير دولية، فإن طرابلس وعلى مر السبع سنوات الأخيرة، شهدت عمليات ابتزاز للمسؤولين وإجبارهم على دفع المليارات للجماعات المسلحة، حتى لا يواجهوا خطر الاختطاف أو التهجير أو القتل.
ودفع تنامي الانتهاكات بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،للتعبير عن قلقها العميق إزاء تزايد حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والخطف والاختطاف والاختفاء في ليبيا.وبينت البعثة الأممية في تدوينه لها على صفحتها الرسمية في مايو الماضي؛ أن هذه الحالات التي تطال مسئولين وناشطين وصحفيين، تنذر بتدهور سيادة القانون في ليبيا.
ويتعرض كل من يخالف المليشيات للإختطاف أو الإعتقال التعسفي أو القتل دون رادع في ظل ضعف الحكومة وعجزها عن فرض سيطرتها.ووفق مراقبين فإن حوادث الاختطاف والاعتقالات التعسفية وسياسة تكميم الأفواه في ظل الانفلات الأمني التي تشهده العاصمة الليبية،باتت تؤكد على ضرورة تحريرها من قبضة الميليشيات المسلحة  التي مثلت كابوسا أرهق الليبيين طيلة سنوات والتي ساهمت في اطالة أمد الأزمة في البلاد.