أعربت مراسلون بلا حدود عن قلقها الشديد جراء أصعب أزمة سياسية وعسكرية تجتازها ليبيا منذ ثورة 17 فبراير 2011 وسقوط نظام القذافي، حيث يتواصل استهداف المؤسسات الإعلامية وتستمر الهجمات عليها وسط أجواء الفوضى  العارمة

كان مطار طرابلس الدولي تحت سيطرة ميلشيات الزنتان منذ اندلاع الثورة، وسقط أخيرا في أيدي قوات ميلشيات مصراتة وحلفائها خلال عملية “فجر ليبيا” التي انطلقت منذ 13 يوليو/تموز المنصرم

وبينما تزداد الأوضاع تعقيدا في البلاد وتواجه السلطات الليبية صعوبات في انتزاع شرعية حقيقية أمام الميلشيات والجماعات المسلحة المتسببة في غياب الاستقرار، تجد المؤسسات الإعلامية الليبية نفسها ضحية هذه الفوضى السياسية والعسكرية، فيتم الهجوم على بعضها تارة واستغلال بعضها تارة أخرى

وتدين مراسلون بلا حدود بشدة استغلال وسائل الإعلام، خصوصا إذا كان الهدف من ذلك هو إثارة الفتن أو الدعاية. وتذكر المنظمة في هذا الصدد بضرورة التحلي بأقصى درجات الاستقلالية والحياد والمهنية خلال كل تغطية إعلامية، ولاسيما إبان الأزمات السياسية والعسكرية، حيث يكون دور وسائل الإعلام وهدفها الإخباري مصيريا وحاسما

وصرحت المديرة المساعدة المكلفة بالأبحاث لدى مراسلون بلا حدود، فيرجيني دانجيلز: “من غير المعقول ومن المؤسف أن نرى في ليبيا ما بعد الثورة أوضاعا مماثلة وأن يتم انتهاك المبادئ التي ناضل من أجلها الشعب الليبي قبل 3 سنوات، وعلى رأسها مبدأ حرية الإعلام. لقد تراجعت الآمال تدريجيا، ونعيش في الوقت الراهن صفحة قاتمة جديدة في تاريخ هذا البلد. حيث تتم ملاحقة الإعلاميين ويتعرضون للاعتداءات وللقتل أيضا، بينما تعاني وسائل الإعلام من هجمات متواصلة أو يتم استغلالها والتحكم فيها مما يساهم في نشر المعلومات المغرضة”

وسائل الإعلام بين مطرقة الهجمات وسندان الاستيلاء والاستغلال

ليلة 25 أغسطس/آب المنصرم، قام رتل من السيارات التابعة لعناصر الميلشيات المشاركة في عملية “فجر ليبيا” بمحاصرة مقر قناة الدولية الفضائية الخاصة الواقع جنوب غرب العاصمة حسب أقوال أحد مسؤولي القناة. وقد هاجمت عناصر الميلشيات المكاتب، وسَطَت على المعدات والوثائق التي كانت موجودة فيها، ثم قامت بنهبها. وكان مقر القناة لحسن الحظ خاليا من الموظفين أثناء الهجوم، باستثناء واحد من الحراس، وقام هذا الأخير بإشعار مسؤولي القناة بحدوث الهجوم المسلح. هذا ونُشر شريط فيديو لم يتسن التحقق من صحته على صفحة قناة الدولية على الفايسبوك، ويظهر فيه رجال مسلحون أمام استوديوهات القناة المخربة وبالقرب منهم سيارة كتبت عليها جملة “فجر ليبيا”. ووصف الشخص الذي قام بتصوير الفيديو الدولية بقناة “الفساد والعار والظلال”، بينما وصف المهاجمين “بالأبطال الشجعان والأشاوس”

وتعرضت القناة في وقت سابق للتهديد، وينطبق الأمر ذاته على مجموعة من العاملين فيها، حيث يشرف على مجلس إدارتها كل من محمود جبريل، الرئيس السابق للمجلس الوطني الانتقالي الليبي ورئيس حزب تحالف القوى الوطنية الليبرالي، وعبد المجيد مليقطة، أحد قياديي الحزب وأخ عثمان مليقطة قائد ميلشيا القعقاع التابعة للزنتان

