قال الرئيس التونسي قيس سعيد إنه سيتم تشكيل لجنة لإعداد دستور لـ"جمهورية جديدة" مع تكليف هيئة للإعداد لحوار وطني، مضيفا أن اللجنة ستختتم أعمالها في غضون أيام معدودة. 

وأضاف سعيد أن الحوار الوطني بشأن الإصلاحات سيشمل أربع منظمات رئيسية في تونس، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين بتونس والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. ولمزيد من التفاصيل حول تطورات المشهد التونسي أجرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" هذا الحوار مع المحلل السياسي التونسي بسام حمدي، وإلى نص الحوار: 


- قيس سعيد يؤسس لطريقة حكم جديدة تنطلق من الحكم المحلي ثم الجهوي ثم الوطني.

- الدستور الجديد سيترجم المشاريع والأفكار السياسية والاجتماعية والاقتصادية لقيس سعيد.

- رئيس الجمهورية فقد الثقة تقريبا في جل الأحزاب.

- هناك مخاوف من انفراد رئيس الجمهورية بالحكم والتأسيس لدستور جديد يعيد تونس لمربع الديكتاتورية.

- الكثير من الأحزاب السياسية تضررت من قرارات قيس سعيد.

- النهضة وقلب تونس والدستوري الحر من الأكثر تضرراً من المسار السياسي.

- الاحتقان في الشارع التونسي ربما سيتصاعد بتدهور المقدرة الشرائية.

- تونس اليوم تدخل مرحلة جمهورية جديدة. 


كيف تابعتم تفاصيل تشكيل لجنة استشارية مكلفة بصياغة مشروع دستور جديد في تونس؟ 

رئيس الجمهورية التونسية شكل لجنة لصياغة مشروع الدستور الجديد في تونس، وهي لجنة استشارية، هذه اللجنة تم تأسيسها من طرف رئيس الجمهورية لاعتبارين اثنين، الاعتبار الأول هو أن رئيس الجمهورية يريد أن يرضي الأطراف الداخلية في تونس التي تدعو إلى ضرورة التحاور بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية في تونس لذلك شكل هذه اللجنة وضم فيها منظمات المجتمع المدني الفاعلة على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف في تونس، الأمر الثاني هو أن رئيس الجمهورية أراد من خلال تشكيل هذه اللجنة ربما إرضاء الأطراف الدولية التي تدعوه في كل مرة إلى ضرورة التحاور مع بقية مكونات المشهد السياسي في تونس. 

لذلك نرى أن هذه اللجنة هي بمثابة تعبيرة من تعبيرات رئيس الجمهورية على كونه يريد ربما التحاور مع الأطراف الفاعلة في تونس وليس الأطراف التي فشلت في إدارة الحكم والأطراف التي تتهم بارتكاب جرائم فساد وجرائم تمس الأمن القومي في تونس.


ما المدة المحددة لإعلان الدستور الجديد؟ 

رئيس الجمهورية حدد تاريخ 25 جويلية/ يوليو -وهو التاريخ الذي أسقط به نظام الحكم الذي كان قائم وهو النظام البرلمان- اليوم نرى أنه سيتم إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد في نفس التاريخ، نظرا لعدة اعتبارات من بينها أن رئيس الجمهورية وضع خارطة طريق واسعة تضمنت عدة تواريخ وهذه التواريخ لديها رمزية، لذلك تحديد 25 جويلية/ يوليو هو بمثابة تأكيد على أن هذا التاريخ سيبقى في تاريخ تونس تاريخ إسقاط النظام شبه البرلماني الذي كانت تديره الأحزاب السياسية في تونس بعد الثورة، ويريد من خلال تحديد مواعيد الاستحقاقات الانتخابية في تواريخ لديها رمزية، كذلك يريد سعيد التأسيس لتاريخ سياسي جديد في تونس والتأسيس لمواعيد تبقى في ذاكرة التونسيين كونها تواريخ تمكنت من إخراج تونس من بعض الأزمات السياسية.

