بالرغم من المؤشرات الايجابية التي طغت على المشهد الليبي خلال الاسابيع القليلة الماضية وتواصل الاجتماعات والمشاورات بين الفرقاء برعاية أممية ودولية،والتي أوجدت بصيصا من الأمل حول إمكانية الذهاب نحو الحل السلمي والوصول الى تسوية سياسية في البلاد،فإن الأطماع التركية وتدخلاتها السافرة مازالت تنذر بخطر اجهاض الجهود المبذولة واعادة البلاد الى مربع الصراعات.
فعلى وقع انطلاق الجولة الرابعة من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة الليبية 5+5 في مقر الامم المتحدة في جنيف،توجه محمد الحداد رئيس أركان وزارة الدفاع بحكومة الوفاق إلى تركيا، الاثنين ،في زيارة غير معلنة،حيث التقى  بوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بحسب ما أوردت قناة "تي آر تي" التركية التي لم تذكر مزيدا من التفاصيل.


وتثير هذه الزيارة وتوقيتها شكوكا كثيرة حول الغاية منها خاصة وأنها تأتي في وقت عاد فيه الحديث عن استئناف تركيا لمخططاتها التخريبية في ليبيا.حيث كشف موقع إيطالي يرصد تحركات الطيران العسكري في المنطقة تعزيز تركيا لجسرها الجوي إلى مدينتي طرابلس ومصراتة، وإرسالها رحلات شحن لطائرات عسكرية عملاقة.
ورصد موقع "ايتاميل رادار"،صباح الأحد، طائرة الشحن العسكري لوكهيد "سي 130" التابعة لسلاح الجو التركي برمز 222 قادمة من قاعدة قيصري في قونيا التركية ومتجهة إلى غرب ليبيا.كما رصد الموقع نفسه، ذات الطائرة وقد أقلعت من قاعدة الوطية الجوية غرب ليبيا، واتخذت مسارًا متعرجًا من زوارة إلى طرابلس فجنوب طرابلس، مرجحا أنها تتوجه إلى مصراتة.
وتأتي هذه التحركات الجوية غداة تحذيرات أطلقها المرصد السوري لحقوق الإنسان حول تجهيز تركيا لنحو 600 مرتزق سوري للقتال في ليبيا، بذريعة العمل في شركات الحراسة في ليبيا.وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن إن تلك الدفعة الجديدة من المرتزقة تأتي بعد إعادة نحو 9300 مرتزق آخرين من ليبيا إلى الأراضي السورية، إثر رفضهم المشاركة في ساحات القتال بأذربيجان.
من جانبه، أكد الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، اللواء أحمد المسماري، إعداد تركيا، عبر ميليشياتها في طرابلس، لهجوم كبير على سرت.ونقلت صحيفة "البيان" الاماراتية عن المسماري قوله،الاثنين، إنه تم رصد خلال اليومين الماضيين، هبوط طائرات ضخمة محملة بالأسلحة الثقيلة، في مطار الوطية ومصراتة ومعيتيقة، وإدخال مرتزقة جدد مدربين في تركيا على تقنيات جديدة للأسلحة، بالتزامن مع زيارة مستشارين عسكريين لليبيا، لكنه أشار إلى أن الجيش سيكون لها بالمرصاد.
وما يزيد من خطورة الأمر أن التحركات التركية المشبوهة ترافقت مع تصريحات تصعيدية لقيادات قوات حكومة الوفاق والتي كان آخرها ما جاء على لسان محمد قنونو، الناطق باسم قوات الوفاق،بعد زيارة لكلية الدفاع الجوي بمدينة مصراتة،حيث قال إن "أيدينا على الزناد، وسنرد بقوة، وحزم، وسنضرب بؤر التمرد لتحرير كل شبر من ليبيا"، على حد تعبيره.
وكان وزير دفاع الوفاق صلاح الدين النمروش، أعلن في وقت سابق في تغريدات متتالية نشرها الحساب الرسمي لقوات "بركان الغضب" على موقع تويتر، أن لديه معلومات وردته من إدارة الاستخبارات العسكرية أعلمته فيها باحتمال قيام قوات الجيش الليبي بالهجوم على مدن بني وليد وترهونة وغريان.
