من الكوارث الإنسانية عبر التاريخ البشرى أن يكون «لون البشرة» أو الجلد سبباً فى الكراهية والعنصرية التى تحاصر صاحبها، وقد عانت الشعوب الأفريقية قديماً من المستعمر الأبيض وسياسة الفصل العنصرى، غير أن الموازين انقلبت بعد أن تحرر الأفارقة من سياسة الاستعباد الاستعمارى.

وأصبح الأفارقة الآن يتعاملون بالعنصرية والكراهية مع فئات خاصة من أصحاب البشرة البيضاء المشربة بالحمرة، هؤلاء الذين يولدون داخل العائلات الأفريقية نفسها وهم يعانون من المهق أو ما يطلق عليه أفريقياً «الألبينو»، ويعرف فى لغتنا بـ «عدو الشمس»، إذ يواجه هؤلاء حياة صعبة، خصوصاً في تنزانيا حيث يتعرضون للاضطهاد والتعذيب والقتل والخطف، بسبب معتقدات خرافية تقول إن أعضاء هؤلاء الأشخاص لها قوة سحرية يمكن استخدامها لتجلب الثروة والصحة والسعادة، وتعالج الأمراض القاتلة كمرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز».
ويعرف المهق بأنه حالة وراثية ناتجة عن غياب جين الصبغة في الأعين والجلد والشعر، ولا يتمكن جسم الأمهق من صنع الكميات الطبيعية من صبغة تدعى «ميلانين»، التي تساعد على حماية الجلد من الأشعة فوق البنفسجية، لذا لا يمكن للأمهق أن يتعرض للشمس أو الضوء كثيراً لأن ذلك يتسبب فى إصابته بأضرار  الحساسية في البصر والجلد.

ووفقاً لأحدث تقارير الأمم المتحدة يتعرض سنوياً أكثر من 72 طفلاً أمهق للقتل في تنزانيا، ويغادر «المهق» في تنزانيا يومياً قراهم خوفاً من الاضطهاد، وينتقلون للعيش في المناطق الحضرية التي يعتقدون أنها أكثر أمناً، وتشير البيانات الأخيرة أن إلي تنزانيا تضم قرابة 170 ألف شخص من الألبينو وهي نسبة كبيرة، وتزداد تدريجياً بسبب العنصرية الذي يتعرض له هؤلاء الأشخاص، مما يدفعهم من الزواج من بعضهم البعض لإنجاب المزيد من أطفال مهق.
ووفقاً لتقرير مترجم عن "ايرو انيوز" ونشرته «الإمارات اليوم» تسود معتقدات يتعرض الأطفال المهق للقتل من قبل رجال العصابات في مملكة سوازيلاند وبعض الدول
الافريقية المجاورة، بسبب الاعتقاد السائد بأن اعضاء هؤلاء الاطفال لها قوة سحرية وطبية عندما يستخدمها الاطباء السحرة، ويعتقد البعض ان خليطاً مكوناً من هذه
الأعضاء يجلب الحظ الجيد، كما يعتقد الآخرون أنه يجلب أي شيء من القوة السياسية إلى علاج مرض نقص المناعة المكتسبة (ايدز).

وتباع أعضاء الطفل الأمهق في السوق السوداء المحلية نظير عشرات الآلاف من الدولارات.

ولهذا السبب تستهدفهم العصابات عبر شرق إفريقيا خصوصاً في بروندي وتنزانيا، حيث حكمت محكمة قبل ثلاثة اشهر بالإعدام على رجل قتل فتاة مهقاء تبلغ خمس
سنوات من العمر. ويخشى موظفو الرعاية الاجتماعية انه بعد تضييق الخناق على عصابات قتل الاطفال المهق في تلك البلاد ان تتجه هذه العصابات جنوباً لبلاد افريقية أخرى.

وقدر أحد ضباط الشرطة التنزانيين أن أعضاء الطفل الأمهق كاملة بما في ذلك أطرافه الاربع وأعضاؤه التناسلية وأذناه وانفه ولسانه يقدر سعرها بنحو 75 ألف دولار.

وفي اغسطس الماضي اعتقلت الشرطة التنزانية رجلا كينيا يبلغ من العمر 28 عاماً بالقرب من مدينة موانزا، لمحاولته بيع رجل امهق يبلغ 20 عاماً بمبلغ 250 ألف دولار.

وعلى الرغم من ان الحكومات في هذه الدول نظمت برامج توعية بمرض الايدز، فإن الكثير من المرضى لايزالون يؤمنون بالخرافات، ولهذا السبب فإن العلاج بأعضاء الاطفال أصبح أمراً معتاداً في تلك البلاد، كما ازداد معدل اغتصاب الأطفال نظراً للاعتقاد بأن ممارسة الجنس مع الفتيات العذراوات يطهر جسم المصاب من الايدز.

ووفقاً لبعض التقارير فإن واحدا من بين كل اربعة مواطنين سوازيين تراوح أعمارهم بين 15 و49 عاماً مصاب بالايدز، وهي النسبة الاعلى في العالم وسط سكان يبلغ تعدادهم مليون نسمة، ثلثاهم يعيش في فقر مدقع.

