أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد عن تشكيل لجنة تُكلّف بإدارة حوار وطني، تُستثنى منه الأحزاب السياسية التي يعتبرها مسؤولة عن الأزمة السياسية والاقتصادية التي تهز البلاد.

وقال سعيّد في خطاب ألقاه مساء الأحد بمناسبة عيد الفطر: "ستتشكل لجنة بهدف الإعداد لتأسيس جمهورية جديدة تنهي أعمالها في ظرف وجيز"، مضيفا "ستتشكل هيئتان داخل هذه اللجنة العليا إحداهما للحوار". ولمزيد من التفاصيل حول المشهد التونسي أجرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" هذا الحوار مع المحلل السياسي المنذر ثابت، وإلى نص الحوار:


- المشهد التونسي يتسم بالانقسام.

- الحوار الوطني ملامحه غامضة.

تقارب الرئيس قيس سعيد والاتحاد التونسي للشغل هو تقارب تكتيكي.

- قيس سعيد يتوفر على أغلبية كسولة.

- قيس سعيد يحتاج لتنظيمات سياسية نشيطة وفاعلة.

الدستور ليس إشكال في حد ذاته.


-بداية.. كيف تقيم المشهد التونسي؟

المشهد التونسي يتسم بالانقسام، هناك على الأقل ثلاثة قوات بارزة تتصارع وتتنازع التأثير والتحكم في مسار مفتوح على كل الاحتمالات، هذه التيارات هي التيار الدستوري الذي تقوده عبير موسى، والتيار المجالسي المجدد الذي يقوده الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يمكن أن يعنون بتيار الجمهورية الثالثة، والتيار الثالث وهو تيار الإسلام السياسي الذي تقوده حركة النهضة، هذه أبرز القوات المتصارعة مع الأخذ في اعتبار الخانة الفارغة وهي خانة التيارات العلمانية والتيارات الليبرالية والديمقراطية التي لاتزال تبحث بعد عن أسس فعل سياسي مؤثر في هذا الاحتراب المتسع وهذا الاحتقان المتصاعد.


-برأيك.. هل تتجه تونس نحو حوار وطني؟ 

الحوار الوطني ملامحه غامضة، والرئيس قيس سعيد يعتبر أن لا حوار مع الذين تورطوا في نهب البلاد -بما يعني من الماضي الممتد من الاستقلال وإلى 25 جويلية/ يوليو 2021- سعيد ينظر إلى الحوار على أساس أنه مونولوج، يختزل الحوار في المنظمات الوطنية وفي النقابات ومنظمات المجتمع المدني أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل، ونقابة الأعراف، إضافة إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين (الهيئة الوطنية للمحامين) مع اعتبار أن الاتحاد يتخذ مسافة بالنظر إلى ما يحصل، وبالتالي هذا الحوار هو على ما يبدو حوار مع القواعد أراد من خلاله الاستشارة الالكترونية، الاستشارة الالكترونية لم تفرز الا أقلية من المشاركين بالنظر إلى الجسد الانتخابي، هناك ما لا يزيد عن 500 ألف مشارك، يعني هو في آخر الأمر ليس بحوار حقيقي وإنما هو تنظيم لعملية استشارة وقد تكون هذه الاستشارة موسعة إلى حدا ما ولكن ليس هذا هو الحوار ما دمنا في مشهد يلغي ويفسخ الأحزاب السياسية.


-من هي الأطراف المشاركة والأطراف المقصاة؟ 

بالنسبة للأطراف المشاركة هناك المنظمات الأهلية الكبرى كما ذكرت سابقا، أما المقصاة فهي جل الأحزاب، الأحزاب التي يعتبرها الرئيس قيس سعيد انها تورطت في تخريب البلاد وتخريب الاقتصاد، لكن في المقابل هناك صمت بالنظر إلى الأحزاب التي يمكن أن تشارك وكأن الرئيس يقف موقف سلبي من الأحزاب، وإلى الآن ليس هناك سمة وضوح فيما يتعلق بالأطراف التي يمكن أن تشارك أو معيار ومقياس (الوطنية) الذي صرح به وزير الداخلية خلال المظاهرة المساندة للرئيس قيس سعيد باعتبار أن الوطنية هي مقياس الفرز والتصنيف بالنسبة للقوى السياسية والمدنية. 


