تعتبر مدينة مرزق من أقدم مدن الجنوب الليبي وأعرقها،  يعود تاريخها إلى عهد الفراعنة المصريين،  وقد أقيمت حولها الكثير من الحضارات التي بقيت آثارها شاهدة عليها حتى اليوم.

وتقع  مرزق   في أقصى جنوب ليبيا على خط العرض 25 وخط الطول 13،  وتعتمد اقتصاديا على الزراعة وتشتهر بالتمور والأعمال اليدوية من النخيل،  ويبلغ عدد سكانها حوالي 12 ألف نسمة.

وتعرضت المدينة خلال الفترة الأخيرة لفوضى عارمة من جانب عصابات إجرامية وجماعات إرهابية استوطنتها حتى حررها الجيش الوطني الليبي مؤخرا.

وكانت مدينة مرزق شأنها شأن بقية مدن الجنوب الليبي،  تعاني من غياب الأمن والتهميش وانعدام الخدمات الأساسية،  وهي العوامل التي خلقت تربة خصبة لنمو وانتشار الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية والجماعات الأجنبية المسلحة في الجنوب الليبي،  لتتفاقم معاناة وأوجاع سكان المدينة التاريخية.

حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي،  اللواء أحمد المسماري،  الجمعة 16 أغسطس 2019،  السيطرة على مدينة مرزق،  وذلك بعد مواجهات عنيفة مع المرتزقة من المعارضة التشادية،  وعناصر من تنظيم داعش الإرهابي.


وقال المسماري،  خلال مؤتمر صحفي: إن القوات المسلحة استهدفت مطار زوارة الدولي على بعد 120 كلم غرب العاصمة طرابلس،  والذي يستخدم لإقلاع الطائرات التركية المسيرة،  كما قصفت قاعدة معيتيقة العسكرية الجوية جنوب العاصمة،  مضيفًا أن القوات تحاصر بقايا من فلول المرتزقة في مرزق،  ومقاتلات سلاح الجو دمرت رتلاً للمعارضة التشادية جنوب المدينة.

كما أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط (أوتشا) في بيان الخميس 15 أغسطس 2019،  مقتل 90 مدنيًّا،  وإصابة أكثر من 200 شخص جراء أعمال العنف في مدينة مرزق جنوب غرب ليبيا.

وأضاف المكتب أن أعمال العنف في مرزق تسببت أيضًا في نزوح ألف و285 أسرة داخل مرزق،  وإلى المناطق المجاورة،  كما أدت المواجهات إلى انقطاع الكهرباء ووسائل الاتصالات في المنطقة الواقعة جنوب غرب ليبيا.


** تحالف العصابات التشادية مع التنظيمات الإرهابية: 

مسلسل معاناة مدينة مرزق لم يتوقف منذ وقت ليس بقصير من الهجمات المتكررة من قبل مجموعات مسلحة مختلفة الانتماءات،  من بينها مجموعات تابعة للمعارضة التشادية،  وأخرى يرجح تبعيتها لشورى بنغازي وغيرها.

في هذا السياق، أكد المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي أحمد المسماري،  في مؤتمر صحافي، أن المنطقة العسكرية بمرزق في جنوب البلاد،  تخضع لاستطلاع جوي دائم،  لمنع عودة العناصر التشادية والمجموعات الموالية لتنظيم داعش الإرهابي من العودة.

وقال المسماري،  إن " تنظيم داعش لايزال ناشطاً في محيط مرزق والمنطقة المحاذية لها مستفيداً من تضاريس المنطقة،  والقوات المسلحة الليبية لن تهدأ حتى تحرير مدينة مرزق وتطهيرها من الإرهاب بالكامل"،  لافتا إلى أن عمليات الاستطلاع الجوي تشمل أيضاً مدين سبها،  وهون،  والعاصمة طرابلس.


وحملت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الليبي،  حكومة الوفاق والمجموعات المسلحة التي تتبعها،  مسؤولية التصعيد الأخير في مدينة مرزق.

واعتبرت اللجنة،  في بيان لها "التصرفات غير المسؤولة لحكومة الوفاق ومن ذلك استعانتها بمجموعات مسلحة من خارج ليبيا أفعالًا تهدد النسيج الاجتماعي في مدينة مرزق وتنذر بانفجار الأوضاع في الجنوب بصفة عامة".

ودعا البيان بعثة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي "لاتخاذ موقف عاجل   وحازم من هذا الأمر،  وإلى تحمل مسؤولياتهم تجاه حماية ثروات الشعب الليبي".

