تطرَق المؤرخ الإيطالي وكاتب سيرة معمر القذافي، أنجيلو دي بوكا في حوار أجراه معه الموقع الإيطالي "نيابوليس" - موقع إيطالي يهتم بالشأن السياسي والاقتصادي والجيوسياسي والثقافي تأسس في 15 سبتمبر 2014 -، أمس 1 أكتوبر 2014، إلى تدهور الأوضاع في ليبيا غداة سقوط نظام معمر القذافي، والمقارنة بين ما كانت عليه ليبيا قبل الحرب سنة 2011 وما تشهده الآن.

 وذكر أن ما تعيشه ليبيا من اضطرابات وفوضى، تعد نتيجة الحملة العسكرية التي شنتها قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) للإطاحة بالنظام آنذاك، مشيرا إلى أن البلاد تتجه نحو "الصوملة"، في ظل مساهمة أطراف إقليمية في تأجيج الصراع الحاصل بين الأطراف المتنازعة في البلاد.

فوضى

 وأشار أنجلو دي بوكا إلى أن مقتل القذافي سنة 2011 بدل إيجاد تسوية سياسية، كان من أكبر الأخطاء، حيث أصبحت البلاد تعاني من الانقسام بعد الإطاحة بالنظام، مبينا أن القذافي كان قد تمكن من السيطرة، وخلق حوار بين قرابة 140 قبيلة  كما حفاظ على علاقات جيدة معا وفيما بينها.

 وأوضح أن ليبيا كانت بلدا آمنا ومستقرا ولا يمثل تهديدا لأوروبا، مثلما هو حاصل الآن جراء تفاقم التهديدات "الجهادية" تجاه القارة القديمة، مبيَنا أن الحملة العسكرية التي شنت ضد القذافي، كانت لخدمة مصالح أوروبية معينة، وخاصة فرنسا التي كانت تربطها علاقات جيدة معه، لا سيما وأن هناك معلومات تفيد بأن القذافي موَل حملة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بـ50 مليون يورو، متسائلا : هل كان مقتل القذافي لإخفاء هذا الأمر؟

 وتابع أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر -الذي أمضى 20 سنة من حياته في الولايات المتحدة، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد القذافي-، لم يتمكن إلى حد الآن من دحر "الميليشيات الإسلامية"، كما لا يوجد في ليبيا سلطة قوية قادرة على السيطرة وبسط الأمن، لأن هناك المئات من "الميليشيات المسلحة" تتنافس للحصول على الأراضي والأموال التي تتأتَى من النفط، فما دامت هذه "القوات" لم تنزع سلاحها لن تستقر ليبيا، ولن  تكون هناك إمكانية لحلول سياسية، وفق تقدير المؤرَخ الإيطالي.

حرب

 ولفت المؤرخ الإيطالي إلى أنه يمكن القول إن ليبيا قد أصبحت "صومال جديد"، ومقسمة، في ظل وجود الكثير من الأسلحة في مناطق مختلفة من البلاد، وأوضح أن جزءا من مأساة ليبيا هو هذا الانتشار الكبير للأسلحة، قد تركها نظام القذافي.

وفي ما يتعلق بـ"الميليشيات الإسلامية"، يعتقد "دي بوكا" أنها قوية جدا، وأن اللواء المتقاعد خليفة حفتر غير قادر على التصدي لها، كما يستبعد في نفس الوقت حصول تدخل عسكري أجنبي من أجل  حل الأزمة الحاصلة، مشيرا إلى أن ليبيا يوجد بها الآن برلمانان، برلمان في طرابلس عيَن عمر الحاسي المقرب من "الإخوان المسلمين" رئيسا للوزراء، وآخر في طبرق كلَف عبد الله الثني برئاسة الحكومة الجديدة، لافتا إلى أن ليبيا تشهد أيضا حربا بالوكالة.

 

وأوضح أن المؤسسة العسكرية في مصر والإمارات العربية المتحدة جنبا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية، يؤيدون ما وصفه بـ"الانقلابي" حفتر و"الميليشيات" التابعة له، ورئيس الوزراء عبد الله الثني ومجلس نواب طبرق ، الذي اعترفت القاهرة بشرعيته، رغم أنه لم يتمَ احترام الإجراءات أثناء التصويت في الانتخابات.

من جهة أخرى، استأنف المؤتمر الوطني العام الذي يهيمن عليه "الإسلاميون" أشغاله في العاصمة طرابلس خاضعا لسيطرة "ميليشيات مصراتة" التي تدعمها قطر عسكريا، كما شهدت المواجهات المسلحة بين كلا الطرفين تدخَلا من قبل مصر والإمارات، من خلال شن غارات جوية على مواقع "الإسلاميين."

 وذكر أن الولايات المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة قد أدانت هذا التصعيد، ورغم ذلك فقد وقفت هذه القوى الكبرى مع من وصفهم "بقادة الانقلاب"، هذا ويؤيد  مبعوث الأمم المتحدة الجديد، برناردينو ليون مجلس النواب والحكومة في طبرق.

وأوضح المؤرخ الإيطالي أن غارات طرابلس تمثَل صفحة جديدة في الصدام بين "المستبدين العرب" و"الحركات الإسلامية" التي تسعى للإطاحة بالأنظمة القديمة، فبعد الانقلاب في مصر، تحالفت الحكومة الجديدة مع الإمارات والسعودية، حيث تشن حملة دبلوماسية وإعلامية وعسكرية عبر تسليح "الميليشيات" التابعة لها في المنطقة، من أجل القضاء على "الإسلاميين."

قبل الحرب

 وأشار دي بوكا إلى أن ليبيا قبل أربع سنوات كانت تحافظ على نمو مرتفع، فمتوسط الزيادة السنوية من الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى 7.5%، كما كان التعليم متاحا للجميع، وأضاف  أنه رغم وجود تفاوت بين الطبقة الغنية والفقيرة، وهو أمر لا يقتصر على ليبيا فقط، نجد مستوى العيش هناك أفضل بكثير من البلدان الأفريقية الأخرى، هذا وكان يعمل في البلاد حوالي 2 مليون مهاجرا من دول جنوب الصحراء الكبرى والقرن الأفريقي.

وأوضح أن ليبيا كانت تعمل وتموَل لبناء ثلاث مؤسسات اقتصادية تابعة للاتحاد الأفريقي هي كل من: بنك الشعب للاستثمار ومقره طرابلس، وصندوق النقد الأفريقي مقرَه ياوندي (الكاميرون) والبنك المركزي الأفريقي في أبوجا (نيجيريا)، ويرجح أن تطوير هذه البنوك الثلاث كان من يمكن أن يخرج أفريقيا من سيطرة  البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقد كان القذافي يسعى إلى تحقيق الاستقلال المالي في أفريقيا، ويبدو أن هذا الطموح مثل تهديدا مباشرا لمصالح القوى الغربية في إفريقيا وعلى رأسها فرنسا ، التي لا تريد فقدان سيطرتها على مستعمراتها القديمة، ما دفع أيضا إلى القضاء عليه، وفق تقديره.