تتجه أنظار العالم الى مدينة سرت الليبية التي يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيطرة عليها من خلال آلاف المرتزقة السوريين وجحافل ميلشيات مصراتة وحلفائها ، بينما إعتبرها الجيش الوطني ومن ورائها مصر ودول أخرى عدة خطا أحمر لا يجور الإقتراب منه من قبل الأتراك وعملائهم 

وسِرت مدينة ليبية ساحلية تطل على البحر الأبيض المتوسط. تقع في منتصف الساحل الليبي بين طرابلس وبنغازي. تبعد عن العاصمة طرابلس 450 كلم شرقا. تجمع في طقسها بين الاعتدال البحري والطقس الصحراوي. بلغ عدد سكانها في 2012 نحو 79,000 نسمة، وهي تقع في موقع قرية بونيقية عرفت قديماً باسم "كراكسط كما عرفت خلال السيطرة الرومانية باسم "أتشينا".

تطل مدينة سرت على الخليج المتفرع من البحر الأبيض المتوسط الذي عرف باسمها، خليج سرت الذي كان يعرف باسم "خليج السدرة" والذي شهد ابان الحرب الباردة مواجهات بين ليبيا وأميركا وقد أطلق على المدينة ابان فترة حكم القذافي اسم "الرِباط الأمامي" بعد هذه المواجهات، وسمّي خليج سرت وقتها للسبب ذاته باسم "خليج التحدي". وتعد مدينة سرت من المدن المهمة قديما، وكانت محطة مهمة على طريق القوافل بين برقة وطرابلس وبين أفريقيا.

يطلق اسم سرت على المنطقة الممتدة على البحر الأبيض المتوسط بين العقيلة شرقا وبويرات الحسون غربا، بهذه المنطقة نشأت عدة مستوطنات فينيقية عرفت أحدها باسم "ايفورانتا ماكوماديس" ويبدو أنها أستوُطِنَتْ أثناء وعقب تلك الحقبة لوجود مقابر بها تعود إلى القرن الرابع الميلادي. وخلال حكم الفاطميون أسسوا في القرن العاشر عشر الميلادي مدينة عرفت باسم "سرت"، وهي تقع الآن إلى الشرق من مدينة سرت الحالية وتعرف الآن باسم المْديّنة وتحتوي على متحف صغير بالقرب من آثار المدينة الفاطمية يضم بعض القطع الإسلامية.نشأت مدينة سرت في حوالي منتصف القرن الثامن الميلادي ،وذكر عدد من الرحالة والجغرافيين مدينة سرت كابن حوقل الذي قال عنها في القرن العاشر الميلادي: "وسرت مدينة ذات سور صالح كالمنيع من طين وطابية وبها قبائل من البربر، ولهم مزارع في نفس البرّ تُقصد نواحيها إذا مُطرت وتنتجع مراعيها. ولها من وجوه الأموال والغلات والصدقات في سائمة الإبل والغنم ما يزيد على حال أجدابيه ومالها في وقتنا هذا وبها نخيل تجتنى أرطابها وليس بها من القصب والتمر ما تذكر حاله لأنّ نخيلهم بقدر كفايتهم. ولهم أعناب وفواكه وأسعارهم صالحة على مرّ الأوقات. والمتّلي صدقاتهم وجباياتهم وخراجاتهم وما يجب على القوافل المجتازة بهم صاحب صلاتهم. واليه جميع مجارى أمر البلد والنظر فيه وفيما ورد إليه وصدر في استيفاء ضرائبه ولوازمه، واعتبار السجلات والمناشير بمواجب ما على الأمتعة وتصفّحها خوف الحيلة الواقعة دون الأداء عنه بأفريقية؛ ودخلها أوفر من دخل اجدابيه لما ذكرت. وهى عن غلوة سهم عن البحر في مستواة من رمل، وترد المراكب أيضا عليها بالمتاع وتصدر عنها بشيء منه كالشبّ السرتي، فإنّه بها غزير كثير، وبالصوف أيضا، ولحوم المعز أغذى فيها من الضأن وأنفع، وتقوم لحوم الضأن فيها مقام لحم المعز بغيرها لأنّها غير ملائمة لأهلها وللسافرة المجتازين من أجل مراعيها. وشِرب أهلها من ماء المطر المختزن في المواجل".

أما البكري فقال عنها في سنة 1068م أنها: "مدينة كبيرة على سيف البحر، عليها سور طوب وبها جامع وحمام وأسواق، ولها ثلاثة أبواب قبلي وجوفي وباب صغير إلى البحر ليس حولها أرباض، ولهم نخل وبساتين وآبار عذبة وجباب كثيرة، ذبائحهم المعز ولحمانها عذبة طيبة، ليس يؤكل بطريق مصر أطيب من لحومها".

وذكر الإدريسي في سنة 1068م في كتابه نزهة المشتاق أن عمرانها ضغف، أما ابن سعيد المغربي فقال عنها في سنة 1240م أنها لم تعد سوى قصر يقيم به بعض العرب، وقد هجر هذا القصر بعد ذلك وأصبحت مدينة سرت أطلالا من غير ساكن .

