نشر المحلل السياسي الأمريكي مايكل توتن تحليلاً سياسياً يوم أمس الإثنين في مجلة "وورلد أفيرز جورنال" حول تداعيات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط، حيث أشار أنه بعد فترة وجيزة من اندلاعه، كان للغرب وجهتا نظر.الأولى بإشادة المتفائلين بولوج الديمقراطية إلى دول الشرق الأوسط التي كانت -من وجهة نظرهم- تسير على خطى أوروبا الشرقية، أثناء الثورات المناهضة للشيوعية في عام 1989، بينما كان المتشائمون يرون أن العالم العربي ينزلق إلى نموذج الثورة الإسلامية في إيران، حينما جرى استبدال الطغاة العلمانيين بالأنظمة الإسلامية القمعية. 

الربيع العربي ليس شيئاً واحداً 
يقول توتن: "بات واضحاً اليوم أن المتفائلين والمتشائمين كانوا على خطأ، إذ اثبتت الأحداث الجارية أن كل الافتراضات السابقة لم تكن على صواب، إذ أن الربيع العربي ليس شيئاً واحداً، وتعاني العديد من بلدان الربيع العربي من التغيير الموجع. فعلى خلاف ما حدث في أوروبا الشرقية عقب سقوط جدار برلين، تتحرك كل دولة تأثرت بالربيع العربي في اتجاهات مختلفة، بل ومتناقضة في بعض الأحيان. أثبتت تونس، حيث انطلقت شرارة الربيع العربي، أن المتشائمين على خطأ، بينما برهنت مصر، التي اتبعت خطى تونس سريعاً، أن كلاً من المتشائمين والمتفائلين كانا على خطأ". 

تونس 
يصف توتن الوضع في تونس قائلاً: "قادت إزاحة الرئيس زين العابدين بن علي عن السلطة في تونس إلى الانتخابات الحرة النزيهة التي جرت في عام 2011 وأسفرت عن تولى حزب النهضة الإسلامية (الفرع المحلي لجماعة الأخوان المسلمون) السلطة. بيد أن المعارضة التونسية الليبرالية والعلمانية، قاومت بشدة وبصورة فعالة حزب النهضة الإسلامية منذ بداية توليه الحكم، الأمر الذي اضطر حزب الإسلاميين إلى التخلي عن سعيهم إلى الدولة الدينية، وقبول الدولة المدنية العلمانية على مضض، ومن جراء الهجوم العنيف للمعتدلين والليبراليين واليساريين، استقالت حكومة النهضة في تونس في يناير(كانون الثاني) 2014، واعتمدت تونس واحداً من أكثر الدساتير الليبرالية في العالم العربي، وأكد الرئيس المرزوقي أن هذا يمثل انتصاراً على الديكتاتورية". 

مصر
يرى توتن أنه حينما أسقطت مصر الرئيس مبارك، لم يذهب تصويت الأغلبية لصالح المرشيحين العلمانيين في الانتخابات الأولى، كما حدث في تونس، وفاز مرشح جماعة الإخوان المسلمون محمد مرسي، في الانتخابات الرئاسية بنسبة 51% من نسبة الأصوات، ويصفها توتن بالأغلبية الضئيلة، بيد أنها أغلبية في نهاية المطاف، وفي الوقت نفسه، فاز الحزب السلفي الديكتاتوري (الذي يُعد ذراعاً سياسياً للقاعدة) بنسبة 24% من مقاعد البرلمان، وهذا يعني أن غالبية كبيرة من المصريين اختارت الإسلاميين، وهو عكس ما حدث في تونس. 

يقول توتن: "لم يتحمل المصريون اغتصاب مرسي للسلطة، وعدم كفاءته وسياساته الطائشة، ومنها على سبيل المثال تعيين محافظ ارتبط بالجماعة الإرهابية التي قتلت 58 سائحاً بالقرب من مدينة الأقصر عام 1997، وخرج ملايين المصريين (الأغلبية الساحقة التي سبق وأن اختارت الإسلاميين) إلى الشوارع للمطالبة بعزل مرسي من السلطة، تماماً كما حدث مع مبارك، وبالفعل نجح عبد الفتاح السيسي في إزاحته، وإعلان الحرب على جماعة الإخوان المسلمون الإرهابية، ورأى ملايين المصريون فيما قام به السيسي تصحيحاً ثورياً". 

من وجهة نظر توتن لم يتحول المشهد على ضفاف النيل في مصر إلى الثورة الإيرانية، بيد أنه لم يتحول أيضاً إلى الديمقراطية، وعادت مصر إلى حيث بدأت، غير أن النظام الجديد في مصر الآن، بات أكثر ليبرالية وديمقراطية، من نظامي مبارك ومرسي. 

ليبيا 
يرى توتن أن الوضع في ليبيا ، يختلف تماماً عن مصر وتونس، بل وتختلف كثيراً كل منهما عن الأخرى. لم يكن القذافي سيتحمل المعارضة والاحتجاج مثل بن علي ومبارك، كان القذافي سيُلقي القبض على الثوار أو يقتلهم على الفور، إذ خسر القذافي الحرب بفضل الناتو. 

وعلى الرغم من تصويت الليبيين ضد جماعة الإخوان المسلمون، فإن ليبيا لم تسر على خطى تونس؛ لاختلاف الثقافة السياسية والاجتماعية بين البلدين، وللأسف تحولت ليبيا من الاستبداد إلى الفوضى، إلى دولة تسيطر عليها الميليشيات الإرهابية والمتمردون. ويتوقع توتن أنه إذا لم تتغير الأوضاع إلى نصابها الصحيح، ستتحول ليبيا إلى دولة فاشلة مثل الصومال، ويصفها توتن بأنها في حالة من الفوضى، وتبتعد ليبيا كثيراً عن الديمقراطية التي تطلع إليها المتفائلون، وفي الوقت نفسه لم تتحول إلى الديكتاتورية الإسلامية التي حذر منها المتشائمون. 

*موقع 24