كل المتتبعين  للآثار بالمنطقة الغربية بليبيا، ينصب اهتمامهم على مدينتي لبدة ومصراتة متناسين أن طرابلس كانت حاضرة  كل هذه المدن الثلاث ، الا ان مدينتي لبدة وصبراتة ونتيجة لبعدهما عن المقار السكنية ومخططات المدن والاراضي الزراعبة  اسهم كل هذا في ابقاء هاتين المدينتين (نسبيا ) على افضل حال ( على الاقل كمظهر اثري )   فظلّتا  كما الاراضي البكر الا ما لحق بهما من عوامل تعرية طبيعة وبعض عمليات النهب والتي اغلبها ارتكبها مستشرقين  كذلك  المتعاونين معهم من السكان المحليين .

في المجمل كل اثارنا بليبيا تتعرض للعديد من المآسي ليس السطو والتخريب والسرقة فقط ، لكن الطبيعة هي الاخرى لها دورها وقسوتها على كل هذه الاثار المهملة   خاصة ان كانت على البحر ، ايضا عوامل التعرية كذلك الامطار والسيول وغيرها لذا الاثر بمجموعه بكل المناطق الاثرية يحتاج لرعاية خاصة فدول بحالها يقوم اقتصادها عليه .

لكن مايغفل عنه الاغلبية وهو ان طرابلس كانت حاضرة لكل هذه الاثار واقل مايدل على هذه كونها من العواصم الاقدم في العالم ..لكن ماتعرضت له هذه المدينة على طوال القرون الماضية  من تكرار الهدم واحتلال وقرصنة واهمال و نهب  وقصف  واستعمار وبناء عشوائي  اضافة الى تشيد المدن بالتراكم  فوقها وفوق بنيتها التحتية، مدن بكاملها انشئت على اطلال بعضها وعلى نفس الرقعة الثرية بالتاريخ   للمدينة فغيب كل هذا  عنها الاثر الفنيقي ، ومن ثم الا ثر الروماني ، وكل ماجاء بعده عبر القرون التي تلت  ، حتى اخيرا   ثم القضاء  حتى على اغلب الاثر الاسلامي  ايضا رغم حداثة عهده امام السابقين لطرابلس بالتاريخ ...في ظل كل هذا الخراب  وحده ظل قوس (ماركوس اوريليوس) قائما شامخا قبالة البحر وبمنطقة باب البحر وعلى حد الجزء الشمالي للمدينة القديمة  فصار المعلم   الرئيس لمدينة طرابلس .

1ـ   شيد القوس  في القرن التاني الميلادي تكريما للامبراطورين( ماركوس اوريوليوس) والامبراطور( ولكيوس فيروس ) وذلك سنة 163 ميلادية  وما لايعلمه الكل أن القوس اقيم على حساب مواطن ليبي  يحمل الجنسية الرومانية  يدعى (كاسيوس) ودشنه نائب للقنصل باسم الاباطرة الذين ذكرتا سابقا   واللذان منعهما عن الحضور استمرار انشعالهما في حروبهما  شرق المتوسط .

وبما ان الرومان هم قوم محاربين بالاساس لذا تقول المراجع أنهم استعملوا الاغريق لرفع عظمة هذا القوس والذين شاركهم عملية رفع هذا المعلم كان سكان ليبيا الاصليين والذين كانوا على قدر كبير من الخبرة والمعرفة في مجال بناء الصروح وهذا ما اكده الباحث والمورخ الليبي المعاصر دكتور ( يوسف الختالي ) في العديد من ابحاثه العلمية كذلك في العديد من محاظراته والتي وافقه عليها الكثير من المهتمين بالاثر الروماني في العالم ...ولربما هذا ماجعل هذا القوس مميزا عن اغلب اقواس روما في كل حواظرها بل يفترض ان يدفع بنا كليبيين الان على القول رغم شراكتنا مع الاخرين في تشيده الا انه بتميزه وكونه على ارضنا وكون من دفع مال تشيده ليبي الاصل كذلك والعمال الذين رفعوا صرحه ليبييت ايضا  فالمفترض ان يدفعنا هذا على القول ان هذا القوس ليبي الامتياز والانتماء ايضا

2ـ وقد نقشت اثناء مراسم الافتتاح لوحة تدشين بها اسماء كل المعنيين بالافتتاح من اسماء الاباطرة  الى القناصل   وحكام الاقاليم وطلت هذ اللوحة معلقة بالقوس الا ان ازالها الانجليز عند احتلالهم لمدينة طرابلس سنة 1943 !!!

3ـ ترتفع ارضية القوس عن  مستوى سطح البحر ب  51ـ3وهومشيد من الرخام اليوناني اما  الحجارة الرملية فهي من محاجر جنوب طرابس وحجارة الارضيات جلبت من مدينة الخمس. 

