يتواصل مأزق تشكيل الحكومة الجديدة في تونس بل يزداد تعقيدا يوما بعد يوم على إثر قرار مجلس شورى حركة النهضة موفى الأسبوع المنقضي عدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ في شكل الحالي.

وأكد رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني, خلال مؤتمر صحفي الجمعة, أن حركة النهضة لن تمنح الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ ولن تشارك فيها في شكلها الحالي لأن النهضة متمسكة بحكومة وحدة وطنية دون إقصاء أي طرف وهو أمر غير متوفر في حكومة الفخفاخ, داعيا في الأثناء هذا الأخير إلى التريث وعدم التسرع في إعلان تركيبة حكومته ورئيس الجمهورية إلى التدخل.

ويبدو أن هذا الطلب لم يجد صداه لدى رئيس الحكومة المكلف, وهو ما جعل حركة النهضة تعلن السبت, وقبل موعد إعلان تركيبة الحكومة الجديدة بسويعات, إنسحابها من المشاورات الحكومية وسحب وزرائها من تركيبة الحكومة.

 سويعات بعد إعلان النهضة إنسحابها, كشف الفخفاخ إثر لقاء جمعه برئيس الجمهورية قيس سعيد عشية السبت تشكيلة حكومته المتكونة من 29 وزيرا وكاتبي دولة دون أن يسلمها رسميا لرئيس الجمهورية.

وفي تصريح له عقب اللقاء أفاد الفخفاخ بأنه أعلم رئيس الجمهورية بحصيلة المشاورات التي أجراها منذ تكليفه يوم 20 جانفي 2020.

وأشار إلى المجهودات التي تم بذلها لتذليل كل العراقيل إلى غاية التوصل إلى حدود السبت المنقضي إلى اتفاق على تركيبة حكومة لها أغلبية مريحة في البرلمان.

وبين الفخفاخ أن شريكا أساسيا وهو حركة النهضة, وقبل ساعة من موعد إعلان التركيبة, خير الإنسحاب من التركيبة وعدم منحها الثقة, وذلك بسبب عدم تشريك حزب قلب تونس في الائتلاف الحكومي.

وأضاف أن هذا الخيار يضع البلاد أمام وضعية صعبة تقتضي التمعن في الإمكانات الدستورية والقانونية والسياسية المتاحة.

وأوضح أنه من باب المسؤولية الوطنية التي تقتضيها اللحظة التاريخية, قرر ورئيس الجمهورية استغلال ما تبقى من الآجال الدستورية لأخذ التوجه المناسب بما يخدم مصلحة البلاد العليا.

وعقب ذلك, أعلن القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري ورئيس كتلتها البرلمانية نور الدين البحيري أن النهضة لن تشارك مطلقا في حكومة أقلية مالها الفشل حتما.

وشدد البحيري, في تصريح ل "بوابة إفريقيا الإخبارية", على أن النهضة متمسكة بتشكيل حكومة وحدة وطنية دون إقصاء وتتمتع بحزام سياسي وبرلماني واسع, مؤكدا أن النهضة لن تمنح الثقة لحكومة الفخفاخ ولن تشارك فيها.

كما أكد البحيري أن النهضة لا تخشى إعادة الانتخابات بل هي مستعدة لها وترحب بها.

 وتوالت بعد ذلك التاريخ تصريحات قيادات حركة النهضة التي أكدت تمسك الحركة بتشكيل حكومة وحدة وطنية دون إقصاء, وبالتالي رفضها المشاركة في حكومة الفخفاخ بشكلها الحالي.

وفي هذا الإطار وبتاريخ أمس الأحد, لمح البحيري, في حوار أدلى به لقناة "حنبعل" المحلية بإمكانية سحب الثقة من حكومة الشاهد وتكليف البرلمان شخصية أخرى لتشكيل الحكومة.

