منذ أحداث فبراير 2011،تعيش ليبيا على وقع فوضى معمّمة أفرزت حالة من الإنفلات الأمني المستمر هذا الواقع كان نتيجة حتمية لعدم الإستقرار السياسي و العجز عن إرساء مؤسسات سياسية مستقرة ممّا أثّر بشكل مباشر عن الوضع العام بالبلاد حيث تعطّلت العجلة التنموية و تردّت الوضعية المعيشية للمواطن الليبي.
إلى ذلك،تعيش البلاد منذ سنوات على وقع صراع الميليشيات حيث تفاقمت وتيرة الخلاف بين مسلحي طرابلس ومصراتة إثر تلاشي تحالفهم الوقتي تحت يافطة حكومة الوفاق.
هذا الخلاف كان نتيجة حتمية إثر بروز حالة من الصدام بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا إذ يمثّل كلاهما تيارين مختلفين فالتيار الأول تمثله مصراتة بميلشياتها بقيادة باشاغا، والآخر تمثله طرابلس بميليشياتها، وتدين بالولاء للسراج.
ومثّل إيقاف وزير الدّخلية عن العمل و أمر السرّاج بإجراء تحقيق بشأن الاعتداءات التي استهدفت المتظاهرين مقابل اتهام باشاغا ميليشيات تابعة للسراج بمهاجمة المحتجين السلميين، كما قام باستبعاده من اجتماعين أمنيين رفيعي المستوى النقطة التي قدحت الصراع المعلن بين الطرفين الذي لم يفتئ أن يترجم على الأرض.
ففي شهر سبتمبر،بالتزامن مع زيارة باشاغا لتركيا أعلنت ميلشيات مصراتة النفير، وتموضعت في طرابلس، بغية حماية باشاغا حين عودته كما عبّرت الكتيبة 166 التابعة لدفاع الوفاق عن استعدادها للخروج عن الحكومة في صورة إبعاد باشاغا عنها.
في ذات الإطار،قال المتحدث بإسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن الصراع بين مسلحي الميليشيات في غرب البلاد ، يكشف عن المخاطر التي تتهدد السلم الأهلي، ويؤكد صواب موقف الجيش الداعي الى حل الميلشيات وجمع السلاح.وتابع أن مسلحي الميلشيات لا يلتزمون بالقانون ولا يعترفون بمفهوم الدولة ، وهم في غالبيتهم الساحقة من الإرهابيين والمرتزقة والمجرمين المتورطين في قضايا تستوجب محاكمتهم.
كما أعلنت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية الليبية إدانتها الشديدة للانفلات الأمني في العاصمة طرابلس، بسبب سيطرة المليشيات والصراعات المسلحة بينها في المناطق السكنية.
في تعبيرة أخرى عن الفوضى المستشرية في البلاد،تفاقمت حالات الإختطاف التي تستهدف الأجانب بالأساس حيث تعتبر من أكثر الجرائم إنتشارًا في ليبيا في ظل حالة الإنقسام السياسي الذي تعيشه البلاد من أكثر من تسع سنوات.
ففي نوفمبر 2015، تم اختطاف السفير الصربي وزميله الدبلوماسي عندما أوقفت مجموعة مسلحة قافلتهم فضلا عن اختطاف مجهولين عمالا فيليبينيين وعاملا كوريا من أحد مواقع مشروع النهر الصناعي جنوب البلاد سنة 2018.
الجمعة الماضي،أكدت الخارجية الهندية اختطاف 7 من رعاياها في ليبيا على يد مجهولين بالقرب من العاصمة طرابلس خلال توجههم إلى المطار لمغادرة البلاد.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية الهندية أنوراغ سريفاستافا، أن حادثة الاختطاف وقعت في منطقة الشويرف الواقعة جنوب غرب ليبيا في 14 سبتمبر الماضي، وذلك أثناء توجه الرعايا الهنود إلى مطار طرابلس للعودة إلى بلادهم.
الإختطاف لا يمكن تصنيفه بأنه حوادث معزولة حيث أصبح ظاهرة و هناك من يتحدّث أنه أصبح تجارة تدرّ الكثير من الأموال في إطار الحصول على الفدية حيث تفرّقت عصابات السطو و الخطف على كامل أنحاء البلاد و تتواتر عمليات إختطاف الأجانب بما أن عملية الإبتزاز أسهل لما يتخذه الأمر من بُعد إعلامي واسع.
