يعتبر خطف أكثر من 200 فتاة من مدرسة ثانوية في تشيبوك في شمال شرق ولاية بورنو النيجيرية في شهر أبريل الماضي على أيدي مسلحين من جماعة بوكو حرام، والحملة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق ولكنها فشلت حتى الآن في تحريرهم، مثالاً على أزمة التعليم القائمة على انعدام الأمن في تلك المنطقة. 

تم إغلاق جميع المدارس الحكومية في ولاية بورنو، وهي إحدى الولايات الثلاث الأكثر تضرراً من العنف في شمال شرق البلاد، منذ شهر مارس الماضي. وتكمن المأساة في أنه، وفقاً للمسح الوطني للأمية في عام 2010، كانت بورنو تعاني بالفعل من سادس أسوأ معدل إلمام بالقراءة والكتابة للشباب بأي لغة في الـ36 ولاية التي تتكون منها نيجيريا. ويرجع الفضل في أي تعليم رسمي موجود حالياً في بورنو إلى عدد قليل من المدارس الخاصة التي أبقت أبوابها مفتوحة. 

وإحدى هذه المدارس هي مدرسة للأيتام والأطفال المعرضين للخطر في مايدوغوري، حيث توفر التعليم الابتدائي مجاناً. وما يميز مؤسسة جهابذة المستقبل الإسلامية عن غيرها من المدارس هو السياسة المتعمدة من قبل مؤسسها، زنه مصطفى، لرعاية أطفال الأسر على جانبي الصراع - بوكو حرام وقوات الأمن. 

"إننا نحاول تجنب كارثة،" كما قال مصطفى، وهو محام لعب دوراً في جهود الوساطة الفاشلة بين الحكومة وبوكو حرام. وأضاف قائلاً: "إننا نريد أن يصبح طرفا النزاع أصدقاء، بدلاً من وضع 'أنت قتلت والدي ووالدتي ويجب أن أنتقم منك'. كلا، يجب أن يتعلموا معاً. ونحن نوفر لهم هذا الأمن".

وتوفر المدرسة التي تتكون من 7 فصول دراسية منهجاً مختلطاً يجمع بين التعليم الإسلامي، والمنهج القياسي المعتمد من قبل مجلس التعليم بالولاية، ويتم تدريسه باللغة الإنجليزية. وعلى الرغم من أن بوكو حرام تشتهر برفضها للتعليم "الغربي"، وبعض أولياء الأمور (الكثير منهم أرامل) يعترضون على ما يعتبرونه دروس "الوثنية"، فقد تمكنت المدرسة من التصدي لتلك المعتقدات. 

وأوضح مصطفى أن "اللغة الإنجليزية هي مجرد لغة، وكثير من أفراد الشعب البريطاني مسلمون أيضاً. وكيف تكون الرياضيات غربية؟ لقد اخترعها العرب". 

وتجدر الإشارة إلى أن الصراع المستمر منذ خمسة أعوام تفاقم من جراء المؤشرات الاجتماعية السيئة تاريخياً في شمال شرق البلاد، إذ يعاني أكثر من 42 بالمائة من الأطفال من التقزم الناجم عن سوء التغذية (مقارنة بـ 16 بالمائة فقط في الجنوب الشرقي)، وفقاً للمسح الديموغرافي والصحي الحكومي لعام 2013. كما أدى الاختلال العميق في الاقتصاد المحلي بسبب العنف إلى تدهور الوضع وارتفاع الأسعار وتقلص فرص العمل. 

وكانت استجابة المدرسة هي توفير برنامج التغذية المكون من وجبة إفطار لطلابها البالغ عددهم 420 طفلاً. "إنها تتكون من الأرز والفاصوليا أو موي موي [طعام اسفنجي مصنوع أساساً من الفول]، وهو طعام يمكن أن يملأ المعدة لبعض الوقت. فمن المستحيل أن يتعلم الطفل بشكل صحيح على معدة خاوية،" كما أفاد مدير المدرسة سليمان عليو. 

وأضاف أن المدرسة تتلقى تمويلاً من المحسنين المحليين، و"نتيجة لهذا البرنامج، يقوم العديد من الآباء بتسجيل أبنائهم - ليس للتعلم، ولكن لتناول الإفطار فقط".

مجتمع مصدوم 

أصيب هذا المجتمع بصدمة جراء العنف المتمثل في إطلاق النار والتفجيرات وعمليات الخطف التي ترتكبها بوكو حرام، والضرب الانتقامي والاعتقالات والقتل خارج نطاق القضاء على أيدي قوات الأمن. 

وقال معلم الدين الإسلامي حسن شريف الحسن: "نحن نقوم بدور المعلمين وأولياء الأمور للأطفال اليتامى؛ فالعديد منهم ليس لديه ولي أمر في المنزل. وعندما يأتون إلى المدرسة نعطيهم ما يمكنهم استخدامه في حياتهم من حيث الاحترام والسلوك. ولكنها ليست طفولة طبيعية. في بعض الأحيان تسأل تلميذاً لماذا أنت صامت، فيجهش الطفل بالبكاء. يمكننا أن نفهم أن لديهم مشاكل من الناحية النفسية".

"اللغة الإنجليزية هي مجرد لغة، وكثير من أفراد الشعب البريطاني مسلمون أيضاً. وكيف تكون الرياضيات غربية؟ لقد اخترعها العرب".

يبلغ أبو بكر تيجاني 14 عاماً من العمر ويريد أن يكون محاسباً، ولكنه الآن يود فقط أن يعود إليه والده الذي توفي قبل عام. وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) "أنا حزين على وفاته وأفتقده كثيراً. لست سعيداً في هذه الحياة".

ويوفر مستشفى محلي جلسات استشارة نفسية شهرية لأعضاء جمعية الأرامل التي شكلتها المدرسة. وقال عليو: "لم يكن الناس يدركون أن أعراض التوتر وارتفاع ضغط الدم والصداع والأرق التي يعانون منها مرتبطة بالمشاكل النفسية. لقد رأينا تغييرات إيجابية". 

كما يحاول صندوق القروض الصغيرة الدوار التابع للجمعية توفير بعض المساعدة المالية في صورة رأسمال بسيط للأعمال التجارية. وفي الأسر الضعيفة، يخرج الأطفال إلى الشوارع بعد المدرسة لبيع الفول السوداني والحلويات والمياه. 

لقد دعم المجتمع المحلي المدرسة وتقوم بعض الشخصيات البارزة برعاية الطلاب بشكل فردي. وذكر مدير المدرسة أن مصطفى قد أنفق الكثير من ماله الخاص لكي تظل المدرسة مفتوحة. وشمل ذلك بناء مزرعة أسماك توفر قدراً من الاستقلال المالي، مما يساعد على دفع رواتب المعلمين، وتوفير الزي المدرسي والكتب المجانية التي يحتاج إليها الطلاب. 

ولكن فيما عدا الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي وافقت مؤخراً على تقديم بعض المكاتب، والسفارة السويسرية التي تدفع أجر مستشار الصدمات النفسية، لا تتلقى المدرسة أي مساعدات خارجية أخرى. 

وأوضح مصطفى أن "الشركاء الدوليين لا يأتون إلى هنا بسبب انعدام الأمن في كثير من الأحيان. ولا يستطيع الأفراد أن يفعلوا ما نحتاج إليه. نحن بحاجة إلى مساعدة مؤسسات مثل الأمم المتحدة واليونيسف".