اهتدى الاعلام التونسي بعد رحيل نظام بن علي الى نسق غير مسبوق في علاقة بنقل واقع البلاد المتقلب واستدعاء حلبات التجاذب السياسي الى فضاءات الاعلام المسموع والمرئي والمكتوب،ولعل ذلك ليس فقط نتيجة تحرر وتدشين لمسار العمل الصحغي الحر،بل هو ايضا قدر جديد لاقلام ومصادح واجهت مصيرها بنفسها بعد حالة الفراغ التي عاشتها البلاد في رأس السلطة وغياب التعليمات والتوجيهات التي تربى عليها الاعلام التونسي منذ عهد بناء الدولة زمن بورقيبة.وباعتبار أن حرية الاعلام هي ضمانة الضمانات في كل مخاض سياسي ينشد مسارا ديمقراطيا حقيقيا،فقد كان للاعلام حضوة -وإن كانت شكلية- في برامج وخطب كل الانتقاليات التي عاشتها تونس،مرورا بهيئة اصلاح الاعلام،وصولا الى بعث الهيئة العليا للاعلام أو الهايكا التي باشرت مهامها منذ اكثر من ثلاثة اشهر في تونس.الا أن اللافت في القطاع خلال مايزيد عن سنة كاملة هي حالة الاذاعة التونسية العمومية المخصوصة  التي تضم تسعة اذاعات بين مركزية وجهوية.حالة عناوينها تقلبت بين كل اشكال الاحتجاج المعروفة من التنديد الى الاضراب الى الاعتصام...بعد أن تعطلت كل أشكال الحوار والمناورة بين أبناء الاذاعة التونسية ورئيسهم المدير العام الذي نصبته رياح الثورة في محاصصة كان فيها رهانا لنصيب حزب الرئيس المؤقت المرزوقي.حالة من الاحتقان في أروقة المركز والجهات ، وتصفيات وصفت بالعشوائية مست صحفيين ومنشطين وتقنيين واداريين أيضا.وهي حالت تجاوزت ضرر الحقوق الاجتماعية والأدبية لافراد عائلة الاذاعة لتطال نجاعتها وموقعها في سباق نسب الاستماع،حيث تراجع عدد متابعوها الى أسفل الترتيب قياسا بالاذاعات الخاصة وفق كل شركات سبر الآراء.هذا الواقع المتأزم للاذاعة التونسية صتر في المدة الأخيرة الشاغل الأبرز لأهل صاحبة الجلالة،بالنظر الى حالة اليأس التي يعيشها أهل القطاع بعد تتالي الشهور على الوعود بمراجعة التعيينات الحزبية ضمن خارطة طريق الانتقالية الجديدة،وبعد تزايد سياسة التصفيات الشخصية من طرف مسؤول منحته الرئاسة صكا مفتوحا مقابل عملية فرز مشبوهة لمن وضعو الترويكا المنسحبة ومن بعدها الرئيس المقيم موضع نقد ومقاربة.هذا وينتظر ضمن الأيام القادمة وفق بعض الاذاعيين،أن تشهد دار الاذاعة اضرابا عاما مشفوعا باعتصام مفتوح في مختلف المقرات،مما يحمل حكومة جمعة والهايكا مسؤولية كبيرة،ويدفعهم الى التعجيل بتغيير المسؤول الأول عن هذه الأوضاع،بعد أن عم الغضب والاحتقان كل قطاعات العمل الاذاعي،وبعد أن أغلقت كل بوادر الانفراج نتيجة تعلق كل فواتير الفساد والتردي برهان المرزوقي في شخص مديره العام.