كما انعقد بالبرلمان لقاء جمع رئيس البرلمان راشد الغنوشي بكل من رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ورئيس منظمة الأعراف سمير ماجول للتداول في ما أفضت إليه اخر التطورات بخصوص حكومة رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ, علما وأن إجتماعا جمع ليلة السبت رئيس الجمهورية قيس سعيد بكل من الطبوبي وماجول.

وقال الأمین العام للإتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إن ھناك سعي من قبل الاتحاد ومنظمة الاعراف لتقريب وجھات النظر بين الفرقاء السياسيين.

وأضاف إثر اللقاء مع الغنوشي: "نأمل أن تعود كافة الاطراف السیاسیة إلى رشدھا وتتحلى بروح المسؤولیة خلال الساعات القادمة", في حين قال ماجول إن النهضة لن تستفيد من الإنسحاب ويمكنها العودة للمشاورات.

من جانبه, رد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري على تصريحات الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي الذي دعا الفخفاخ إلى تعويض وزراء النهضة بمستقلين, معتبرا أن هذه التصريحات تضمنت مغالطات وفيها تحويل لوجهة الخلاف.

وشدد الخميري على أن الخلاف لا يتعلق بالتفصيل ومنح الوزارات رغم أنه جزء من الخلاف مع المكلف بتشكيل الحكومة الياس الفخفاخ, مبينا أنه خلاف يتعلق بالجوهر وطبيعة الحكومة نفسها والدفع نحو فكرة الإدماج والوحدة الوطنية مقابل فكرة الإقصاء.

وأكد الخميري أن النهضة تدعو المكلف بتشكيل الحكومة إلى سحب التركيبة المقترحة وأسماء الوزراء المقترحين لأنها لن تصوت لها في البرلمان ولن تمنحها الثقة.

في الأثناء, أعلن حزب قلب تونس, الحزب الثاني من حيث الأغلبية البرلمانية وتم إقصاؤه من طرف الفخفاخ من المشاركة في الحكومة, أنه لن يمنح الثقة لهذه الحكومة, كما رفض رئيسه نبيل القروي دعوة من رئيس الحكومة المكلف لإطلاعه على تركيبة الحكومة, كما أعلن إئتلاف الكرامة بدوره أنه لن يمنح الثقة للحكومة.

وأعلن القيادي في حركة النهضة أسامة بن سالم أن الحركة ستنطلق الإثنين في مشاورات لإختيار مرشح الأغلبية النيابية لتشكيل الحكومة وسحب الثقة من رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد.

وأكد بن سالم أن رئيس الجمهورية لن يستطيع حل البرلمان.

وفي سياق متصل, قال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة المكلف بالإعلام خليل البرعومي, اليوم الإثنين 17 فيفري 2020, إن نقاشات داخل الحركة انطلقت بخصوص الفرضيات الممكنة في حال عدم التوافق بخصوص حكومة الياس الفخفاخ المقترحة ومن بينها سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها يوسف الشاهد واختيار شخصية أخرى من قبل بعض الكتل البرلمانية الموافقة على التمشي ذاته.

وأوضح البرعومي أن المكتب التنفيذي للحركة بصدد مناقشة في اجتماعه اليوم كل الخيارات والسيناريوهات الممكنة على ضوء قرار مجلس شورى الحركة عدم التصويت لحكومة الياس الفخفاخ إذا لم يغير من تركيبة الحكومة المقترحة.

في المقابل, أعلن أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي أنه تم إبلاغ حركة النهضة أن اليوم الإثنين هو آخر أجل للعودة للتفاوض والاتفاق حول تركيبة الحكومة أو سيتم مساء سحب وزرائها وتعويضهم بأسماء أخرى والذهاب بالحكومة المقترحة الى البرلمان لنيل الثقة وإن لم تحظ بثقة البرلمان فسيتم التوجه لإنتخابات تشريعية مبكرة.

