تحملهم طموحات وآمال بغد أفضل،انطلق عدد من المهاجرين،من بلدانهم التي تشهد أوضاعا أمنية واقتصادية متردية حولت حياتهم الى جحيم،آمالين في الوصول الى سواحل أوروبا طمعا في الافضل.لكن الرحلة المحفوفة بالمخاطر حملت نهاية تراجيدية مؤلمة على سواحل ليبيا،الغارقة منذ سنوات في فوضى لم يكتب لها نهاية بعد.
على شواطئ مدينة صبراتة، في أقصى الشمال الشرقي الليبي،(70 كيلو متراً من العاصمة طرابلس)،عثرت فرق جمعية الهلال الأحمر الليبي، على 15 جثة لمهاجرين غير نظاميين،قالت تقارير  إعلامية محلية،أن معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء،وأنهم قتلوا بطلقات نارية بعد مشادة بين المهربين.
جمعية الهلال الأحمر الليبي،قالت في بيان لها،أنه وبعد تلقى بلاغ من السلطات المحلية بوجود قارب على متنه مجموعة من الجثث المتفحمة،انتقل فريقها إلى هناك ليعثر على 15 جثة بعضها كانت متفحمة داخل القارب، وبعضها خارجه ووجدت سليمة.ولفتت إلى أن متطوعي الهلال الأحمر الليبي فرع صبراتة انتشلوا جميع الجثث ووضعوها بثلاجة المستشفى بالمدينة لاستكمال باقي الإجراءات القانونية.


من الفاعل..؟
بقايا جثث محترقة،في قارب محترق تتصاعد منه أعمدة الدخان،وأخرى ملقاة على الشاطئ،هي صور  تناقلها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي،كشفت حجم وبشاعة الجريمة في حق من يقطعون مسافات طويلة ضمن مناطق تشهد أعمالا قتالية واوضاعا اقتصادية متردية على أمل الوصول إلى مكان أكثر أمنا للعثور على فرصة عمل.
بشاعة الحادثة،ألقت الضوء على حدة الفوضى الامنية التي تعيشها ليبيا وانتشار العصابات المختلفة فيها.وبحسب تقارير اعلامية،فان المهاجرين قتلوا على يد مهربين، ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر أمني في صبراتة،قوله إن الجثث لمهاجرين غير نظاميين حوصروا وسط نزاع بين مجموعتين متخاصمتين من مهربي البشر في المدينة.
وتعد مدينة صبراتة الساحلية من أكبر بؤر تهريب المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا وأفريقيا، بحسب تقارير منظمات دولية.ويتم نقل المهاجرين بمساعدة عصابات التهريب من خلال قوارب تعبر البحر الأبيض المتوسط وصولا لشواطئ إيطاليا.حيث يمثل تهريب المهاجرين إلى أوروبا مجال عمل مغر في للعصابات التي تستغل ضعف وغياب الدولة.
ويخشي كثيرون أن تمر الجريمة كغيرها، من دون عقاب وهو ما دفع،البعثة الأممية للدعم في ليبيا، الى دعوة السلطات الليبية إلى ضمان إجراء تحقيق سريع ومستقل وشفاف لتقديم جميع الجناة إلى العدالة.وأكدت البعثة في بيان، إن "شبكات التهريب والشبكات الإجرامية، ترتكب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ما يحتاج إلى ضبطهم ومقاضاتهم".معتبرة أن هذا الهجوم، "تذكير صارخ بضعف الحماية الذي يواجهه المهاجرون وطالبوا اللجوء في ليبيا".
ومن جانبها،طالبت رئيسة لجنة سياسات الهجرة في مجلس النواب ربيعة أبوراس، النائب العام بتحريك دعوى عاجلة في حادثة قتل المهاجرين غير الشرعيين في مدينة صبراتة.ودعت أبوراس في تصريح نقله موقع مجلس النواب،النائب العام إلى "ضرورة الكشف عن المتسببين في جريمة صبراتة البشعة التي لا تمثل أخلاق الشعب الليبي"، مطالبة "الشركاء الدوليين بالتعاون في مراقبة الحدود المشتركة مع ليبيا في البر والبحر، ومحاربة عصابات تهريب البشر في أفريقيا وليبيا وأوروبا".


جريمة تتكرر
لم تكن هذه جريمة البشعة هي الوحيدة التي وقعت بحق المهاجرين في ليبيا،فقد شهدت البلاد حوادث قتل المهاجرين على أيدي عصابات التهريب، حيث سبق أن قتل مهربّون في 23 ايار/مايو 2018، 12 مهاجراً غير شرعي في مدينة بني وليد غرب ليبيا، رميا بالرصاص، عندما كانوا يحاولون الفرار،من مكان احتجازهم.
 كما لقي عشرات المهاجرين الآخرين حتفهم،في يوليو من نفس العام، اختناقا في شاحنة نقل مغلقة في مدينة زوارة غرب ليبيا، بسبب طول فترة بقائهم داخلها.فيما شهدت مدينة مزدة (150 كيلومتراً جنوب العاصمة) في 2020، جريمة قتل 30 مهاجراً أفريقيا؛وُصفت حينها بـ"المجزرة"،حيث أقدمت عائلة أحد تجار البشر على تصفية المهاجرين الذين كانوا محتجزين لديه، انتقاماً لقتلهم له،وفق لتقارير اعلامية.
وشهدت السنوات الماضية انتهاكات عديدة في حق المهاجرين،طفت على سطح الاحداث بقوة في اعقاب تقرير بثته قناة "سي إن إن" الأمريكية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وتم تداوله بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، وأظهر عمليات بيع المهاجرين بالمزاد العلني في ليبيا. وقوبل هذا التقرير بحملة تنديد واسعة من عدة أطراف دولية وسط مطالبات بالتحقيق فى القضية ومعاقبة المسؤولين.


مسؤولية أوروبية ومخاوف من الأسوأ
لا شك أن السلطات الليبية تتحمل مسؤولية الواقع الصعب الذي يعيشها المهاجرون غير الشرعيين،في ظل الانفلات الامني الكبير الذي تشهدها العديد من المناطق في البلاد وغياب رؤية أمنية ناجعة وسط الانقسامات السياسية.هذا الأمر عبرت عنه وزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة فتحي باشاغا،التي استنكرت جريمة صبراتة معتبرة أن القتلى ضحايا استغلال شبكات تهريب البشر المحلية أولاً والإقليمية ثانيًا في ظل غياب تام لهيبة الدولة ومؤسساتها الأمنيـة.
لكن من جهة أخرى لا يمكن اغفال مسؤولية دول الاتحاد الأوروبي، عن مأساة المهاجرين في ليبيا،من خلال سياساتها، القائمة على رفض استقبالهم،واعتراضهم رحلاتهم في البحر الابيض المتوسط،أين تقوم بدفعهم قسريا نحو ليبيا،بالرغم من ادراك هذه الدول لحجم المخاطر الامنية التي يتعرض لها المهاجرون هناك.    
هذه السياسات قد تشهد تصاعدا كبيرا في الفترة القادمة،في ظل وصول اليمين المتطرف الى سدة الحكم في ايطاليا،ضمن موجة من الصعود المستمر للحركات اليمينية شملت دولا أوروبية أخرى: السويد والمجر وبولندا وإسبانيا خلال السنوات الثلاث الماضية.هذا الصعود يثير مخاوف كبيرة بسبب الخطاب المعادي للهجرة بشكل عام والهجرة غير النظامية بشكل الخاص الذي تتبناه أحزاب اليمين المتطرف.