لماذا ألغي الدستور السابق؟ 

الواضح أن رئيس الجمهورية وحسب مشروعه السياسي يرفض الكثير من الأحكام الدستورية في هذا الدستور الذي تمت المصادقة عليه سنة 2014، بحيث يؤسس دستور تونس إلى نظام شبه برلماني، والمشروع السياسي لقيس سعيد يرتكز على ضرورة أن تكون الصلاحيات الكبرى لدى السلطة التنفيذية وبالخصوص لدى رئيس الجمهورية أكثر من السلطة التشريعية، لذلك نراه اليوم يحاول ربما تعديل الدستور التونسي وإقرار أحكام جديدة تعيد سلطة الحكم إلى رئاسة الجمهورية، وكذلك اعتقد أن ما ورد في الدستور السابق يتعارض مع مشروع البناء القاعدي أو الديمقراطية المجالسية التي يريد أن يؤسس لها قيس سعيد، بحيث يرى قيس سعيد أن الدستور السابق يؤسس لإدارة مركزية أو الحكم المركزي والحال أن الفكر السياسي لقيس سعيد يريد أن يؤسس لطريقة حكم جديدة تنطلق من الحكم المحلي ثم الحكم الجهوي ثم الحكم الوطني.


ما الجديد الذي سيطرحه الدستور الجديد؟ 

من الواضح حسب تصريحات قيس سعيد فأن الدستور الجديد سيترجم المشاريع والأفكار السياسية والاجتماعية والاقتصادية لقيس سعيد، أهم هذه الأفكار الدستور الجديد حيث سيتم التخلي عن النظام السياسي الحالي في تونس، وسيتم التأسيس إلى أحكام دستورية تحدث نظام رئاسي في تونس، هذا النظام يمنح الصلاحيات الكبرى لرئيس الجمهورية وكذلك لرئيس الحكومة على أن تكون السلطة التشريعية سلطة رقابة أكثر من كونها سلطة تأسيس وسلطة اتخاذ قرارات، كذلك من خلال هذا الدستور ربما سيحاول رئيس الجمهورية تتبع الكثير من الأحزاب المشتبه تورطها في عمليات فساد ولم يفلح القضاء في محاسبتها.


ما أسباب استبعاد الأحزاب السياسية؟ 

من أهم الأسباب أن رئيس الجمهورية فقد الثقة تقريبا في جل الأحزاب التي كانت تدير المشهد في تونس بعد الثورة التونسية سواء كانت هذه الأحزاب في المعارضة أو في الحكم، لذلك نراه اليوم لا يعترف البتة بهذه الأحزاب بخلاف بعض الأحزاب التي قالت إنها تدعم مشروعه السياسي، السبب الثاني الذي يدفع قيس سعيد لعدم الاعتراف بالأحزاب السياسية هو الفكر السياسي لرئيس الجمهورية، وهو فكر الديمقراطية المجالسية أو ما يسمى بديمقراطية البناء القاعدي وهذه الأفكار السياسية لا تؤمن بالأحزاب وإنما تؤسس إلى مثلا التصويت على الأفراد وليس على القوائم، بمعنى أن اليوم جميع التونسيين من الممكن أن يترشحوا لأي استحقاق انتخابي وهم متساون في الحضور.


هل هناك مخاوف من انفراد سعيد بالحكم؟ 

اليوم هناك مخاوف كثيرة من انفراد رئيس الجمهورية قيس سعيد بالحكم، كذلك هناك مخاوف من التأسيس لدستور جديد يعيد تونس إلى مربع الديكتاتورية -صحيح أن رئيس الجمهورية الحالي يعرف بنظافة اليد، وبمحاولته إخراج تونس من بعض الأزمات- لكن اليوم ما هي الضمانات الدستورية التي ستمنع تونس من العودة إلى مربع الديكتاتورية ومربع الممارسات السياسية المجحفة، وهل سيضع رئيس الجمهورية ضمانات في الدستور الجديد تمنع كل شخص ربما سيخلفه في رئاسة الجمهورية من أن يتسلط على بقية مكونات المشهد السياسي؟ لذلك اعتقد أن ما يجب على قيس سعيد فعله هو إيجاد ضمانات دستورية وقانونية كبرى لعدم فتح الباب أمام عودة الديكتاتورية من جديد.