هذا لم يعرفه حدوده في ظل إستشراء الإفلات من العقاب و تهاوي المنظومة الأمنية و القضائية ما جعل المجال مفتوح أمام حكم العصابات.
إلى ذلك،أشارت بعثة الأمم المتحدة في بيان لها في وقت سابق، إلى أن "انهيار نظام العدالة الجنائية لم يترك للضحايا والعائلات سبيلاً لجبر الضرر، حيث إن احتجاز الرهائن واختطاف المدنيين وتعذيبهم وقتلهم من جرائم الحرب التي يجب أن تتعقبها العدالة الجنائية" داعية ًالأطراف الليبية إلى ضرورة معالجة قضية المفقودين والمختطفين كأحد تدابير بناء الثقة للوصول إلى تفاهمات سياسية، وصولا إلى سيطرة فعلية على الأرض تمنع تلك الجرائم وتضمن سلامة المواطنين.


عدم توحيد المؤسسات و حالة الصراع السياسي المتواصل جعل من الحدود الليبية وجهة مغرية لتجار البشر لتكون محطة الوصل و العبور بين إفريقيا و أوروبا،ما فتح المجال لهم لاستغلال ظروف عيش قاسية تمر شعوب إفريقيا جنوب الصحراء لتحقيق ثراء سريع بشكل ينتهك حرمة البشر.
فحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر في وقت سابق فإن اللاجئين الذين تضمهم مراكز الاحتجاز الليبية، معظمهم من دول تشاد والنيجر والسودان وإريتريا والصومال وغامبيا ومالي ونيجيريا والسنغال وتوغو، بالإضافة إلى دخول أعداد كبيرة من مصر وباكستان وبنجلاديش، من الباحثين عن فرصة للسفر إلى أوروبا عن طريق البحر، في رحلة هجرة غير شرعية.
هذا التدفّق المتسارع للمهاجرين جعل من مراكز الإيواء ،التي عجزت عن استقبال العدد الكبير من الوافدين و توفير الحد الإنساني،تمثّل كابوسًا حقيقيا.
من ذلك،كشف تقرير صادر عن منظمة إنسانية بشاعة و لاإنسانية المعاملة التي يتعرض لها المهاجرين داخل أسوار مراكز الإحتجاز تمثل في تعرض مهاجرات حوامل لإجهاض قسري داخل معسكر احتجاز قرب العاصمة الليبية طرابلس.
وقال تقرير منظمة "أمل البحر الأبيض المتوسط"، التي تنفذ برنامجًا للاجئين والمهاجرين بتمويل من اتحاد الكنائس الإنجيلية في إيطاليا، إن "الرجال والنساء يوضعون في زنازين منفصلة، وفي الليل يقوم 4 حراس يتبعون لميليشيا حكومية بجلب واحدة من النساء واغتصابها بشكل متكرر"، مشيرًا إلى أن ذلك تم "لأكثر من عام".
في ذات الإطار،قالت وزارة الأميركية إن المهاجرين في ليبيا معرضون بشدة "للدعارة والعمالة"، بمن في ذلك "أولئك الذين يبحثون عن عمل في ليبيا أو يعبرونها في طريقهم إلى أوروبا"، مؤكدة عدم تحرك القضاء الليبي لإدانة مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر بمن فيهم ضد مسؤولين.
ويشير تقرير الخارجية الأميركية إلى تعاون وتنافس جماعات مسلحة مختلفة وعصابات وشبكات إجرامية ومهربين في تهريب المهاجرين والاتجار بهم إلى ليبيا مرتكبين انتهاكات جسيمة بحقهم.كما لم يخفي مراقبين دوليين من خلالهم إفاداتهم تواطئ العديد من الجهات الرسمية الليبية في عمليات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، بمن في ذلك مسؤولو خفر السواحل الليبيون وعناصر الجماعات المسلحة المدمجة رسميًا في مؤسسات الدولة.
قصارى القول،يرى مراقبون أن مختلف تمظهرات الأزمة التي برزت في مجالات مختلفة مردّها و مأتاها واضح هو إختلال هيكلي في مؤسسات الدولة ناتج عن صراع سياسي إتخذ منحى مليشيوي مغلف بدوافع قبلية ما جعل إمكانية إضفاء مؤسسات مستقرة تسهر على راحة الليبيين أمر مازال بعيد المنال خاصة في ظل تغلغل دول أجنبية من خلال وكلائها في الداخل الليبي ليس من مصلحتها عودة الإستقرار و إرسائ المصالحة الوطنية الشاملة.