بعد توجه الليبيين إلى صناديق الاقتراع في 25 يونيو الماضي من أجل انتخاب برلمان للمرة الثانية منذ سقوط الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي في عام 2011، يمكن أن يغفر المرء لكل من اعتقد بأن الليبيين تخلوا عن حبهم للديمقراطية. وبالمقارنة مع الاحتفالات بالأصابع المرفوعة المخضبة بالحبر التي اتسمت بها الانتخابات الأولى منذ سنتين، فإن المزاج هذه المرة كان كئيباً. فقط 1.5 مليون شخص بين 6 ملايين سجلوا أصواتهم للتصويت، مقارنة مع 2.8 مليون في عام 2012، ولم يتعد إجمالي الإقبال 630 ألف نسمة، وفقاً للمسؤولين.

وأخذاً في الاعتبار اتساع الغضب ضد المؤتمر الوطني، فإن نقص الاهتمام بالتصويت كان ملفتاً للنظر. وبعد ثلاث سنوات على الإطاحة بدكتاتورهم، فإن عدداً كبيراً من الليبيين اصبحوا متهكمين وساخرين بالديمقراطية، لاعتقادهم أن السلطة الفعلية مناطة ليس بمؤسسات الدولة الوليدة، ولكن بخليط من الميليشيات التي ظهرت خلال الانتفاضة عام 2011 وفي أعقابها. وعدد كبير من تلك الميليشيات شبك مع السياسيين والمجرمين، وقد ترك انعدام الأمن الناس العاديين في شعور من الخوف والعجز.

"الديمقراطية فكرة جميلة لكن الأمن أكثر أهمية بالنسبة لنا من الديمقراطية". هكذا قال مقيم في بنغازي يدعم اللواء السابق في الجيش خليفة حفتر الذي أعلن أخيراً عن حربه الخاصة على الميليشيات الإسلامية في شرق ليبيا وعلى السياسيين الذين يتهمهم بدعمها، وقد احتشد العديد من وحدات الجيش والميليشيات من أجل قضيته أخيراً. وأعمال العنف التي تلت ذلك كانت من بين الأسوأ التي عاشتها ليبيا منذ عام 2011.

 

تركيبة جديدة

ومن الصعب التنبؤ بتركيبة البرلمان الجديد وسمته الأيديولوجية لأن كل المقاعد تم التنافس عليها بشكل فردي، فيما تم تخصيص 80 مقعداً من أصل 200 في البرلمان السابق لأحزاب تتنافس بناء على لوائح وطنية. وقد فاز تحالف القوى الوطنية ذو الميول الليبرالية بمعظمها عام 2012، متقدماً على حزب العدالة والبناء المرتبط بالإخوان المسلمين. لكن جماعة الإخوان أثبتت أنها أفضل في عقد التحالفات مع المستقلين، وكان التكتل الذي يقوده الإسلاميون الأقوى في المؤتمر.

لكن يقول البعض إن البرلمان الجديد ستكون له صبغة أكثر قبلية. ومهما كانت تركيبته، سيواجه البرلمان تحديات شاقة. فقد كلف حصار الميليشيات على مدى سنة للمرافق النفطية للبلاد 30 مليار دولار من العائدات. والقرار المتخذ في وقت سابق من هذه السنة بتحديد موقع الهيئة المنتخبة حديثاً في بنغازي معناه أن البرلمان سيكون في وسط "حرب حفتر على الإرهاب"، من دون أية ضمانات بأن الأمن سيكون في حال أفضل مما كان عليه في طرابلس، حيث ستبقى الوزارات ومجلس الوزراء في مكانهما. ومن غير الواضح، في كل الأحوال، ما إذا كان سماسرة السلطة المسلحون الكثر في ليبيا سوف يقبلون بنتائج الانتخابات.

 

- البيان