يبدو أن ميليشيات الوفاق وعصابات الإخوان لم يبق لها غير المراهنة على دق إسفين بين الجيش الوطني الليبي وأنصار النظام السابق، وهو ما سعت إليه في مناسبات عدة، كان آخرها شريط الفيديو الذي احتفت به وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة لمجلس فايز السراج الرئاسي، واعتبره البعض الضربة التي قد تقضي على عملية “طوفان الكرامة”، نظرا لأسباب عدة، منها أن أغلب القبائل التي لا تزال موالية للقذافي والتي تمثل طوق طرابلس، وتنتشر في أغلب مناطق الغرب والوسط والجنوب، هي التي تمثل الحاضنة الشعبية للقوات المسلحة في معركة التحرير والتطهير.

منذ انطلاق عملية “طوفان الكرامة” أوائل أبريل الماضي، حاولت صفحات الإخوان والميليشيات، التقرب من أنصار القذافي، من خلال الإشادة بمواقفهم الوطنية وبث فيديوهات قديمة للقذافي، والدعوة إلى المصالحة الوطنية، والحديث عن ضرورة طي صفحة الماضي، وفتح جسور التواصل مع “الأزلام” واعتبارهم وطنيين أوفياء لبلادهم، ولما فشلت كل تلك المحاولات، تم الجمعة الماضي عرض شريط فيديو لأحد أمراء الحرب في مدينة الزنتان، من المتمردين على إجماع القبيلة والمندفعين للقتال في صفوف ميليشيات الوفاق الإخوانية، وهو إبراهيم المدني آمر كتيبة محمد المدني، الذي خرج على الناس ليزعم أن القيادة العامة للجيش كانت قد كلفته في تاريخ لم يحدده بتنفيذ مهمة سرية، تتمثل في اغتيال سيف الإسلام القذافي في مدينة الزنتان.

سرى هذا التسجيل كالنار في الهشيم، خصوصا وأنه تزامن مع إشاعات بتورط الجيش في تصفية قيادات عسكرية من أبناء قبيلة ورشفانة تقاتل في صفوفه وعلى رأسها العميد مسعود الضاوي آمر اللواء 26، بل تم توجيه أصابع الاتهام إلى اللواء التاسع ترهونة، في سعي لبث الفتنة بين اثنتين من أكبر قبائل ليبيا، ومن أهم المكونات الاجتماعية للمنطقة الغربية، وللأسف فإن هناك من صدق هذه الاتهامات حيث حمّل غريبي الضاوي أحد قيادات قبيلة ورشفانة المجلس الاجتماعي لقبائل ترهونة، مسؤولية قتل الضباط، لحين الكشف عن مرتكبي الجريمة، مؤكدا أن حق الشهداء لدى قبيلة ترهونة، حيث إن الجريمة حدثت داخل الحدود الإدارية للقبيلة بعد حضور الضباط الثلاثة لاجتماع بها، ومعلنا أن قبيلة ورشفانة قررت إيقاف التعامل مع قبيلة ترهونة، وذلك على كافة المستويات الاجتماعية، أو الاجتماعات الرسمية.

وبالعودة إلى تسجيل إبراهيم المدني لا بد من الوقوف عند عدة نقاط  منها أنه أحد أكثر المتحاملين على الجيش الوطني وقيادته العامة، ومنذ أيام تلقى نبأ مقتل شقيقه الذي كان يقاتل مع ميليشيا أسامة الجويلي في محور العزيزية، في إطار العمل على التصدي لـ”طوفان الكرامة”، وبالتالي فإنه من شق داخل الزنتان يقف في مواجهة أعيان القبيلة الذين أعلنوا منذ 2014 دعمهم لعملية الكرامة، وكان من الرافضين لقرار العفو العام الصادر عن مجلس النواب والذي يشمل سيف الإسلام القذافي.

وهذا الموقف، أدركه أغلب أنصار النظام السابق وتعاملوا معه بالكثير من الحكمة، حيث لم يصدقوا ما جاء على لسان المدني، ورأوا فيه مجرد إسفين أريد له أن يدق بينهم وبين القيادة العامة للجيش، لاعتبارات عدة أهمها أن عملية الكرامة منذ تدشينها في ربيع 2014، ألغت محاولة تقسيم الليبيين إلى أنصار فبراير وأنصار سبتمبر، وأعادت القيادات العسكرية السابقة إلى سالف نشاطها، بينما ألغى مجلس النواب قانون العزل الإخواني وصادق على قانون العفو العام، وتحول شرق ليبيا إلى مقصد المهجّرين من رموز وأنصار النظام السابق، حيث يجددون جوازات السفر ويحصلون على رتبهم الوظيفية ويستعيدون رواتبهم المقطوعة عنهم من قبل حكم الميليشيات في العاصمة، بينما لا تزال سجون الميليشيات في طرابلس ومصراتة والزاوية تعج بسياسيي وعسكريي وأمنيي وموظفي ما قبل 2011.

إن أغلبية “الخضر” اليوم مع الجيش قلبا وقالبا، ما عدا بعض الراديكاليين الذين يرفعون شعار “نحن أو لا أحد” أو الذين مدوا جسور التواصل مع الإخوان والجماعة المقاتلة وعقدوا اجتماعات مع قيادات إسلامية في أكثر من بلد مثل تركيا وقطر وإيطاليا والسنغال والمغرب وتونس، بحثا عن توافق لتقاسم السلطة معهم، وحفاظا على مصالح خاصة تتجاوز مصلحة الوطن العليا، وهؤلاء نراهم اليوم يعادون الجيش الذي يتكون من كل القبائل والمدن، فقط لأنهم لا يتفقون مع القائد العام بسبب مواقف سابقة بعضها يعود إلى الثمانينات من القرن الماضي، وبعضها الآخر مرتبط بأحداث فبراير 2011، مؤاخذين إياه على معارضته للنظام الذي يوالونه، رغم أن المشير خليفة حفتر كان من الضباط الذين شاركوا القذافي ثورة سبتمبر 1969، وهو اليوم يعمل على حركة إصلاح متجاوزا نتائج ربيع الخراب العربي الذي استهدف الدولة الوطنية واتجه إلى اجتثاث الأنظمة السابقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لتمهيد الطريق أمام قوى الإسلام السياسي لتنفرد بالحكم والثروة والسلاح.

الشعب الليبي الذي يقف اليوم مع جيشه الوطني، عانى الويلات خلال ثماني سنوات من الفوضى وحكم الميليشيات، والمواطن البسيط هو الذي دفع الثمن غاليا من أمنه وقوت عياله ولذلك يؤيد طوفان الكرامة، بينما يحاول البعض التضحية بالوطن من أجل مصالحه، سواء كان ذلك باسم ثورة فبراير أو باسم الوفاء للنظام السابق.