في أعقاب سقوط معمر القذافي في عام 2011،تسارعت الأحداث وخرجت بسرعة عن السيطرة وعمت الفوضى وانتشر العنف.لتتحول ليبيا في وقت قصير إلى دولة فاشلة ممزقة بين حكومتين وبرلمانين وآلاف المليشيات المدججة بالأسلحة، وإلى ملجأ آمن للجماعات المتطرفة وفي طليعتها تنظيم داعش، زد على ذلك أن البلاد فقدت استقرارها وأمنها وقسما كبيرا من مدخراتها وتوقف عمليا تصدير النفط وتعرض بعض الحقول للتخريب بعد هجمات للمتطرفين، وانتشرت الجريمة، وتهتك النسيج الاجتماعي بفعل الاقتتال الداخلي والصراع على السلطة والنفوذ.

ومع توتر الأوضاع التي تشهدها ليبيا، تواصل أطراف النزاع في البلاد تعنتها في منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، والتي ترعاها الأمم المتحدة؛ حيث يسعى كل طرف لمصلحته الشخصية على حساب مصلحة البلاد، الأمر الذي قد يؤدي حتمًا إلى تقسيم يعمق جراح الليبيين.وفي المقابل لم يفعل الغرب أي شيء لإنقاذ الليبيين من هذه الورطة الكبرى، ولم يرفع عصاه الغليظة إلا مؤخرا من خلال التلويح بتدخل جديد، وهذه المرة لإنقاذ أوروبا من خطر محتمل يتمثل في تنظيم داعش الذي أصبح يُرى بالعين المجردة بوضوح فقط بعد هجمات باريس الدموية.

حكومة الوفاق بلا"وفاق"

حكومة الوفاق الوطني تشكلت بموجب خطة لإنهاء حالة الفوضى والصراع التي تعاني منها ليبيا منذ الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي قبل خمس سنوات.وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء الليبي فايز السراج أن حكومته ستنتقل إلى طرابلس في غضون أيام،حذرت حكومة طبرق الليبية من فرض حكومة الوحدة دون موافقة البرلمان.وأكدت حكومة طبرق شرقي ليبيا الجمعة 18 مارس/آذار أن محاولات فرض حكومة مدعومة من الأمم المتحدة بدون موافقة برلمانية يزيد الأزمة تعقيدا.ودعت أيضا الأطراف المحلية والدولية إلى عدم التعامل مع الحكومة الجديدة إلا بعد حصولها على ثقة البرلمان.وفي بنغازي، تظاهر نحو 500 شخص ضد الحكومة الجديدة، ودعما للجيش الذي حقق تقدما كبيرا في مواجهة جماعات إسلامية في المدينة خلال الأسابيع الماضية..

وأخفق البرلمان المعترف به دوليا في شرق البلاد مرارا في التصويت على منح الثقة لحكومة الوحدة لكن أغلبية أعضائه وقعوا بيانلا بتأييدها الشهر الماضي.وواجهت حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي الذي عينها والموجود في تونس معارضة شرسة من أطراف على الجانبين مازالت تتشبث بمواقفها.وحذر رئيس وزراء الحكومة الموازية في طرابلس يوم الثلاثاء الماضي حكومة الوحدة من الانتقال إليها، مشددًا على أن انتقال أعضاء حكومة الوحدة الوطنية إلى طرابلس قد يعرضهم "للاعتقال والإيقاف" من قِبل قوات الأمن بطرابلس.

تحذيرات

وفي حوار له خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، أكد المبعوث الأمم مارتن كوبلر أن ليبيا تواجه خطر تنظيم داعش الذي يعد ممثلاً للحكومة الرابعة في ليبيا بعد وجود حكومتي طرابلس وطبرق غير الشرعيتين، وحكومة الوفاق الممثلة للسلطة الليبية.أكد كوبلر، أن هناك أربع حكومات، بالإضافة إلى البرلمان، حيث توجد حكومة واحدة معروفة لدى الجميع وأوراقها على الطاولة، وهناك حكومتان غير فعالتين على أرض الواقع وهما حكومتا طبرق وطرابلس؛ حيث لا تجد كهرباء والمستشفيات لا تعمل والأوضاع صعبة للغاية وخطيرة، وفي الوقت نفسه توجد الحكومة الرابعة هي الحكومة المتمثلة في تنظيم داعش، والتي تعد فعالة وتعمل على أرض الواقع بالسيطرة على الأراضي بالسلاح والإرهاب وهذا غير مقبول، ولكي يتم مواجهته لا بد من تعزيز ومساعدة حكومة الوفاق الوطني من كافة الجهات.