وفي اغسطس الماضي أطلقت مجموعة ملثمة النار على الفتاة بانيلي نيكسومالو البالغة من العمر 11 عاماً امام 20 من الرجال والنساء، وحملت العصابة جثمانها بعيداً بالقرب من نهر سيغودوما في إقليم شسويليني بجنوب سوازيلاند، وتم اكتشاف جسدها المقطع بعد ساعات قليلة من الحادث. ويأتي هذا الحادث بعد أيام قليلة من اكتشاف جسد طفل امهق في العمر بنفسه بالاقليم ذاته.

ولهذا السبب تعمل الشرطة في مملكة سوازيلاند على إقامة سجل وطني للأطفال المهق لتوفير الحماية لهم بعد القتل المأساوي الذي تعرضت له طفلة من هذا النوع تبلغ من
العمر 11 عاماً.

وتعتقد وسائل إعلام أوروبية ان قتل الاطفال المهق، واستخدام اعضائهم في العلاج في بعض البلدان الافريقية لم يبدأ الا في العقد الماضي. وعلى الرغم من عدم وجود تقارير تشير الى معاقبة عصابات القتل فإن محاكم تنزانيا أصدرت حتى الآن أحكاماً بالإعدام على سبعة أشخاص على خلفية قتل الأطفال المهق.

وبحسب هذه الخرافات والمعتقدات البدائية يأتي الإقبال على أعضاء هؤلاء الاطفال لاستخدامها كخلطات سحرية لجلب الحظ والمال وعلاج الأمراض المستعصية وتقوية القدرات الجنسية، والأغرب من ذلك يقوم بعض عمال المناجم غير القانونيين بشراء أعضاء الأطفال المهق من العصابات بآلاف الدولارات، لمساعدتهم في تنقيبهم عن الذهب والأحجار الكريمة، فيما يعتقد الصيادون أن ربط أطراف جسم الأطفال المهق في شباكهم يمكنهم من الحصول على صيد وفير، كما تتعرض الفتيات للاغتصاب نظراً للاعتقاد بأن ممارسة الجنس مع الفتيات العذراوات يطهر جسم المصاب من الإيدز، بالإضافة إلى هذا الاضطهاد الذي يتعرض إليه المهق في تنزانيا تطاردهم النظرة السلبية لدى الأهل والأصدقاء، حيث يُنسب إليهم أسباب فقر وبؤس أهاليهم وقبائلهم يتشاءمون منهم، ويؤكد السحرة الذين يقومون بدور الأطباء في أفريقيا أن «المهق لعنة، وبأن المصاب به شيطان وليس بشراً».
وتنشط عصابات ومافيات منظمة بين تنزانيا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية للمتاجرة بأعضاء المهق، وتوظيف قتلة مأجورين يقومون باختطاف وقتل الأطفال المهق وتقطيع أطرافهم وسلخ جلودهم لبيعها في السوق السوداء المحلية نظير عشرات الآلاف من الدولارات، ووفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر، فإن أسعار جثث الذين يعانون من هذا المرض تصل أحياناً إلى 75 ألف دولار، وهو رقم مغرٍ يشجع الكثيرين على ارتكاب جريمة قتلهم لدرجة أن بعض الآباء يقدمون على قتل أبنائهم المصابين بهذا المرض طمعاً في الحصول على مبالغ طائلة من وراء بيع جثثهم لمن يعتقدون في مثل هذه الخرافات.
تقول إحدى «المهق»: إنها لا تشعر بالأمان إلا مع زوجها وأطفالها، ففي أي مكان آخر يبدأ الناس بالتحديق بها ويتحدثون عنها قائلين إن ساقيها ويديها قادرتان على استخراج كنوز تنزانيا ومثل هذه الكلمات تصيبها بالرعب، ويكشف ألفريد كابول عضو الجمعية التنزانية لحماية المهق إن الطرق لكسب المال في هذه المناطق محدودة جداً.. فهي محصورة إما بصيد الأسماك أو البحث عن الماس أو حتى إحضار أعضاء من أجسام المهق إلى أحد السحرة، ويضيف أن العديد من رجال الأعمال يذهبون لرؤية هؤلاء السحرة، ويطلبون منهم عضواً من أعضاء المهق لتحضير حساء سحري يعطيهم القوة.. هنا يتم توظيف قتلة مأجورين يقومون بإحضار يد أو رجل أو الأعضاء التناسلية أو حتى شعر المهق مقابل عدة آلاف من الدولارات.
ألفريد كابول يعاني من مرض المهق هو الآخر. يبلغ من العمر سبعة وأربعين عاماً يقول إنه يعيش حالة خوف مستمرة. فهو يعرف تماماً أنه مرصود من قبل القتلة، وأصبح يقظاً بشكل مستمر.. وما إن يسمع بمقتل أمهق يذهب مباشرة لرؤيته ويشعر بأنه سوف يكون التالي، وتحاول الحكومة التنزانية دعم منظمات غير حكومية، لتوعية الناس كما تقوم السلطات بتوقيف ومعاقبة المجرمين الذين يتم القبض عليهم وبحوزتهم جزء من أجسام أحد الأطفال.. ولكن المشكلة تبدو أكبر من ذلك.. فقد تحولت هذه الظاهرة إلى جريمة منظمة باتت تشكل خطراً قومياً حقيقياً.