بالرغم من الإنتصارات العسكرية التي ساهمت في تحسن نسبي للأوضاع الأمنية في ليبيا، فإن منسوب الخطر الإرهابي مازال مرتفعاً جداً بالنظر إلى تواصل وجود العناصر الإرهابية في عدة مناطق من البلاد وتهديدها بمزيد من العنف مستغلة في ذلك إستمرار الإنقسامات وغياب سلطة الدولة. 

وما يجري في ليبيا له تداعيات كبيرة على الصعيد الإقليمي، إذ تتزايد مخاوف دول الجوار من تعرضها لهجمات إرهابية من جراء تهريب الأسلحة وتسلل الإرهابيين إليها من جارتها ليبيا التي تشهد اشتباكات ضارية بين الإرهابيين والجيش الليبي.وتخشى الدول المعنية بالشأن الليبي من إستمرار الأزمة الشائكة التي تعتبر من أخطر لأزمات نظرا لتأثيرها الإقليمي والدولي. 

تدريبات

هذه المخاوف ترجمتها إستضافة مصر تدريبات عسكرية لدول تجمع "الساحل والصحراء" في قاعدة محمد نجيب العسكرية التي تستمر لغاية الـ14 من الشهر الجاري.حيث تأتي هذه التدريبات في ظل تحدّيات تواجه المنطقة من الحدود الطولية مع ليبيا التي تشهد أزمات داخلية لم تستطع إزاءَها تأمين حدودها الغربية وتعرَّضت لعدد من الهجمات.

وقال العقيد الركن حرب تامر الرفاعي المتحدث العسكري المصري، إن "هذه التدريبات تنفذ للمرّة الأولى في مصر بمشاركة 3 دول أفريقية".مضيفا في بيان له أن "التدريب يشارك فيه عناصر من القوات الخاصة لكل من مصر والسودان ونيجيريا وبوركينا فاسو ضمن المجموعة الأولى، للتدريب على أسلوب التعامل مع التهديدات الإرهابية المختلفة كالجماعات المسلحة وتحرير الرهائن".

ونقلت "إرم نيوز"، عن عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري، اللواء سلامة الجوهري، أن "تدريبات دول الساحل والصحراء تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري في مواجهة الإرهاب خاصة في ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة وتأثر الدول المعنية بالأزمات والصراعات التي تشهدها ليبيا.

وأضاف الجوهري، أن "التدريبات المشتركة تبعث رسالة إلى التنظيمات الإرهابية بأن الحدود الغربية ستكون محتشدة بالقوات المسلحة وقادرة على التصدي لفلول المتشددين وإحباط العمليات المتطرفة".مشيرا إلى أن "هناك هدفًا آخر لتلك التدريبات يتعلق بتدفق الهجرة غير الشرعية القادمة من أفريقيا.

وأشار الجوهري، إلى أن "إحياء وتفعيل قاعدة محمد نجيب العسكرية ينشّط الحركة العسكرية باعتبار القاعدة حصن مصر العسكري لمواجهة المخاطر القادمة من ليبيا، فضلًا عن التدخل وملاحقة العناصر المتطرفة هناك على وجه السرعة".مضيفا أن "استمرار التدريبات المشتركة أحبطت أي محاولة إرهابية من ناحية الصحراء الغربية خلال الفترة الأخيرة، بجانب سد جميع المنافذ على المتطرفين؛ بما ساهم في تضييق الخناق على المتشدد هشام عشماوي وإلقاء القبض عليه".

يشار أن تجمع دول الساحل والصحراء، تأسس عام 1998 بالعاصمة الليبية طرابلس، بمشاركة 6 دول هي ليبيا ومالي والنيجر والسودان وتشاد وبوركينا فاسو.وتوسعت عضويته ليضم حتى الآن 23 دولة عربية وأفريقية بعد انضمام كل من إريتريا وبنين وتونس وتوغو وجمهورية وسط أفريقيا وجيبوتي وساحل العاج والسنغال وسيراليون والصومال وغامبيا وغانا وغينيا بيساو وليبيريا ومصر والمغرب ونيجيريا.

تحذيرات

وتأتي هذه التدريبات مع تواصل التحذيرات من إستمرار تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا وتأثيرها على المنطقة.وآخر هذه التحذيرات جاء عبر الاتحاد الأوروبي، الذي أكد إن الوضع الراهن في ليبيا يمثل مصدراً دائماً لعدم الاستقرار وانعدام الأمن للشعب الليبي وجيرانه والمنطقة بأسرها.

وجاء ذلك في بيان صدر على هامش اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الإثنين الماضي. ومن خلال البيان، عبّر الوزراء أيضاً عن دعمهم لخطة العمل "المعدلة" التي قدمها المبعوث الدولي لليبيا غسان سلامة، وذلك من أجل الدفع قدماً بعملية التحول السياسي في البلاد.

وجاء في البيان: "يشكل الوضع الراهن في ليبيا تهديداً لأمن واستقرار الشعب في البلاد، وكذلك لجميع دول المنطقة". وجدد الوزراء التزامهم بالعمل على دعم عمل الأمم المتحدة في ليبيا، على المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية. ويريد الاتحاد تطويق الوضع في ليبيا حرصاً على أمن حدوده البحرية، ومنعاً لمزيد من تدفقات المهاجرين السريين.

من جهته، حذر رئيس الحكومة الإيطالية، جوزيبّي كونتي، من أن تؤدي ما سماها "هشاشة" الوضع في ليبيا، إلى زيادة تدفقات الهجرة.وأوضح كونتي، في جلسة إحاطة أمام مجلس النواب الإيطالي، الثلاثاء، وفقا لوكالة أنباء "آكي" الإيطالية، إن تقلص تدفقات قوارب الهجرة على طريق وسط البحر المتوسط، هي نتيجة ينبغي الحفاظ عليها، إلا أنه لا يمكن المغالاة في تقدير قيمتها أيضا، مشيرا إلى أن المحاور معقدة للدول المجاورة لليبيا التي يمكنها أن تؤدي إلى زيادة في تدفق المهاجرين.

وأصبحت ليبيا جراء الفوضى التي عصفت بها منذ العام 2011، في مقدمة الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا، وخاصة ايطاليا التي تشكو من كونها تتحمل العبئ الأكبر بإستيعاب المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها، وهو ما دفعها إلى السعي إلى إبرام إتفاقيات مع عدة أطراف للحد من تدفق المهاجرين إلى أراضيها.

ويخشى الأوروبيون من تزايد أعداد المهاجرين إلى القارة العجوز ضمن مراكب الهجرة غير الشرعية في ظل تواصل الفوضى في ليبياوعجز السلطات عن كبح جماح عصابات التهريب. وسبق أن قالت المنسقة الأوروبية للسياسة الخارجية فيدريكا موغيريني، في يوليو /تموز الماضي:"نريد أن نقدم الدعم للسلطات الليبية، بالتزامن مع مهمة صوفيا التي نقوم من خلالها بدور كبير في تدريب خفر السواحل في ليبيا".

ولم تستقر الأوضاع بعد في ليبيا بعد بالرغم من احسار نفوذ الجماعات المسلحة وتراجع حدة المواجهات المسلحة في عدة مناطق.ويمثل عدم الاستقرار الأمني وعجز مؤسسات الدولة التي لم تحكم بعد سيطرتها على كل مفاصل البلاد وخاصة على المليشيات المسلحة، مدعاة لتواصل مخاوف الدول المعنية مباشرة بما يحدث هناك نظرا لانعكاس هذه الأوضاع وتأثيرها على استقرارها وأمنها.