نتيجة للفراغ الأمني وغياب سيادة القانون واستمرار حالة الإفلات من العقاب وكذلك نتجية استمرار حالة الفوضي التي تشهدها ليبيا منذ العام 2011،ظل المواطن الليبي في مرمى تهديدات الجماعات المسلحة التي انتشرت في البلاد،والتي لم تتوانى عن ارتكاب الجرائم في حق المدنيين على غرار مجزرة "غرغور" التي بقيت عالقة في أذهان الليبيين كشاهد على بطش المليشيات وخطرها.

بدأت القصة مع تسارع الأحداث في مدينة طرابلس نهاية عام 2013 بعد أيام من وقوع اشتباكات بين مجموعات مسلحة تتبع لمدينة مصراتة وأخرى لمدينة طرابلس نتج عنها مقتل أحد قادة مصراتة الميدانيين. وتزايد الاحتقان في طرابلس من اعتداءات المجموعات العسكرية المختلفة وخاصة تلك المنتمية إلى مدن أخرى،ما أدى إلى تعالي الأصوات المطالبة بإخلاء العاصمة من جميع التشكيلات المسلحة.
وفي يوم 15 نوفمبر 2013،خرج عدد من المصليين العزل عقب صلاة جمعة من أمام مسجد القدس وسط العاصمة طرابلس وبدعوة من رئيس البلدية السابق السادات البدري للتجمع مطالبين بتطبيق قراري المؤتمر الوطني العام ذي الرقم 27 و 53 بخصوص إخلاء العاصمة من جميع التشكيلات المسلحة وذلك عقب الاحتقان الشديد بسبب الإعتداءات المتكررة من قبل المجموعات العسكرية المختلفة والمحسوبة على مدن من خارج العاصمة.
وتوجه المتظاهرين  نحو منطقة غرغور حيث تتمركز عدد من المجموعات المسلحة التي إتخذت من بيوت مسؤولي النظام السابق مقار لها وخصصت بعضها  كمراكز للاعتقال ليواجه المتظاهرون العزل مجموعة من المسلحين بالرصاص الحي، وسقط ما لا يقل عن 47 ضحية كحصيلة أولية فاقت لاحقاً سقف الـ50 وتفاوتت إصابات  518 آخرين ما بين جروح بسيطة وشديدة  الخطورة.
وكان من بين الجرحى والقتلى شيوخ و نساء حسب إحصائيات طبية ليترفع عدد القتلى بعد وفاة عدد من الجرحى إلى 56 قتيلاً بحسب بيان للحكومة المؤقتة آنذاك وفيما إقتصرت ردة الفعل بداية على تبادل الاتهامات بشأن من باشر بإطلاق النار، ليصل الى تهديد بعض من قادة قوات المجموعات المسلحة من مصراتة الميدانيين بمواصلة القتال حتى النهاية ومن بينهم الطاهر باشا آغا آمر كتيبة درع ليبيا فى حينها التي كانت تتمركز بتلك المنطقة.

ودعا مسؤولون لضرورة سحب كافة التشكيلات المسلحة من طرابلس في غضون 72 ساعة، وحاول علي زيدان رئيس الحكومة المؤقتة حينها إمتصاص غضب الشارع الطرابلسي بنشر مجموعات مسلحة ترتدي زي جنود نظاميين قيل بأنهم من الجيش الذي تسلم المقرات والمعسكرات،في الوقت الذي تم فيه تأمين خروج الجماعات المسلحة من منطقة غرغور عبر طريق المطار.
ولم يدم هذا الوضع طويلا، حيث عادت التشكيلات المسلحة التابعة لمدينة مصراتة إلى مواقعها السابقة في حي غرغور في طرابلس بعد طرد قوات مدينة الزنتان المنافسة من مراكزها في مطار طرابلس ومعسكرات أخرى بالمدينة، في هجمات شنتها مليشيات "فجر ليبيا" والتي قوامها تشكيلات مصراتة المسلحة إضافة إلى مجموعات أخرى مسلحة إسلامية تنتمي إلى طرابلس والزاوية ومدن أخرى.
عقب ذلك،تسارعت البيانات المتضاربة وتبادلت الأطراف الاتهامات،حيث حمّل رئيس الحكومة المؤقتة المسؤولية لمن قال إنهم أججوا وأثاروا حفيظة الأطراف من إعلاميين ومعلقين سياسيين  فيما نشر المجلس المحلي والعسكري ومجلس الشورى بمصراتة بيانًا حمل فيه المسؤولية لرئيس المجلس المحلي طرابلس الراحل السادات البدري الذي إتهموه بتحريض  المتظاهرين على "التوجه للوجهة غير الصحيحة بدلاً من توجههم للميادين والساحات المكان الطبيعي للتظاهر"، بحسب البيان.

