تعتبر الفوضى الأمنية مشهدا يرسم الأوضاع اليومية في ليبيا منذ العام 2011، ومثل إنتشار السلاح في البلاد لعنة تهدد بإراقة المزيد من دماء الليبيين، خاصة مع وجود الميليشيات المختلفة التي دخلت في صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة في غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون. 

ومع تواصل تغول الميليشيات، تتصاعد المخاوف من عودة مسلسل العنف الذي يهدد البلاد، وهو ما دفع  أحمد أبوالغيط،  الأمين العام لجامعة الدول العربية،  السبت، للدعوة إلى "حل شامل لمشكلة الميليشيات المسلحة الليبية"،  محذرا من أن عدم الحل لن يضمن الإتمام الناجح للاستحقاقات الانتخابية المنتظرة. 

وجاء ذلك في بيان للجامعة العربية عقب لقائه المبعوث الأممي إلى ليبيا،  غسان سلامة،  الذي قام بزيارة إلى القاهرة،  لبحث "سبل حلحلة الأزمة الليبية والتوصل إلى تسوية متكاملة للوضع في البلاد وبشكل يفضي إلى إتمام الاستحقاقات الدستورية والانتخابية"

وشدد أبوالغيط على "ضرورة التوصل إلى حل جذري وشامل ودائم لمشكلة الميليشيات المسلحة (لم يسمها) التي تعمل خارج سلطة الدولة".  وأشار إلى أنه بدون هذا الحل "لن يتسنى تحقيق التقدم المأمول على صعيد المسار السياسي وضمان الإتمام الناجح للاستحقاقات الدستورية والانتخابية المنتظرة"

. ووفق البيان "اتفق أبوالغيط وسلامة على أهمية الاستمرار في جهود بناء الثقة بين الأطراف الليبية،  وتشجيعها على تجاوز خلافاتها والتوافق على الخطوات والإجراءات والقواعد اللازمة لتنظيم الاستحقاقات المتبقية وفق إطار اتفاق الصخيرات"

وأبدى أبوالغيط وسلامة، "تطلعهما لمواصلة هذا العمل المشترك في إطار المجموعة الرباعية المعنية بليبيا والتي تجمعهما مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي،  والتي يجري الترتيب لانعقاد اجتماعها المقبل"،  دون تحديد موعد.  كما اتفقا على أهمية أن يكون الملتقى الجامع الوطني على الأراضي الليبية،  وأشارا إلى أن الملتقى لم يؤجل ولكن لم يحدد له تاريخ بعد. 

وينتظر الليبيون صندوق الاقتراع لتوحيد بلادهم وإحداث تغيير سياسي فيها،  لكن هذا الانتظار ممزوج بقلق من استحالة الوصول إلى هذه النتائج،  طالما لن تتوفر إلى حد الآن الظروف المواتية. وألمح الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا،  غسان سلامة،  إلى إمكانية تأجيل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا،  مشيراً إلى أن الأزمة تحتاج إلى تسوية تاريخية شاملة"

وقال سلامة،  رداً على سؤال حول إمكانية إجراء انتخابات رئاسية في الربيع المقبل،  إنه ليس مع إجراء انتخابات في ليبيا،  الآن؛ لأنها قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة. وقال إن "الليبيين يريدون انتخابات،  ونحن نقول مرحباً بالانتخابات،  والانتخابات النيابة آن أوانها"،  مضيفاً:"لكن نريد انتخابات في أسرع وقت،  ولكن يجب أن تكون حلاً للمشكلة وليست تفاقماً للأوضاع بليبيا"

وأضاف:"لا بد من شروط أساسية نعمل عليها،  منها وجود قانون ينظم ذلك،  والتزام من الجميع بما تسفر عنه النتائج،  حتى لا نجري انتخابات تفاقم الأزمة"

ويدور الحديث عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية هذا العام بين أوساط الليبيين،  كما تناقش الأمم المتحدة منذ أشهر مع الأطراف الفاعلة في الداخل الليبي وتحاول أن تدفع بهم لإجراء الانتخابات بأقصى سرعة،  لكن هذا الأمر يواجه على الأرجح صعوبة كبيرة في تهيئة الظروف المواتية لهذا الاستحقاق الانتخابي خاصة في ظل تواصل الانفلات الأمني في العاصمة الليبية. 

