قامت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير مفصل لها نشر بتاريخ 16 سبتمبر 2014، بتقييم وضع الحقوق والحريات في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير 2011، وتحدثت المنظمة في تقريرها عن حرية التعبير ، واعتبرت أنها منتهكة وغير مكفولة.

وبينت أن عدة أحكام في قانون العقوبات الليبي ما يزال يجرم جرائم التشهير والإساءة إلى الدين، فمواد قانون العقوبات عدد 195 و205 و245 تقضي بعقوبة السجن بحق كل من "يهين" الموظفين العموميين والأمة الليبية أو العلم، كما تقضي المادة 207 من قانون العقوبات بفرض عقوبة الإعدام على "تعزيز نظريات أو مبادئ" تهدف إلى إسقاط النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

أما بالنسبة لحرية تكوين الجمعيات والتجمع، لاحظت المنظمة أن قانون العقوبات الليبي يحتوي على مواد تقوض حرية تكوين الجمعيات، مثل تعريفات فضفاضة وغامضة لـ"الأعمال الإجرامية"، وينص القانون على عقوبة الإعدام لتهمة إنشاء أو المشاركة في منظمات غير قانونية، هذا وليس هناك قانون ينظم خصيصا منظمات المجتمع المدني.

عنف وتمييز

وبالنسبة لقضية العنف والتمييز ضد المرأة، أكدت هيومن رايتس ووتش أن القوانين الليبية مازالت تنطوي على تمييز ضد المرأة، ومعاقبة العنف ضد المرأة على نحو فعال في حالات الزنا المزعومة، كما تمنع المرأة من العلاج في حالة إساءة المعاملة وربما تثني النساء عن الإبلاغ عن العنف المنزلي.

وفي ما يخص حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، أشارت إلى أن المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين يواجهون مخاطر متعددة وتفتقر إلى الحماية ، نظرا لعدم وجود الإطار القانوني الذي يحدد حقوقهم، وبينت أن ليبيا لم تصادق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، كما لم تسن منذ سنوات مشروع قانون اللجوء المقترح.

كما تحدثت المنظمة عن الحقوق السياسية في ليبيا، ولاحظت أن قانون العزل السياسي الذي مرره المؤتمر الوطني العام في 5 مايو 2013 ودخل حيز التنفيذ في5 يونيو 2013، يمنع المسؤولين في عهد القذافي من تولي المناصب العامة لمدة 10  سنوات، وأشارت إلى أن  التعديل الأخير للدستور المؤقت يحظر المراجعة القضائية لقانون العزل السياسي، ما يعتبر محاولة لمنع المحاكم من مراجعة تلك القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان والمكفولة بموجب الدستور.

وعن حقوق المحاكمة العادلة، بينت المنظمة أن نظام العدالة الجنائية في ليبيا ما يزال ضعيفا ومليئا بأوجه القصور وغير فعال، فقد فشلت الحكومة في فرض السيطرة على المعتقلين في العديد من المرافق التي تديرها الكتائب، على غرار حالة سيف الإسلام القذافي، وبينت أن المعتقلين يتعرضون لسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، وغالبا ما يمنعهم المسؤولون من مقابلة محامييهم، وهناك حالات لا تخضع للمراجعة القضائية.

تشهير ومطالب

وأوصت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها بإلغاء جميع مواد القانون الجنائي الخاصة بجرائم التشهير، بما في ذلك القدح والذم، وهي المواد 195 و203 و205 و207 و220 و245 و438 و439 من قانون العقوبات، وإلغاء القانون عدد 5 لسنة 2014، الذي يجرم "الإساءة إلى ثورة 17 فبراير، والقضاء على جميع الجرائم الجنائية المتعلقة بالتشهير وإهانة الدين، وإلغاء المادتين 290 و291 من قانون العقوبات".

وأكدت المنظمة ضرورة مراجعة وتعديل قانون العقوبات وغيره من التشريعات لضمان حرية تكوين الجمعيات، وخاصة مراجعة المادة 206 من قانون العقوبات، وإلغاء عقوبة الإعدام المتعلقة بتهمة إنشاء أو المشاركة في المنظمات غير المشروعة، وتعديل قانون العقوبات في مواده 206 و208 للسماح صراحة بحرية إنشاء الجمعيات دون أية قيود بشأن ما تدعو إليه تلك المنظمات.

كما طالبت المنظمة بالحد من تجريم الأفعال المرتكبة من قبل المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية إلى التحريض المباشر والفوري لأعمال العنف أو التمييز، وذلك في المواد 206 و208 من قانون العقوبات، بالإضافة إلى إلغاء المادة 210 من قانون العقوبات وضمان أن أية حل لمنظمة غير حكومية لا يتم إلا بأمر قضائي وفقط نتيجة لانتهاكات فظيعة.