أما الصادق الغرياني ( المفتي المعزول من مجلس النواب )،فقد سارع للتنصل من دعوته السابقة للتظاهر محملاً  المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة مسؤولية ما حدث.وقال:"إنه دعا المتظاهرين لفض التظاهرة والعودة إلى منازلهم" بعد أن حرضهم على الخروج ليواجهوا برصاص المليشيات التي لم ترحمهم واسالت دماء الكثيرين منهم.

وعلى الرغم من مرور ست سنوات على تلك المجزرة الدامية، إلا أن تفاصيل كثيرة مازالت غامضة، ولم يتم الإفصاح عنها حتى الآن، ولم تخرج نتائج التحقيق في هذه المجزرة،وهو ما ألقى الضوء بشكل واضح على غياب سلطة الدولة وانتشار الفوضى التي تسمح بافلات المجرمين من العقاب وهو ما يزيد من آلام اهالي الضحايا.
وتزايدت التأكيدات بغياب التحقيق في المجزرة مع ظهور ظهر القيادي في مليشيات مصراته عبد المجيد الضراط في مايو الماضي في العاصمة الليبية طرابلس.ويعتبر الضراط المتهم الأول في جريمة مجزرة غرغور،وقد ظهر في صور بميناء طرابلس بجانب المدرعات التركية التي أرسلتها تركيا الى القوات الموالية لحكومة الوفاق.
والضراط من سكان حي الأندلس بالعاصمة طرابلس وينحدر من أصول مصراتية وحسب مصادر أمنية في فترة حكومة الإنقاذ ذات التوجه الإسلامي المتشدد في طرابلس ادعت بأنه تم القبض عليه وأودع السجن.غير أن مصادر إعلامية ونشطاء على مواقع التواصل أكدوا في نفس الفترة أنه تم إطلاق سراحه وغادر طرابلس إلى مدينة مصراته حيث انضم إلى ميليشيات البنيان المرصوص وشارك في عدة معارك منها معركة تدمير مطار طرابلس الدولي بقيادة صلاح بادي.
وأشار مراقبون،أن الظهور العلني للظراط يثبت أن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والتابعين للمليشيات استطاعوا "الإفلات من العقاب" نتيجة انهيار الأجهزة الأمنية والقضائية التي عجزت عن ملاحقتهم في العاصمة الليبية طرابلس على الرغم من الادعاءات السابقة بأن "الظراط" مسجون في سجن معيتيقة.
ومازالت الأصوات تتعالى بعد ست سنوات بضرور تحقيق العدالة للضحايا،حيث دعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، الجمعة، لضرورة فتح تحقيق شفاف وشامل فى مجزرة غرغور التي وقعت عام 2013.وأعربت اللجنة  في بيان لها، عن استيائها من حالة الإفلات من العقاب للعام السادس على التوالي لقادة مليشيا "الدرع الوسطى" المتورطين في قتل المتظاهرين المطالبين بإخراج الميليشيات من العاصمة طرابلس.
وأوضحت اللجنة أن حق القصاص العادل من المجرمين المتورطين في ارتكابهم لهذه المجزرة لن يسقط مهما طال الزمن باعتبار أن هذه الانتهاكات والجرائم لا تسقط بالتقادم، مؤكدة بأن ما حدث هو قمع واضح ومعلن لحرية الرأي والتعبير وحق التظاهر السلمي المكفول بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وجددت اللجنة مطالبتها لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في التحقيق في ملابسات مجزرة غرغور في ظل ما وصفته بعجز وفشل السلطات القضائية الليبية في فتح تحقيق في ملابسات هذه المجزرة.معتبرة أن استمرار حالة الإفلات من العقاب شجع قادة الجماعات المسلحة على الاستمرار في ارتكاب الجرائم والانتهاكات في حق المدنيين بليبيا.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة المختصة بالقضية لم تعقد إلا جلستين بعد عام من حدوث المجزرة ثم توقفت نهائيًا جلسات المحاكمة دون توضيح من الجهات ذات العلاقة.وفي ظل سطوة المليشيات المسلحة على طرابلس لم تستطع الحكومات المتعاقبة على طرابلس التحقيق بجدية في الأحداث، ومحاسبة أفراد المليشيات وقادتها على جرائمها في حق المواطنين الأبرياء ليبيقى بحسب المتابعين للشأن الليبي صوت الرصاص الحاضر أعلى من صوت العدالة الغائبة.