-ماذا عن رفض اتحاد الشغل الحوار "الشكلي"؟ 

الاتحاد موقفه هام ومحدد، الاتحاد العام التونسي للشغل لا يمكن أن يمنح صك على بياض في علاقة بالحوار الوطني ولا أيضا بالاستفتاء، ونور الدين الطبوبي الأمين العام قال نحن لن نشارك في حوار نتائجه معلومة بصفة مسبقة -حوار شكلي حوار للتصديق على قرارات اتخذها الرئيس لا معنى له- اعتقد أن الاتحاد أيضا أمام إكراه الملف الاقتصادي والاجتماعي، الذهاب إلى قبول بكل ما يطلبه صندوق النقد الدولي من إصلاحات هيكلية تضحي أولا بالمقدرة الشرائية للشغالين في علاقة بالزيادة في الأجور، تجميد الانتدابات، الذهاب إلى تسخيط منظومة المؤسسات العمومية، والاتحاد لن يقبل بهذا لأنه في أخر الأمر سيكون في هذه الحالة كمن يسعى إلى هلاكه وكأنه يصدق على انتحاره، هذا أمر لا يمكن حتى أن نتوقع أن يقبل به الاتحاد، وتقارب الرئيس قيس سعيد والاتحاد هو تقارب تكتيكي، لعل الاتحاد في انتظار شيء ما، أو يراهن على عنصر الزمن ليدرك حسابيا في أي طرف وفي أي موقع سيكون، يعني حسابات تكتيتكية ومراهنة على الزمن من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل في علاقة بهذا الحوار الذي لن يكون بالنسبة للاتحاد حوار حقيقي ما لم يكن غير مشروط وغير محدد بأجندات مسقطة.

اعتقد أن الاشكال المطروح الآن هو في القوى الداعمة لقيس سعيد، فما هي القوى الفعلية الداعمة لقيس سعيد؟ يمكن القول بإن قيس سعيد يتوفر على أغلبية كسولة، أغلبية المواطنين الذين يعتبرون أن عودة حركة النهضة خطر حقيقي لابد من استبعاده وبالتالي مواصلة منح الثقة للرئيس قيس سعيد يمكن أن يقرأ في هذا التمشي السلبي بمعنى رفض عودة الأحزاب المسؤولة عن التشرذم وعن الشتات عن تشتت المؤسسات وتشتت القرار الوطني، بالتالي علينا أن نفهم هذا الوضع أن قيس سعيد صحيح يحظى بدعم أغلبية لكن كما قولت هي أغلبية كسولة لن تكون قادرة أو مستعدة للنزول إلى الشارع لدعمه أو حتى للذهاب فعليا لعملية الاستفتاء، ليست أغلبية ناشطة وهذا أمر اعتقد أن قيس سعيد يجب أن يراجع حساباته، فهو بحاجة بالفعل موضوعيا الآن لدعم تنظيمات سياسية نشيطة وفاعلة قادرة للنزول إلى الجهاد، قادرة للنزول إلى الحوار مع الشباب وقادرة على تحشيد الدعم الشعبي فعليا على أرض الواقع.


-من وجهة نظرك.. هل ستكون هناك اصلاحات سياسية واقتصادية؟

الإصلاحات نظريا تحتاج لمركزة السلطة، الإصلاحات الهيكلية المطلوبة من صندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي هي إصلاحات تحتاج إلى حالة من الاستبداد حتى وإن كان استبداد مؤقت وانتقالي، لكن بالطبع في المقابل نرى أن السلم المدني يحتاج أيضا لتوافقات اذا ما اعتبرنا أن سعيد أراد -وهذا خيار منه- أن يزيد الوضع المعقد تعقيدا إضافيا، يعني الإصلاح السياسي في ظل التعقيد -ونقصد تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية- عملية شبه مستحيلة، وبالتالي لا يمكن فرض الإصلاحات الهيكلية اقتصاديا في ظرف تستعد فيه البلاد المرور إلى جمهورية ثالثة للقطع مع منظومة سياسية تمكنت من مفاصل الدولة وتمكنت حتى من مفاصل الاقتصاد إلى حد كبير، بالتالي المسألة تبدو منهجيا -صحيح مشروطة بتجميع الصلاحيات ولو بصفة انتقالية ومؤقتة- ولكن تبدو العملية أكثر صعوبة اذا ما سلمنا بأن هناك إشكالية كبرى في مواجهة الاكراهات على أكثر من جبهة، جبهة العلاقات الخارجية في مواجهة الضغط الأوروبي وضغط واشنطن، جبهة الوضع الاقتصادي المهترئ، بالتالي إصلاحات هيكلية موجعة يمكن أن تقود لانتفاضة، جبهة الساحة الاجتماعية والوضع الاجتماعي المنهار جراء ارتفاع البطالة وارتفاع التضخم وارتفاع المديونية وهنا لا اتحدث فقط عن مديونية الدولة بل عن مديونية الأسر أيضا، بالتالي ليس سمة ما يمكن أن يضمن نجاح هذه العملية التي اختارها الرئيس قيس سعيد.