ودعت هيومن رايتس ووتش كذلك إلى ضمان الحق في التجمع السلمي، وذلك عن طريق مراجعة القانون عدد 65 لسنة 2012 والتأكد من أن أية قيود مفروضة على التجمعات العامة تكون للضرورة القصوى لحماية أمن الدولة أو النظام العام أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين وسمعتهم، وكذلك إلغاء العقوبات الجنائية بسبب عدم الإبلاغ عن التجمعات السلمية وإذا كان ضروريا يمكن استخدام التشريعات الموجودة لمساءلة الأشخاص المسؤولين عن جرائم مثل التحريض على العنف أو التورط في أعمال العنف.

دعوات

أما في ما يخص التعذيب، دعت المنظمة إلى إدراج تعريف للتعذيب في قانون العقوبات يتماشى مع المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وإنشاء هيئة تفتيش مستقلة مخولة لمعرفة ورصد جميع أماكن الاحتجاز، فضلا عن ضمان أن مشروع قانون تجريم التعذيب والاختفاء القسري والتمييز، سيشمل تعريف التعذيب والاختفاء القسري والتمييز، وهذا، كحد أدنى، للاستجابة لمعايير القانون الدولي، وينص بوضوح على نوع العقوبات المسلطة على المسؤولين عن التعذيب.

وطالبت المنظمة أيضا في تقريرها بإلغاء العقوبة البدنية، وإلغاء جميع أحكام العقاب البدني في التشريع الليبي، بما في ذلك القانون عدد 70 لسنة 1973 والقانون عدد 52 لسنة 1974، والقانون عدد 13 لسنة 1425 واستبدالها بعقوبات متناسبة.

وأشارت كذلك إلى ضرورة تعديل قانون الإجراءات الخاصة، ومنع الإفلات من العقاب، عن طريق تعديل القانون 38 لسنة 2012 بشأن بعض الإجراءات الخاصة لاستبعاد المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية خطيرة مثل القتل والتعذيب والعنف الجنسي، والتهجير القسري من العفو. وتوفير الضمانات القانونية إلى أية شخص يخضع للاحتجاز غير القانوني وأن يكون له حق قانوني في التعويض، كما هو منصوص عليه في المعاهدات الدولية.

ودعت أيضا إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وإعلان حظر فوري على تنفيذ أحكام الإعدام، فضلا عن المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

حماية وتمييز

وطالبت المنظمة الحقوقية كذلك بحماية النساء من العنف والتمييز عن طريق رفع جميع التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وضمان المساواة التامة والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما في ذلك ضمان المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة في الدستور الجديد، بالإضافة إلى سن قوانين لمنع وتجريم والرد على العنف المنزلي التي تضمن الحماية الكافية للنساء والخدمات للناجين.

ودعت أيضا إلى إلغاء أو تعديل القوانين الحالية التي تكرس التمييز ضد المرأة، بما في ذلك المادة 375 من قانون العقوبات الليبي، وخاصة تعديل الأحكام التي تصنف العنف الجنسي كجريمة ضد "الشرف" وإلغاء الأحكام التي تسمح بتخفيف العقوبات على مرتكبي جرائم "الشرف"، وضمان مساواة المرأة مع الرجل في جميع مسائل الأحوال الشخصية، بما في ذلك الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث، وإزالة العناصر المتعلقة بالجنسية التي تنطوي على تمييز ضد المرأة.

ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش كذلك إلى حماية حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين، حيث طالبت المشرع الليبي بالمصادقة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 وسن قانون اللجوء الذي ينسجم مع القانون الدولي للاجئين، ووضع إجراءات لجوء عادلة ومشروعة وفقا للالتزامات الدولية، وخاصة حظر الإعادة القسرية، بالإضافة إلى الاعتراف رسميا بمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ودعم جهوده، ومنح المفوضية حق النفاذ غير المقيد إلى جميع الأماكن التي يحتجز فيها غير المواطنين والحق في إجراء مقابلات معهم على انفراد.

أما في ما يخص ضمان احترام الحقوق السياسية، طالبت المنظمة بإلغاء قانون العزل السياسي والإداري.

كما طالبت المنظمة، ليبيا بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك تسليم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة، وبينت أن  قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدد 1970 الذي أحال الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، يتطلب من السلطات الليبية التعاون الكامل مع المحكمة، وهو شرط ملزم بموجب ميثاق الأمم المتحدة، على الرغم من أن ليبيا ليست طرفا في المعاهدة التي أنشأت المحكمة .

وأكدت أنه يجب على ليبيا أن تصادق على نظام روما الأساسي، ومواءمة تشريعاتها الوطنية مع جميع الالتزامات المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، بما في ذلك التحقيق بفعالية وملاحقة جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب أمام المحاكم الوطنية.