وأضاف أن قرار اعتبار اليوم آخر مهلة هو قرار تم اتخاذه بالتشاور بين المكلف بتشكيل الحكومة وعدد من الشركاء, ليرد القيادي في حركة النهضة خليل البرعومي على هذا التصريح بالقول إن المغزاوي ليس ناطقا باسم حكومة الفخفاخ ليحدد الاجال.

في الأثناء, انعقد, اليوم الإثنين, لقاء بين رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.

وقال الشاهد إن اللقاء بالغنوشي تناول الوضع العام في البلاد ومشاورات تشكيل الحكومة.

كما تم أيضا خلال اللقاء التشديد على ضرورة التسريع في إيجاد التوافقات الضرورية لتمرير حكومة الياس الفخفاخ, مؤكدا أن رئيس البرلمان واع بدوره بدقة الوضع وضرورة التسريع في تشكيل الحكومة.

وفي رده على دعوات سحب الثقة من حكومته قال الشاهد: ''سي الباجي رحمه الله قال إذا خلا لك الجو بيضي وفرّخي".

أما القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري فقد شدد, في تصريح إعلامي اليوم الإثنين, على أنه استنادا على الفصل 97 من الدستور يمكن الذهاب إلى سحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد في جلسة عامة استثنائية وتكليف شخصية أخرى من الحزب الأغلبي لتشكيل الحكومة وتجنب الفراغ الذي قد يتواصل لمدة 4 أشهر في حال فشلت حكومة الفخفاخ في نيل ثقة البرلمان.

وفي رد له على ما سبق ذكره, قال رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه المكلف بتشكيل الحكومة اليوم الإثنين, إن أحكام الدستور واضحة وإن الفصل الذي يطبق هو الفصل 89 من الدستور، متابعا بقوله: "من وضع نصا عليه أن يحترمه ومن قبل أن يدخل في العمل السياسي لا يدخله إلا في ظل الدستور".

وأضاف أن "النص الدستوري بالعربية بالفرنسية وبكل لغات العالم واضح.. ومن يبحث عن سحب الثقة من حكومة تصريف أعمال هو خارج الإطار الدستوري لأن حكومة تصريف الأعمال غير مسؤولة بما أنها انبثقت عن أغلبية كانت قائمة في ظل المجلس النيابي السابق واليوم لا يمكن للمجلس سحب الثقة من حكومة تصريف أعمال".

وأوضح سعيد أن حكومة تصريف الأعمال غير مسؤولية أمام المجلس النيابي الحالي, خاصة وأن يوسف الشاهد كان قد صرح يوم 15 نوفمبر 2019 بأنه تم تكليفه من طرف رئيس الجمهورية بتصريف الأعمال فقط.

وأكد أنه حتى في صورة سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال, فهي ستبقى حكومة تصريف أعمال إلى حين تعيين حكومة جديدة.

من جانبه, أكد القاضي المتقاعد أحمد صواب أن تفكير حركة النهضة في اللجوء إلى "حل غير قانوني" يتمثل في الإعتماد على الفصل 97 من الدستور وسحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد وتكليف شخصية أخرى من الحزب الأغلبي بتشكيل الحكومة يعتبر انحرافا بالإجراءات وتحيل على القانون ومحاولة من جزء من البرلمان الإنقلاب على صلاحيات رئيس الجمهورية.

وأوضح صواب أن الفصل 97 من الدستور يطبق خلال السير العادي لمؤسسات الدولة وليس في مرحلة فاصلة بين فترتين نيابيتين.

بالتوازي مع ذلك, التقى المكلف بتشكيل الحكومة إلياس الفخفاخ, اليوم الإثنين, بقصر الضيافة بقرطاج بعدد من الوزراء المقترحين في تشكيلته الحكومية.

جدير بالذكر أنه من المنتظر أن ينعقد خلال الساعات المقبلة لقاء بين الفخفاخ وممثلي الأحزاب المعنية مع إمكانية مشاركة وفد تفاوضي عن حركة النهضة في هذا اللقاء, علما وأن الفخفاخ التقى بالأمين العام لإتحاد الشغل هذا اليوم.