وأشار النمروش إلى أن "التعليمات صدرت بالاستعداد التام وانتظار تعليمات القائد الأعلى (رئيس حكومة الوفاق فايز السراج) للتعامل بالرد على مصادر النيران في المكان والزمان المناسبين".وأكد أن "هناك وقف إطلاق نار حاليا برعاية المجتمع الدولي، لكن حفتر حاول أكثر من مرة اختراقه، … لن نتخلى عن سرت أو الجفرة أو أي شبر من ليبيا وماضون إلى إعادة السيطرة على التراب الليبي بالكامل". على حد تعبيره.


وعلى وقع هذه التصريحات التصعيدية والاتهامات طالب الجيش الليبي حكومة الوفاق بوضع حد لتسيب ميليشياته ووقف استفزازتها، والكف عن بث الإشاعات ونشر الأكاذيب حول اختراقات وهمية لوقف إطلاق النار من قبل الجيش.ونفى الجيش الوطني الليبي، صحة ما يتردد حول وجود مرتزقة داخل صفوفه، واستيلاء عناصر أجنبية على مبان ومدارس في مدينة هون.
جاء ذلك في بيان نشره المتحدث باسم الجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري،على صفحته في فيسبوك.وقال المسماري،"في الوقت الذي نبارك فيه أي تقارب بين الليبيين من أجل إنهاء الأزمة على كافة الصعد ونضع إمكانيات القيادة العامة تحت تصرف الشعب الليبي لإنجاح الحل الليبي – الليبي من أجل الاتفاق والتوافق على الحلول الناجحة المبنية على الثوابت الوطنية والنوايا الطيبة إلا أنه في ذات الوقت تعمل وسائل إعلام محسوبة على حكومة الوفاق على زعزعة الأوضاع".
وأضاف المسماري، "تمكنا من رصد تحشيد للميليشيات بالقرب من خط الفصل المحدد، وسبق ذلك عمليات استطلاع متقدمة للميليشيات".وأكد أن "القوات المسلحة الليبية كانت وما زالت ملتزمة بوقف إطلاق النار من أجل إنجاح العملية السياسية، وفي الوقت ذاته فإن قواتنا على أهبة الاستعداد وأتم الجهوزية للرد على أي استفزاز أو مغامرة تستهدف قواتنا ومواقعنا".
وأعلنت الأطراف الليبية،في أغسطس الماضي، عن وقف لاطلاق النار بعد اسابيع من التحشيدات المتبادلة تمهيدا لمعركة سرت.وبالرغم من أن وقف اطلاق النار مثل بداية لسلسلة من التطورات الايجابية في المشهد الليبي فان النظام التركي مازال مصرا على المضي قدما في مخططاته للاستيلاء على مدينة سرت واجهاض جهود التسوية مدفوعا بأطماعه في الثروات النفطية.
ويسعى أردوغان للسيطرة على مدينة سرت كونها مفتاح السيطرة على منطقة "الهلال النفطي" في ليبيا ، والتي تساهم بنسبة 60٪ من صادرات النفط الليبية.ومدينة سرت التي لديها حقول نفط مهمة ومرافق تحميل الناقلات،ذات أهمية عسكرية أيضًا،كونها مدينة حامية تسمح بالسيطرة على الساحل الليبي بين طرابلس إلى الغرب وبنغازي من الشرق.أما الجفرة،فتحتوى على قاعدة جوية تسمح بالسيطرة على المجال الجوي الليبي بأكمله،بالإضافة إلى كونها طريقًا رئيسيًا يربط جنوب البلاد بالساحل.وخلاصة القول ، إن السيطرة على الجفرة يعني السيطرة على كل ليبيا.
وتصاعدت في الفترة الأخيرة التحركات السياسية على أكثر من جبهة في محاولة لحلحلة الازمة الليبية،حيث عقد الفرقاء الليبيون خلال الأسابيع الماضية سلسلة اجتماعات في مونترو السويسرية وأخرى في بوزنيقة المغربية، واجتماعات أمنية وعسكرية وأيضا دستورية استضافتها مصر، وذلك في الوقت الذي تستعد فيه الأمم المتحدة لإطلاق حوار ليبي في تونس مطلع نوفمبر المقبل.
وتشير هذه التطورات الى أن التوافق بين الأطراف المتنازعة في ليبيا يمكن أن يكون قريبا في ظل المؤشرات الايجابية المتتالية والتصريحات المتفائلة.لكن هذا التفاؤل لا يخفي حجم المخاوف والشكوك التي مازالت تخيم على المشهد الليبي في ظل استمرار الوجود التركي في غرب البلاد والذي يمثل عائقا حقيقيا أمام ارساء الامن والاستقرار في ليبيا.