دخل الإعلام الإلكتروني حياتنا مع دخول تقنيات المعلومات والاتصالات وشبكة الإنترنت، فأحدث اضطراباً في العلاقة مع الإعلام التقليدي، وصل إلى مستوى الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، وحتى المتلقي. ومنذ بضعة أعوام ومع مرور الوقت تحولت المواقع الالكترونية، ولاسيما الإخبارية منها من ساحة الرأي الكبيرة إلى شارع يفتح فيه كل شخص أو كل فئة ناصية عليه وينادي منه على ما بدا له من بضاعة، ليصبح كل شيء في هذا الشارع مشاعاً وممتهناً ومعرضاً للصعود به إلى السماء السابعة والنزول فوراً إلى أسفل السافلين، الشارع الذي لم يعد فيه مكان للمصداقية ولا للخصوصية ولا للآداب العامة ولا حتى للمنطق في الآراء والمنطلقات.‏ وتؤكد ظاهرة الانفلات التي نشهدها في المواقع الالكترونية من بث للشائعات ونشر أخبار غير موثقة واغتيال للشخصية وانحياز إلى موقف على حساب آخر، أن الرأي العام بدأ يفقد ثقته في وسائط الإعلام بمجملها، لكنه مضطر لأن يكون مستهلكا لها رغم شكوكه.‏

صحيح أن هذا الإعلام الجديد حقق التأثير والإبهار، لاسيما وأنه سريع الوصول إلى المتلقي وأنه يغطي مساحة أكبر ويعبر الحدود دون معوقات ويتخطى كل ما هو تقليدي خلافاً للصحافة الورقية ولكنه ظل عاجزاً عن إزاحة الصحافة الورقية عن عرشها، بالنظر إلى أنها لا تزال إلى الآن سيدة الموقف ويشهد على ذلك أن تلك الصحافة الالكترونية لا تزال تفتقد للصحفي الالكتروني. وثمة من رأى في الإعلام الإلكتروني خرقاً فاضحاً لقيم المهنة الإعلامية، بخاصة بعد أن ظهرت مواقع إلكترونية يديرها هواة في الإعلام، لم يسبق لهم أن درسوا الإعلام أو مارسوا مهنة الكتابة من قبل، وثمة من رأى في هذا النموذج الإعلامي الجديد فرصة لإيصال الكلمة الإعلامية إلى كل أنحاء العالم لحظة نشرها، وبالتالي كسر الحواجز الجغرافية والزمنية التي تفصل الإعلام التقليدي عن العالم.

لا نعتقد أن الإعلام الإلكتروني في الاتحاد المغاربي قد تمكن من تحقيق إنجازات كبرى (حتى تاريخه)، ورغم أنه قد قام بإيهام البعض بأنه قد قام بذلك بالفعل، فما حصل هو أن المواقع الإلكترونية المغاربيّة قد تمكنت من تشكيل نافذة إلكترونية للإعلام المغاربي التقليدي، وهذا بدوره ساهم في إبراز الإعلام المغاربي على المستوى المحلي والعربي، لكن هذه النقطة الإيجابية (رغم محدوديتها) قد ترافقت بمجموعة من المظاهر السلبية التي لم تسمح لهذه المواقع الإلكترونية بالتحول لمؤسسات إعلامية قائمة الذات، وانجرفت تلك المواقع نحو الخيار الأسهل (وهو نسخ المحتوى)، وقد ترافق ذلك للأسف مع وجود آليات غير تنافسية لتوجيه نسبة كبيرة من الاعتمادات الإعلانية (الحكومية وغيرها...) إلى هذه المواقع، وبالتالي أصبح المشهد الإعلامي في الدول المغاربية طريفاً، فهناك مؤسسات إعلامية تقوم بتوليد المحتوى، ويعمل كتابها ومراسلوها على جمع المعلومات وإجراء المقابلات، ويتحملون كل مصاعب المهنة الإعلامية، بينما هناك فريق آخر، ليس لديه إلا مجموعة صغيرة من التقنيين الذين ينسخون المحتوى الإعلامي، ويقبضون المبالغ المالية التي يفترض أنها مخصصة للجهة التي أنتجت المحتوى، وليس للجهة التي نشرته.

وعلينا أن نعترف، أنّ الفضاء المفتوح على الخبر والمعلومة أدى إلى كثير من الارتباك أمام العديد من المشكلات في العديد من الدول المغاربية منها:‏ 

ـ تعاني أغلب الصحف الإلكترونية من صعوبات مالية تتعلق بالتمويل. 

ـ غياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية المتعلقة بمستقبل هذا النوع من الإعلام. 

ـ عدم ثقة بعض المعلنين في الصحافة الالكترونية واعتبارهم الصحافة الورقية أكثر جدية. 