-ماذا يقصد الرئيس سعيد بالجمهورية الجديدة؟ 

الجمهورية الثالثة لها دلالة الذهاب نحو نظام رئاسي، هذا متفق حوله في جبهة المعارضة قبل 25 جويلية/ يوليو، قبل 25 جويلية فهناك سمة اتفاق بالنسبة للتيارات المعارضة والأحزاب المنتمية إلى المعارضة الليبرالية والديمقراطية والتيارات العلمانية، على أنه من الأفضل الذهاب إلى نظام رئاسي، نظام يضمن الحرية من جهة والاستقرار من جهة أخرى، ويحدد أيضا المسؤوليات في علاقة بالحكومة، في علاقة برئيس الجمهورية، نظام يضمن أيضا رقابة بالنسبة للبرلمان والفيتو البرلماني والتفكير حتى في برلمان بغرفتين، هناك تعقيدات أخرى إذا ما اعتبرنا أن الرئيس قيس سعيد لا ينظر إلى المسألة فقط من هذه الزاوية بل يضيف التمثيل القاعدي والتصويت على الأفراد بما يعني الذهاب نحو مزيد من تفتيت الكتل تحت قبة البرلمان بما يجعل المسؤولية والتقييم أكثر تعقيد مما كان عليه، وبالتالي هذا موضوع خلافي وهذا يعني موقف له خلفية معادية للأحزاب، وليس سمة إلى حد الآن بديل عن مفهوم الأحزاب كتنظيم سياسي منتج للبرامج والرؤى وقابل أيضا للمحاسبة بعد ممارسة الحكم.


-هل يمكن اعداد دستور جديد في ظل الأزمة الحالية؟

الدستور ليس إشكال في حد ذاته، المهم مناقشة الدستور وأن يكون الاستفتاء استفتاء حقيقي، في غياب حوار وطني في غياب تصورات يمكن أن تكون مختلفة ومتنوعة ومتباينة تصبح العملية بعيدة عن المطلوب وتصبح العملية خارج سياق ما هو مرجو، الاستفتاء هو العودة إلى صاحب السيادة وهو الشعب لكن هذه العودة ضروري وأن تكون في سياق تقييمات وفي سياق صراع سياسي منهجي، صراع برامج وروئ وليس حالة من الاحتراب والمزايدات والتهجم الهابط حتى من الناحية الأخلاقية.


-هل هناك ضغوط خارجية؟ وما تأثيراتها في المشهد السياسي؟ 

طبعا الضغوط الخارجية موجودة بداية من واشنطن وإلى الاتحاد الأوروبي هناك مراهنة على الربيع التونسي، الاتحاد الأوروبي يعتبر أنه أنفق الكثير من الأموال ودعم من حيث الاعتمادات والهبات التجربة التونسية، وواشنطن تراهن على أن تبقى تونس نموذج وحالة سياسية فريدة مرجعية بالنسبة لعموم المنطقة العربية لكي تكون العودة إلى دمقرطة المنطقة العربية ممكنة، وإثبات أن الديمقراطية يمكن أن تكون في أرض تحكمها وتسودها الثقافة العربية الإسلامية، مسألة هامة واستراتيجية أيضا إذا ما اعتبرنا أن مراهنة واشنطن على تونس بأن تكون في صف ما يسمى أو يعبر عنه بالعالم الحر، وبالنسبة للتيار الليبرالي من المهم جدا أن تبقى تونس تحت غطاء الناتو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأن تبقى بعيدة عن المحاور المعادية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو.


-هل هناك مخاوف من انفجار شعبي مع تأزم الأوضاع في البلاد؟

الانفجار الاجتماعي إلى حد الآن يمكن القول بإن هذه الفرضية تم استبعادها، على الرغم من حالة الاحتقان والغليان والغضب الشعبي إلا أن في أخر الأمر بمرور الزمن تعود الشعب التونسي على مكابدة الصعاب ومواجهة الأزمات من منطلق أن الانتفاضة أو الثورة تحتاج إلى محرك من داخل الدولة وما حصل في 2011 لن يتكرر بالضرورة في هذا الظرف، بل بالعكس كل الأطراف الأجنبية وكل الأطراف الداعمة للمسار السياسي في تونس تخشى أن يحدث مثل هكذا انفجار لذلك نجد أن هناك جرعات مالية تدفع بها الأطراف الأجنبية لكي لا تكون الوضعية في تونس وضعية منفجرة بالفعل ولكي لا يكون الاحتقان مولد لانفجار حقيقي وفعلي لذلك لن تقاطع المؤسسات المالية تونس ولن يكون هناك خنق للاقتصاد التونسي، لأن ذلك يحمل أعظم المخاطر لا فقط على مستوى انفجار شعبي قد يقود إلى تسونامي في عموم المنطقة بل أيضا اختلال توازن وانهيار بالنسبة للقدرات المالية للدولة ما قد يقود إلى الذهاب إلى تحالفات استراتيجية جديدة معادية للولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو.