لا يسعك عند ذكر اسم مدينة صور اللبنانية إلا أن يخطر في بالك بحرها المليء بالأسرار والكنوز الأثرية التي توثّق حقبات تاريخية عديدة شهدتها أحجار تلك المدينة التي تعد من أقدم المدن عبر التاريخ!

إلا أن ضجة اكتشاف "أثري" خلال الأيام الماضية، أعاد تلك المدينة البحرية مجددا إلى المشهد اللبناني وحديث اللبنانيين. فقد اكتشف فريق من الغواصين تابع لمعهد صيدون للغطس والغوص آثاراً لحمولة عدة سفن قديمة غرقت في قعر بحر صور، وقدّر الغطّاسون أنها ربما تعود إلى سفن يونانية استخدمها الإسكندر المقدوني في حصاره للمدينة.

11سفينة للإسكندر

ورجّح مدير معهد صيدون للغوص نقيب الغوّاصين المحترفين في لبنان محمد السارجي الذي رأس فريق الغوّاصين (نحو ثلاثة أشخاص) الذين قاموا بمبادرة خاصة بالكشف والتوثيق على مدى ثلاثة أشهر لبقايا 11 سفينة في قعر بحر صور، في حديث للعربية.نت أنها تعود للحقبة اليونانية (حوالي 300 قبل الميلاد) وهي غارقة على مقربة من بعضها البعض جنوب مدينة صور وعلى عمق 35 متراً تحت سطح الماء".

وقصة حصار الإسكندر الكبير لمدينة صور حفرت في كتب التاريخ اللبنانية، فقد احتلّها الغازي بعد معركة جرت أحداثها في العام 332 ق.م.

وقاومت المدينة طيلة سبعة أشهر، وكادت أن تقضي على أحلامه التوسعية بصمودها حتى قام أخيراً ببناء طريق من البر إلى الجزيرة حيث وصلها من الجهة الجنوبية الشرقية وهدم جدرانها ودخلها ودمرها دماراً شاملا وأخذ أبناءها أسرى.

حجارة وقطع فخارية

وتحوي السفن التي وثّقها فريق الغوّاصين على كميات كبيرة من الحجارة والقُطع الفخارية، وكانت على الأرجح تشارك في حملة الإسكندر المقدوني الذي حاول جاهداً دخول واحتلال مدينة صور الجزيرة عام 323 قبل الميلاد، عبر بناء طريق تمتد من الشاطئ إلى جدران المدينة الجزيرة، إلا أن المدينة قاومته.

وهذه السفن الإحدى عشر كانت تنقل الحجارة المطلوبة لإنشاء الطريق المطلوبة، لكنها ونظراً لثقل الحمولة لربما غرقت نتيجة أمواج بحرية عالية ورياح قوية.

ولم يستبعد السارجي في حديثه لـ"العربية.نت" فرضية "أن يكون الإسكندر المقدوني الذي كان يقود حملة في الحقبة الهيلانية قبل 300 عام قبل الميلاد لاجتياح الشرق هو من أغرقها بنفسه عمداً كي يُنشئ طريق بحرية منها توصله إلى جزيرة صور، أو ربما غرقت بسبب الأحوال الجوية العاصفة".

وأعلن السارجي "أننا كنقابة للغوّاصين في صدد إعداد كتاب لرفعه إلى شعبة المعلومات التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الأسبوع المقبل لتبليغها بموقع الآثار المُكتشفة تمهيداً لنقلها، على أن يتم تسجيل هذا الاكتشاف باسم نقابة الغوّاصين لدى مديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية".

كما شدد على "أهمية الاستفادة من هذه الآثار لكتابة تاريخ صور في تلك الحقبة، فضلاً عن عرض هذه الآثار في المتحف الوطني كي يشهد الجميع على عظمة مدينة صور".

أعرق المدن الفينيقية

وتعتبر مدينة صور أعرق المدن الفينيقية وأجملها على طول الشاطئ اللبناني، وكانت مقصداً لسفن عديدة. ولا يختزن بحرها كنوزاً أثرية فقط تعود لحقبات تاريخية، وإنما طبيعية أيضاً.

وأعلن الغوّاص السارجي أننا "اكتشفنا منذ قرابة العامين آباراً كبريتية عبارة عن براكين من المياه الساخنة تُستخدم في علاجات طبّية".

وأسف "لأن الدولة اللبنانية لا تُعطي أهمية كبرى لمثل هذه الاكتشافات الأثرية"، عازياً ذلك إلى "ضعف الإمكانات المادية التي لا تسمح باستخدام خبراء للتنقيب عن الآثار في قعر البحر".

وغرق قسم كبير من مدينة صور تحت المياه بسبب الهزّات الأرضيّة التي اجتاحتها نحو 550 قبل الميلاد، فضلًا عن الغزوات التاريخية.

البلدية تشكك

ومع أن رئيس بلدية مدينة صور حسن دبّوق أثنى على حماسة فريق الغوّاصين في اكتشاف أسرار بحر صور، إلا أنه أوضح لـ"العربية.نت" "أن الاكتشاف الذي يتحدّث عنه الغوّاص محمد السارجي يحتاج إلى إثبات علمي لتأكيد ما إذا كانت السفن الـ11 شاركت في حملة الإسكندر المقدوني ضد المدينة".

وأشار إلى "أن بحر المدينة يحوي على آثار عديدة لسفن غارقة، لكن لا يُمكن تحديد هويتها إلا من خلال مراجع مختّصة كمديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة".

ولفت إلى "أن الغوّاص السارجي وفريقه كانوا يغطسون في شمال مدينة صور في حين أن السفن المُكتشفة تقع في جنوب المدينة".

مديرية الآثار تنفي

وإذا كانت بلدية صور وكما رئيسها تنتظر الإثبات العلمي لهذه السفن لتأكيد ما إذا كانت تابعة لأسطول الإسكندر المقدوني، إلا أن مدير مواقع الآثار في جنوب لبنان التابع للمديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة اللبنانية الدكتور علي بدوي نفى "رواية" الغوّاص السارجي لجهة أن السفن كانت محمّلة بالحجارة.

وشكك عبر "العربية.نت" "في الصحة العلمية لرواية السفن المُستندة برأيه على بعض المشاهدات".

وأشار إلى "أن وبحسب علماء الآثار والأكاديميين فإن التقنية التي اتّبعها الإسكندر المقدوني للإطباق على جزيرة صور كانت واضحة جداً، بحيث بدأ حصاره من الشاطئ اللبناني في اتجاه الجزيرة، وهذا ينفي وجود ترابط بين آثار السفن المُكتشفة وحصار الإسكندر للمدينة".

واستبعد "وجود هذا العدد من السفن، لأن أجسام السفن تتحلل في البحر"، لافتاً إلى "أننا كمديرية حفرنا منذ قرابة العشر سنوات موقع لآثار سفينة فينيقية غرب مدينة صور على عمق 5 كيلومترات كانت تحوي عدداً من التماثيل تعود للفترة الممتدة من القرن السادس إلى الرابع قبل الميلاد، إلا أننا لم نستطيع تحديد ما إذا كانت سفينة وحيدة أم عدة سفن".

وللحدّ من "فوضى" الغطس، كشف الدكتور بدوي "أننا في صدد إعداد مرسوم لتنظيم عمليات التنقيب في البحر، لأنه لا يحق لأي كان القيام بهذا العمل، وإلا يُعتبر غير شرعي ويُعاقب عليه القانون".

المصدر: العربية نت