ماذا عن تأثير هذا الوضع على الأحزاب؟ 

يبدو أن الكثير من الأحزاب السياسية اليوم تضررت من القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية بعد تاريخ 25 جويلية/ يوليو وفقدت الكثير من خزاناتها الانتخابية بعد أن كشف قيس سعيد عن تلاعب كبير تم خلال فترة الحكم التي تلت الثورة التونسية إلى حدود 2019، وكذلك بعض الأحزاب السياسية في تونس تصدعت وتفككت بسبب ربما اختلافات داخلها بشأن إمكانية دعم رئيس الجمهورية قيس سعيد وعدم دعمه تجاه المسار الذي يتم اعتماده، كذلك اعتقد أن بعض الأحزاب التي كانت تظن أنها ستفوز خلال الانتخابات التشريعية المقبلة اليوم أصبحت مهددة بكونها لن تفوز بأي مقعد نظرا لكون أن القانون الانتخابي الجديد سيصبح فيه تصويت على الأفراد وليس على القوائم، بمعنى أن حظوظ الأحزاب السياسية في الانتخابات ستصبح متساوية مع حظوط أي فرد وأي مواطن عادي يترشح للانتخابات التشريعية.


من الأحزاب الأكثر تضررا.. وما توقعاتك لردود فعلها؟ 

الأحزاب الأكثر تضرراً من المسار السياسي الذي يتبعه رئيس الجمهورية قيس سعيد هم بالأساس حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي التي سقطت من الحكم واستبعدت من إدارة شؤون الدولة لثاني مرة بعد الثورة التونسية وهذه المرة تم إسقاطها من طرف شخصية فاعلة في الدولة وهي شخصية رئيس الجمهورية، كذلك الحزب الثاني المتضرر هو حزب قلب تونس الذي تأسس في فترة قليلة قبل الانتخابات التشريعية لسنة 2019 وفاز بالكثير من المقاعد، ولا يمكن لهذا الحزب أن يعيد نفس التجربة بل أنه تفكك وتصدع فترة قليلة بعد الانتخابات، اعتقد أنه خلال هذه المرحلة كذلك تضرر الحزب الدستوري الحر من هذه القرارات بحيث كانت عبير موسي -وفق العمل والمنظومة السابقة- تتصدر نوايا التصويت في الكثير من الاستحقاقات الانتخابية، لكن اليوم أصبحت ربما اللمعة والإضاءة في المشهد السياسي يحتكرها قيس سعيد، غأغلق الكثير من الأبواب أمام عبير موسي التي لم يعد لها التأثير الكبير في عقول وأذهان الشعب التونسي. 


برأيك.. هل سيتصاعد الاحتقان في الشارع التونسي؟

اعتقد أن الاحتقان في الشارع التونسي ربما سيتصاعد بتدهور المقدرة الشرائية لأفراد الشعب التونسي، خاصة وأن رئيس الجمهورية انشغل كثيرا بإدارة الشأن السياسي، لذلك اليوم هناك ربما غليان شعبي في تونس من عدم اكتراس رئيس الجمهورية بتبعات عدم إجراء قرارات اقتصادية عاجلة، ويمكن لهذا الغليان الشعبي أن يتحول إلى احتجاجات إذا لم يلتمس التونسيون اليوم على الأقل نية إصلاح في المجال الاقتصادي، اعتقد أنه ربما الاستحقاقات الانتخابية ستخفف من حدة هذا الغليان الشعبي لأن الشعب التونسي مزاجي بحيث يمكن أن تؤثر الاستحقاقات الانتخابية على مزاج الناخب، وقد يتحول الغليان إلى بعض الهدوء النسبي، لكن إذا طالت الأمور وانشغل رئيس الجمهورية بإجراء قرارات سياسية فأنه من المتوقع أن تحصل ربما احتجاجات عارمة.


ما السيناريو المتوقع خلال المرحلة المقبلة؟ 

الواضح هو أن تونس اليوم تدخل مرحلة جمهورية جديدة، اليوم تونس ستعود إلى نظام رئاسي هذا النظام سيؤسس له الدستور الجديد، وكذلك تونس اليوم ستدخل طورا جديدا بحيث ربما سيصبح الترشح للانتخابات التشريعية مسألة صعبة، خاصة ما إذا تضمن القانون الانتخابي أن كل من يثبت تورطه في تلقي أموال أجنبية أو شبهات فساد إداري لن يترشح، بمعنى أنه من الممكن أن نرى اليوم تفوقا من أبناء الشعب التونسي على من هم ينتمون إلى الأحزاب السياسية. كذلك اعتقد أنه خلال الفترة المقبلة ستتغير رؤية الشعب التونسي وستتغير طريقة إدارة الانتخابات بحيث يمكن اليوم لهذه الأفكار الجديدة للجمهورية التأسيس لمجلس وطني شعبي هذا المجلس هو السلطة التشريعية، واعتقد أن هذه الخيارات ستقلص من حجم الأحزاب خلال الفترة المقبلة.