4ـ في سنة 1912 كادت الاجزاء السفلى من القوس تغرق في الطمي والماء  مما هدد هذا المعلم بالاختفاء والغرق  وكان الجزء السفلى منه مغمور بالماء تماما وقد قامت ادارة الاثار حينها بالعديد من الحلول غير الناجعةلانقاد المبني لكن الامر حل نهائيا بالعمل الذي قاما به كلا د(جاكوموكالوتو ) والمعماري ( دي فاستوا ) وذلك سنة 1937 حيث قاما بترميم القوس  اضاقة الى صنع حرم حامي و محيط خاص به منع من تسرب المياه الى محيطه واساساته 

5ــ وفي كتابه عن رحلته لطرابلس 1307 ميلادي يصف التيجاني القوس فيقول ( هومبنى من المباني القديمة العجيبة وهو على شكل قبة من الرخام المنحوت وينهي وصفه بقوله وقد اتخده الاهالي مسجدا يصلون فيه !!) والمفيد في قول التيجاني ان اهالي طرابلس وحين   احسوا أن هناك مجموعة من التجار تتأمر على رخام القوس وحجارته لنزعها والاتجار بها ، تكاثف الاهالي لحماية معلم مدينتهم فاختاروا لاجل خمايته أن يصلوا بداخله وتحصنوا بداخله واتخدوه مسجدا لهم حتى ضمنوا أن لا يعود اليه الطامعين والمرابين للاستفادة من رخامه وحجارته ، حينها عادوا للصلاة بمساجد مدينتهم وأن دل هذا على شي رغم قدم فترة حدوثه الا انه يدل على مستوى الوعي الذي كان عليه سكان طرابلس بتلك الحقبة .....

 6 ـ لايزال اهل طرابلس يسمون القوس الى يومنا هذا ب (مخزن الرخام ) لكن التسمية لم يكن مصدرها اهالي طرابلس .

كتب الاسير (جيرراد ) والذي اسره البحارة الطرابلسيين سنة 1668في مخطوطه الذي عنونه بـ ( اخبار تاريخية عن طرابلس ) وهو مخطوط موجود بالمكتبة الوطنية الفرنسية وبعد وصفه للقوس أن الاسرى الاجانب بالمدينة هم من اسموه وباللكنة الطرابلسية بقوس الرخام والتصقت هذه التسمية بالقوس الى يومنا هذا.

7ـ وقد جاء في نفس كتاب هذا الاسير أن الولاة (محمد باشا الساقزلي ) والوالي (ابراهيم داي ) فكرا في هدم القوس والاستفادة من رخامه وحجارته في بعض الانشاءات الا أن اهالي طرابلس وفقهاءها عارضوهما وبشدة واتخدوا لهم حجة وهي أن تهديم القوس نذير شؤم على المدينة  كما أنه من الحرام تدمير مبنى  بهذه العراقة وله هذه الهيبة وهذا الجمال ويعد معلم المدينة الرئيسي  فاذعن الولاة لرغبات الشيوخ والاهالي .

8ــ وقد استخدم القوس اثنا مقاومة بعض الحملات االعسكرية التي تعرضت لها مدينة طرابلس كمخزن للمونة وقد ذكر ذلك مجموعة من القساوسة القادمين من البندقية للتفاوض مع الوالي لاطلاق سراح بعض الاسرى واشاروا في كتاباتهم الى ان القوس زمن وصولهم لطرابلس كان يستخدم مخزنا يتبع لقائد البحر ولربما استمر الامر كذلك لما بعد سنة 1732 ميلاية  ..

9ـ في بداية  الاحتلال الايطالي لليبيا استعمل المستعمر ظلال القوس واستغلها لتحويل فسحة القوس كدار للعرض السينمائي وفي عهد حاكم طرابلس الجنرال كانيفا اصدر مرسوما فاشيا للشروع في اعمال التنقيب والبحث الاثري تحت القوس وقد انتهت الحفريات فعلا لكن وكما الزمن السالف والبعيد خرج منها قوس طرابلس (ماركوس اوروليوس ) شامخا ومغافا وسالما ليطل علي ضفاف المتوسط والعالم كما برج ايفل  بفرنسا وثمثال الحرية بامريكا رمزا ابديا لاقدم عواصم العالم طرابلس   .

لقد ظل هذا القوس شامخا يطل على بحر طرابلس منذ القرون الأولى لانشائه بل هو تاريخيا اقدم من ثمثال الحرية بامريكا او برج ايفل بفرنسا او غيرها من البصمات التي تفخر بها عواصم العالم الكبرى ..

وما كتبناه هنا هو ملخص بسيط  فقط عن هذا القوس فهو الشاهد الصامت على كل الاحداث التاريخية التي مرت بها طرابلس  عل مرّ التاريخ والتي تعد من اقدم عواصم العالم ، لكن اجمل مافي هذه المعلومات أن القوس وعلي طوال القرون التي مرت ظل شامخا رغم تعرضه  للكثير من المؤامرات ومن  الحصار والقصف من قبل الدول المتصارعة على الهيمنة على المتوسط بل وغيرها من محاولات هدمه والتي منها ما  جاء من داخل المدينة  نفسها ومن مرابين كان غرضهم الاستقادة من مواده الخام الثرية والمميزة  لكن اهالي طرابلس انفسهم هم من تدخل وبقوة لحمايته وقد ذكرنا امثلة لمثل هذا في هذا المختصر لانقاد المعلم الذي يميز مدينتهم  من دون مدن العالم وهذه مفخرة تسجل تاريخيا  وبحبر من  الذهب لكل اهالي هذه المدينة .