 وخلال تصريحات صحفية نقلتها وكالة "سبوتنيك" الروسية"، دعا المبعوث الأممي المجلس الرئاسي الليبي الانتقال إلى طرابلس، والقوى الليبية إلى نقل السلطة سلميا إلى حكومة الوفاق. مشيراً إلى أن الوضع الحرج الذي تشهده البلاد يتطلب سرعة تشكيل حكومة الوفاق،وأضاف أن تنظيم "داعش" يسيطر حاليا على سرت، ويتوسع في اتجاه الجنوب، ولديه خلايا إرهابية نائمة في طرابلس وأماكن أخرى، فضلا عن جماعات إرهابية أخرى، وهي القاعدة وأنصار الشريعة اللتان تنفذان هجمات إرهابية في شرق وغرب ليبيا، مشيرا إلى أن التقديرات حول أعداد الإرهابيين تصل إلى ما بين 3 إلى 6 آلاف إرهابي في ليبيا، بحسب أنباء الشرق الأوسط.وحذر المبعوث الأممي من توسع نفوذ "داعش" بشكل كبير في ليبيا، واحتمالات شن هجمات ضد مصر التي تصل حدودها مع ليبيا إلى 1800 كيلومتر.

عقوبات

على صعيد آخر أفاد مصدر دبلوماسي بأن الاتحاد الأوروبي وافق على عقوبات بحق 3 قادة ليبيين يعارضون حكومة الوحدة الوطنية، التي توسطت الأمم المتحدة لتشكيلها.وقال دبلوماسي بارز بالاتحاد الأوروبي، في حديث لوكالة "رويترز"، الأربعاء 16 مارس/آذار، إن " الموافقة على العقوبات تمت"، في خطوة تمهد الطريق لاتخاذ إجراءات تشمل المنع من السفر وتجميد أصول خلال الأيام القليلة المقبلة.والسياسيون الثلاثة، الذين تشملهم العقوبات، هم: عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي المعترف به دوليا في طبرق، ونوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي في طرابلس، وخليفة الغويل، رئيس وزراء الحكومة الموازية في طرابلس.يذكر أن وزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي اجتمعوا، 14 مارس/آذار، لمناقشة الأزمة الليبية مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، وحذرت بعض الحكومات من مخاطر عدم التحرك.فيما قال وزير الخارجية البولندي، فيتولد فاشيكوفسكي، بعد الاجتماع:" لدينا أربعة مراكز قوة حاليا في ليبيا وتبين أن أكثرها تأثيرا هو الذي صنعته الدولة الإسلامية".

الخطر الداعشي

في ظل تناحر بعض الأطراف الليبية،يستفيد تنظيم داعش من تلك الخلافات السياسية والانقسامات داخل المجتمع.فجميع الدلائل تؤكد أن سطوة داعش تزداد كل يوم اتساعا فى ليبيا،إلى ذلك أقام عدد من النشطاء في مدينة صبراتة وقفة احتجاجية مساء الجمعة 18 مارس 2016، ضد الأوضاع التي تشهدها المنطقة.ورفع النشطاء في وقفتهم ،وفق ما نقلت مصادر غعلام محلية ،شعارات تندد بتمدد تنظيم داعش مطالبين بالتصدي لهذا التنظيم المتطرف.هذا وكانت مدينة صبراتة الواقعة غرب العاصمة طربلس قد شهد في الأسابيع الماضية مواجهات ومعارك عنيفة بين الجهات الأمنية مدعومة بشباب المنطقة، وخلايا تابعة لتنظيم داعش الإرهابي.

ويرى متابعون أن تمدد داعش لن يقف عند حدود سيطرتها الكاملة على مدينة سرت فى أقصى الجنوب.وفي هذا الصدد قال مارتن كوبلر، الممثل الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا أن داعش التى تسيطر حاليا على سرت تتوسع فى اتجاه الجنوب ولديها خلايا إرهابية نائمة فى طرابلس وأماكن أخرى.حذر كوبلر من توسع نفوذ داعش بشكل كبير فى ليبيا العام الماضى، مشيرا إلى إمكانية أن تشن هجمات ضد مصر التى تصل حدودها مع ليبيا إلى 1800 كيلومتر.

وبحسب خبراء فإن وجود "داعش" وتمدده فى غرب ليبيا، وتحديدًا على شواطئ البحر المتوسط المقابلة لأوروبا، ليس خطرًا على دول الجوار الليبى فقط، إنما هو أشد خطورة على أوروبا،فجميع التقارير تؤكد جدية الخطر القادم من المستنقع الليبى على أوروبا.من جهة أخرى وإزاء الوضع المتردى فى ليبيا يتحتم على دول الجوار الافريقي، مصر وتونس والجزائر ونيجيريا وتشاد والنيجر التى يتهددها جميعها خطر داعش البحث عن حل افريقى يلزم المجتمع الدولى الانتباه لهذا الخطر المحدق.