ووقع الهجوم الذي شنته القوات المشاركة في عملية “فجر ليبيا” أياما قليلة بعد إطلاق سراح منتجين بالقناة تعرضا للاختطاف عشية 17 أغسطس/آب الجاري. إذ تم توقيف أسامة راشد ومحمد السعدي في إحدى نقاط التفتيش على يد كتيبة “شهداء جنزور بحي جنزور الواقع شرق العاصمة. وقام أعضاء الميلشيا بضربهما وشتمهما لما علموا أنهما يعملان في قناة ليبيا الدولية، وقاموا بعد ذلك باحتجازهما. وتسنى إطلاق سراح الرهينتين حسب أسامة راشد بعد تدخل ناظم الطياري مدير مجلس إدارة قناة الرسمية العمومية وأحد مقدمي البرامج فيها. حيث أذن هذا الأخير بتحرير المحتجزين لأنهما لا يعتبران مسؤولان عن خط القناة التحريري القريب من الحركات السياسية الليبرالية المعارضة للإسلاميين. وقد بقي الصحفيان 5 أيام رهن الاعتقال، وكانا عرضة لأعمال عنف ولسوء المعاملة قبل إطلاق سراحهما

وتعرض مقر قناة العاصمة الفضائية الخاصة للهجوم من جديد في 24 أغسطس/آب المنصرم، وحدث ذلك ساعات قليلة قبل هجوم القوات المشاركة في عملية “فجر ليبيا” الأخير على مطار طرابلس. حيث اقتحم رجال مسلحون على الساعة الرابعة صباحا مقر القناة، وقاموا بنهب المعدات والوثائق وتخريبها، وأضرموا النار في صالة المراقبة. ولم يتعرض أي من العاملين في القناة للإصابة جراء هذا الهجوم، لكنها توقفت عن البث منذ ذلك الحين. واشتهرت هذه القناة الخاصة، التي يشرف على إدارتها جمعة الأسطى، بكونها موالية لحزب تحالف القوى الوطنية ورئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق، محمود جبريل، وتعرضت لهجومات متكررة منذ سنتين تقريبا

وقامت وزارة الإعلام الليبية يوم 20 أغسطس/آب الأخير بإصدار قرار توقيف بث قناتي الوطنية والرسمية العموميتين. حيث طالبت الحكومة الانتقالية شركة نايل سات المصرية بتوقيف بث القناتين
وتم اتخاذ هذا القرار بعد الاستيلاء على قناة الوطنية التي تسيرها الحكومة الليبية بتاريخ 4 أغسطس/آب المنصرم على يد عناصر تابعة للقيادي الإسلامي عبد الرؤوف كارة. ويتحالف هذا الأخير مع مصراتة خلال الاشتباكات التي تمزق العاصمة منذ شهرين تقريبا، وأمر بالامتناع عن بث حفل تنصيب البرلمان الليبي الجديد بمدينة طبرق الواقعة في أقصى شرق البلاد. ولا زالت القناة خاضعة لسيطرة كارة وميلشياته منذ ذلك الحين، بما في ذلك “قوات الردع” وكتيبة النواصي، ويتم استعمالها في الدعاية

ويعتقد حسب مجموعة من المصادر أنه يتم اقتياد عدد من الصحفيين المعتقلين والمختطفين إلى أحد السجون السرية التي يقوم بتسييرها كارة في طرابلس

أما بخصوص قناة الرسمية، وهي للإشارة قناة البرلمان الليبي الرسمية، فقد رفض مجلس إدارتها الذي يترأسه ناظم الطياري تغطية جلسات البرلمان الجديد المنتخب في 25 يونيو/حزيران المنصرم على اعتباره غير شرعي، وخُرقت بذلك مبادئ القناة المؤسساتية. واكتفت القناة منذ ذلك الحين بتغطية تطورات عملية “فجر ليبيا”، وأضحت وسيلة إعلامية غير شرعية وغير محايدة. وقام 21 صحفيا حسب مقدم الأخبار أحمد بن عاشور بتقديم استقالتهم من القناة أياما قليلة بعد تعليق البث بالذبذبات الفضائية بسبب “دعمها الواضح للمتطرفين والميلشيات المسلحة”

ورغم قرار الحظر الذي اتخذته الحكومة الليبية، عادت القناتان للبث بسرعة عبر استعمال الذبذبات الفضائية الخاصة بقناة ليبيا الأطفال

وتدعو المنظمة مجموع المتدخلين في الاشتباكات المسلحة إلى التوقف الفوري عن الهجمات ضد مهنيي الإعلام العاملين في ليبيا، وتحثهم على احترام مبدأي الاستقلالية والحياد اللذين يتعين على وسائل الإعلام التحلي بهما واحترام دورهم الإخباري الأساسي وصفتهم كسلطة مضادةوتدعو مراسلون بلا حدود السلطات الليبية إلى تسخير كل الموارد الضرورية من أجل احتواء الهجمات ضد نشطاء الإعلام ومقراتهم وضمان أمن الصحفيين الليبيين والأجانب

عن موقع مراسلون بلا حدود