وتقع آثارها اليوم التي تعرف بالمدْيّنة على بعد 55 كم إلى شرق من مدينة سرت الحالية، وعلى بعد 5 كم من قرية سلطان من الغرب، وتبعد عن ساحل خليج سرت 600 متر، وشمال الطريق الساحلي بمسافة 800 متر. وتتخذ آثار المدينة الشكل البيضاوي الغير منتظم بقياس يصل إلى 500 متر من الشرق إلى الغرب و 450 متر من الشمال إلى الجنوب، وهي تغطي مساحة قدرها 184 ألف متر مربع، وهي محاطة بسور يبلغ طوله 1750 متراً، وقربها متحف صغير يضم بعض القطع الآثرية الإسلامية.

بعد خراب مدينة سرت أصبح اسم سرت يطلق على المنطقة الممتدة على البحر الأبيض المتوسط بين العقيلة شرقا والهيشة غربا، وقد ذكر الرحالة أبو سالم العياشي في رحلته أثناء مروره بسرت في عام 1072 هـ (1662م) أن سرت تحت حكم عبد الرحمن الجبالي المقلب بـ (سيد روحه). وقد تمكنت قبائل أولاد سليمان بمساعدة قبائل المحاميد في بداية القرن الثامن عشر من السيطرة على إقليم سرت وإنهاء سيطرة آل الجبالي عليه الذين هاجروا الي الفيوم بمصر. شهدت صراع دامي وطويل بين قبائل أولاد سليمان ومن في صفهم كالقذاذفة وورفلة والجماعات والعمامرة ضد الولاة الاتراك.

أنشئت مدينة سرت الحالية في عام 1885-1886 ميلادية (1303 هـ)، خلال ولاية الوالي "أحمد راسم باشا" على "طرابلس الغرب"، حسب سالنامة ولاية طرابلس الصادرة في سنة 1894 ميلادية.

وحسب سالنامة فإن الإنشاءات الأولى كانت: "دائرة حكومية تحتوي على سبع غرف، ودائرة أخرى لعائلات المأمورين فيها ست غرف فوقانية وتحتانية، مع ما يلزمها من المشتملات، وكاوش يستوعب بلوكا من العساكر الشاهانية، وإصطبل لأجل حيوانات السواري، وفتدق وعدة دكاكين، وفرن وطاحونة."

وقد تولى إنشاءها قائم مقام قضاء سرت "عمر باشا المنتصر" الذي تولى منصبه في سنة 1879 ميلادية استمر في منصبه نحو 30 سنة أشرف فيها على تأسيس المدينة، ووطن بها من يرغب من قبائل البادية منهم (العمامرة والهماملة والورفلة والقذاذفة والفرجان ومعدان وقماطة ولحسون وأولاد سليمان والجماعات والمزاوغة والربايع والمشاشي وأولاد وافي والمغاربة والهوانة والزياينة وغيرهم)، كما انتقل إليها عدد من العائلات من مصراتة، وأسس بها في سنة 1898م "جامع بن شفيع"، والذي يعد اليوم أهم المعالم القديمة بمدينة سرت، وقد عرفت بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ محمد علي بن أحمد الشفيع السناري الذي تولى امامته وحتى وفاته.

تعتبر مدينة سرت الآن من المواقع المهمة حيث تحتل موقعا متوسطا بين شرق ليبيا وغربها، وهي في نفس الوقت تعتبر بوابة للمناطق الداخلية بفزان، ويمكن اتخاذها قاعدة للانطلاق إلى الواحات التي تقع إلى الشرق والجنوب.

قام الإيطاليون باحتلال مدينة سرت في 31 ديسمبر 1912م، وهي شاهد على أحداث تاريخية هامة فقد وقعت فيها ماقد تعتبر أهم معركة ضد الإيطاليين في 29 ابريل 1915 وهي معركة القرضابية الشهيرة والتي اتحد فيها كل الليبيين والتي هزم فيها الإيطاليون بقيادة الجنرال أمياني وفيها عقد أول مؤتمر للوحدة الوطنية في يوم السبت 22 يناير 1922 ايام الجهاد ضد الغزو الإيطالي لليبيا.

كانت سرت في العهد السنوسي ضمن لإقليم طرابلس وقد بدأت الخدمات الرئيسية والأساسية سرت في تلك الحقبة.

بعد ثورة الفاتح 1969 حظيت سرت بعناية فائقة حيث نفذت  فيها مشروعات البنية التحتية وأنشأت جامعة في المدينة التي ازدهرت بها حركة التعمير وانتشرت المباني الحديثة. كما اكتسب ميناء سرت أهمية أكبر مع تطور استخراج النفط البحري. وفي المدينة "مركز واغادوغو" للمؤتمرات ذات القاعات الرخامية والتي تعد أكبر قاعة للمؤتمرات في ليبيا ومن أهم المراكز في المنطقة، وفي أواخر التسعينات من القرن العشرين شهدت المدينة أهم حدثين في تاريخها هما اعلان الاتحاد الأفريقي في 9 سبتمبر 1999 بمجمّع "قاعات واقادوقو" الذي هو من معالمها الشهيرة وتوقيع اتفاق سلام البحيرات العظمى. وكانت تعقد فيها بشكل دوري اجتماعات مؤتمر الشعب العام الليبي، وتنظم فيها المؤتمرات الدولية ومؤتمرات القمة. وقد رشحت وقتها لاستضافة بعض مقار الاتحاد الأفريقي الوليد. كما عقدت في قاعات واقادوقو بسرت القمة العربية الثانية والعشرون. واختيرت كعاصمة للثقافة العربية في عام 2011.