ـ عند استقراء هذه الصحف الإلكترونية، اتضح أن الكثير منها يقوم على سياسة الاستنساخ من الصحف المحلية والعالمية ووكالات الأنباء حتى أن بعضها يعتمد على النسخ واللصق الذي يصل أحياناً حد السرقة الصريحة واستبدال أسماء المحررين والكتاب بأسماء أخرى، ويرجع ذلك إلى ضعف الإمكانيات المادية وقلة عدد المحررين المتفرغين الذين يعملون بكفاءات مهنية وخبرات تراكمية مع غياب المحاسبة والرقابة في المقام الأول. 

ـ ضعف الضوابط الضرورية لضمان عدم المساس بالقيم الدينية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات.

ـ ضعف ضوابط السيطرة على نشر العنف والتطرف والإرهاب. 

ـ عدم التوازن بين حجم ونوعية الرسائل الإعلامية الموجهة وبين استعداد المتلقي لها. 

ـ تفتيت دائرة التلقي والتركيز على مخاطبة الأفراد والجماعات الصغيرة وفق الميول والاحتياجات الفردية.

لا تقتصر أزمة المواقع الإعلامية المغاربية على استنزاف موارد المهنة الإعلامية بغير وجه حق، إلا أنها امتدت لتشمل بعض الممارسات الخاطئة في مجال نشر بعض المقالات التي لا يمكن أن تخضع لتصنيف المحتوى الإعلامي، وهي مقالات أقرب للغة الشتائم التي من المؤسف أن نجدها في مواقع تتسم بالصفة الإعلامية، وبعض المواقع أيضاً تساهم في خلخلة التماسك المجتمعي، وفي الحض على التيئيس بين أفراد المواطنين، ويساهم في كبح التعددية الفكرية، وبالتالي أصبحت هذه المواقع عبئاً على المشهد الإعلامي، ولذلك كان لابد من تدخل حكومي فعال يؤدي (على الأقل)، لإرسال رسالة للمواطن المغاربي، بأن الحكومات المغاربية غير راضية عن هذا النوع من النشاط، وأن وجود بعض الإعلانات في هذه المواقع هو ليس أكثر من خطأ ناجم عن ضعف في الآليات البيروقراطية، وليس توجهاً حكومياً.

وعلى الرغم مما يتم الترويج له عن السقف المرتفع للإعلام الإلكتروني مقارنة بالمطبوع، فالحقيقة التي يمكن معرفتها من مراجعة معظم المقالات (ذات العيار الثقيل)، ليتبين أنها ناجمة عن تحقيقات ودراسات قام بها الإعلام التقليدي (الحكومي والخاص)، أما السقف الذي يستخدمه الإعلام الإلكتروني، فهو على الغالب في التعليقات على المقالات، والتي لا يمكن أن تخضع لتصنيف العمل الإعلامي، بخاصة إن لم يكن هناك آلية شفافة لوضع التعليقات أو منعها، أو من وجود آلية تمنع الجهات المختلفة من وضع التعليقات، وبخاصة العاملين في الموقع نفسه، وبالتالي تحولت بعض هذه المواقع لوسيلة لإيصال الرسائل بين الجهات المختلفة بطريقة غير مضبوطة، وإلى الإمعان في بث الكراهية والفرقة بين المواطنين، وذلك عبر عدم احترام معتقدات وأفكار الجهات المختلفة، وكل هذا يدل على إساءة استخدام لما يسمى (السقف المرتفع)، وإن أضفنا لذلك استخدام أسماء وهمية وأحياناً استخدام اسم شخص آخر للتهجم على شخص ثالث، يتبين لدينا التردي الذي وصلت إليه المواقع الإعلامية... 

وهنا ربما من المفيد التوضيح أن التواصل عبر الشبكة لا يعني مهاجمة الآخرين، بقدر ما يعني فتح قنوات للحوار من جهة، ويعني أيضاً توجيه العمل الإعلامي وفق اهتمامات القراء، أما بالنسبة لقضية مراقبة التعليقات، فقد يقول البعض أن هذا الأمر متاح (دون رقابة) في الدول الغربية، ولكن في تلك الدول، هناك قانون للنشر على الشبكة وقانون للجريمة الإلكترونية يمكن من خلالهما حصول أي (معتدى عليه) على حقه.

خلاصة الكلام: يأخذ الاتحاد المغاربي إذاً، دوره في ثورة الإعلام الإلكتروني البديل، على نحو لفت الأنظار إليه عالمياً وليس عربياً فقط، وتنبه الإعلام التقليدي المغاربي لضرورة مواكبة التطورات الحاصلة، فاستفاد على نحو واسع من المستحدثات التقنية على الشبكة العنكبوتية واحتل مواقعه فيها، وكذلك  تشهد الدعاية الرقمية ازدهاراً كبيراً، ما يعني أن شبح القبضة التجارية والاحتكارية يلوح في أفق الفضاء الإلكتروني المغاربي، ما قد يقلل من أهمية الإعلام الإلكتروني البديل على المدى الطويل، أو يعرضه للتهميش.

مصطفى قطبي/ كاتب صحفي من المغرب