وأشار البيان إلى "سعي الحكومة المؤقتة المستمر للتعاون مع دول الجوار وخاصة الطوق الجنوبي من أجل تأمين وإعادة الاستقرار للمنطقة وسكانها".

كما دعا،  أعيان ومشايخ قبائل الجنوب دون استثناء،  وبشكل عاجل،  إلى "نبذ الخلافات وتغليب المصلحة الوطنية والوقوف صفًا واحدًا ضد الأجندات الخارجية التي تهدد استقرار ووحدة البلاد".

وكان الجيش الليبي قد أرسل وحدات عسكرية قتالية في الحادي عشر من هذا الشهر لتطهير مدينة مرزق من المرتزقة التشاديين وسط استقبال كبير من أهالي المدينة. كما نفذ سلاح الجو غارات عدة مستهدفا مجموعات مسلحة تعرف بـ"قوة حماية الجنوب" والمرتزقة التشاديين.

وبحسب المركز الإعلامي للجيش الليبي،  فإن عناصر تنظيم داعش وشورى بنغازي والقاعدة وعصابات المرتزقة التشاديين الذين يشاركون في الاعتداء على مدينة مرزق هربوا فور وصول وحدات من القوات المسلحة إلى المدينة لتأمينها.

وتأتي هذه الإعتداءات التي ترتكبها مليشيات المرتزقة التشاديين التي يقودها حسن موسى المطلوب  في إطار التحالف مع الجماعات الإرهابية المحاصرة في طرابلس.

وبدأ مرتزقة تشاديون الانتشار داخل ليبيا منذ فبراير/شباط 2011،  مستغلين الفراغ الأمني في الجنوب بالتحالف مع التنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم القاعدة.



** كارثة إنسانية في المدينة: 


وخلفت هذه الأزمة في مدينة مرزق كارثة إنسانية حيث قالت المنظمة الدولية للصليب الأحمر،  إن أكثر من 4000 عائلة،  أُجبرت على النزوح من مدينة مرزق الواقعة بأقصى الجنوب الليبي،  إلى المناطق المجاورة،  جراء الاشتباكات في المنطقة.

وأوضحت المنظمة  مساء الثلاثاء،  أن فريقها في مدينة سبها قام بتقييم الاحتياجات،  ومساعدة النازحين في المنطقة.

وأشارت إلى أن ثلثي العائلات النازحة في 6 مدن،  تسلمت طرودا غذائية تكفي لمدة شهر،  في حين استلمت 250 أسرة أدوات منزلية أساسية.

من جانبهم، أصدر عدد من نازحي مدينة مرزق في سبها بيانا طالبوا فيه قوات الجيش الوطني بالتدخل والسيطرة على المدينة وإعادتهم إلى ديارهم.

ونفى البيان الذي صدر  الأحد،  ما تردد في وسائل الإعلام عن عودة العائلات إلى مرزق،  واصفين ذلك بأنه "كلام عارٍ عن الصحة".

وطالب البيان المنظمات والمؤسسات الدولية والإنسانية بتقديم الإغاثة والمساعدات اللازمة للأسر المهجرة من مدينة مرزق.


في وقت سابق، أعلنت لجنة المصالحة بين المكونات الاجتماعية في مدينة مرزق ،  تقديم "مبادرة اجتماعية وطنية تهدف إلى رأب الصدع وإرساء دعائم السلم الاجتماعي والتعايش السلمي" بالمدينة التي تصاعدت فيها أعمال العنيف منذ مطلع الشهر الجاري،  وخلفت عشرات القتلى والجرحى وتسببت في نزوح المئات.

وتضم لجنة المصالحة بين مكونات مرزق أعيان من منطقة الساحل والجبل بالمنطقة الغربية والمنطقة الوسطى،  وأعيان الطوارق من أوباري ووادي عتبة،  وأعيان وادي الحياة جنوب غرب ليبيا.

ويرى مراقبون أنه الصراع المسلّح المحتدم في مرزق الذي خلّف كارثة إنسانية لا يمكن أن يدفع نحو مصالحة وطنية شاملة توقف نزيف الفوضى الذي يعصف بالبلاد منذ سنة 2011 خاصة و أن بعض أطراف الصراع تعتمد سياسة الأرض المحروقة إذ بلغ التصعيد إلى حد الإعتماد على مجموعات مسلحة أجنبية للإستقواء بها في الصراع الليبي الليبي.