  واهتز جنوب العاصمة الليبية، منتصف يناير الماضي، على وقع اشتباكات بين "قوة حماية طرابلس"،  وهي تحالف عسكري يضم مليشيات مسلحة من المدينة،  و"اللواء السابع مشاة" من ترهونة (غرب). وأدت الاشتباكات إلى مقتل 16 شخصا وجرح 65 آخرين،  بحسب وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق الليبية. 

وعقب 5 أيام من الاشتباكات توصل أعيان وشيوخ قبائل من مدينة بني وليد الليبية إلى اتفاق لوقف إطلاق نار بين قوات اللواء السابع وقوة حماية طرابلس. ونص الاتفاق على إطلاق سراح المحتجزين من الطرفين، وعدم خروج أي آلية مُسلحة من ترهونة إلى طرابلس وإظهار حسن النية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار. 

وأفسدت هذه المعارك اتفاقاً لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه،  في سبتمبر الماضي،  برعاية الأمم المتحدة،  بعد مواجهات خلفت 117 قتيلاً وأكثر من 400 جريح،  بين نهاية أغسطس وسبتمبر الماضيين. وألقت الضوء على فشل الترتيبات الامنية التي أطلقتها حكومة الوفاق بهدف إرساء الأمن داخل العاصمة الليبية بقوات شرطة نظامية،  وإنهاء دور الميليشيات المسلحة. 

ويرى العديد من المراقبين أن الترتيبات الأمنية ليست سوى تلاعب بالألفاظ والمسميات تعود من خلالها المليشيات مجدداً،  تحت أي مسمى رسمي جديد لفرض نفوذها وتدعيم مصالحها ومواصلة عرقلتها واجهاضها لأي محاولة لارساء الأمن والاستقرار في البلاد. 

وطبقاً للخطة الأممية،  كان من المفترض أن يعقد المؤتمر الوطني الليبي الجامع شهر يناير الماضي،  ولكن وقع تأجيله إلى موعد غير محدد،  بسبب تردي الأوضاع الأمنية وعدم توصل المبعوث الأممي إلى إقناع كل الأطراف الليبية بالجلوس على طاولة واحدة وعقد مصالحة شاملة. 

وتنص خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن الأزمة الليبية على 3 مراحل،  تبدأ بتعديل الاتفاق السياسي،  ثم عقد مؤتمر وطني جامع وإجراء حوار مع التشكيلات المسلحة بهدف إدخالها في الحياة السياسية والمدنية وتوحيد الجيش الوطني،  لتنتهي بصياغة مشروع الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. 

وتركز اهتمام المجتمع الدولي والداخل الليبي على خيار الانتخابات فقط، لكن الكثيرين يعتقدون بصعوبة إجرائها. وفي هذا السياق، نقلت "العربية. نت"، عن المحلل السياسي كمال الشريف، قوله إن "أكبر خطر هو إجراء انتخابات في ليبيا،  قبل إزالة المسائل الخلافية بين الفرقاء ووضع الأسس القانونية للانتخابات وبذل الجهود لجمع السلاح وتركيز المؤسسات الأمنية الكفيلة بحمايتها"،  موضحاً أنه "إذا ما تم استبعاد أحد هذه العناصر فإن ليبيا ستدخل منعطفا لا يمكن الخروج منه"

وسجل أكثر من مليونين و400 ألف ليبي العام الماضي للمشاركة في الاقتراع والمساهمة في نقل ليبيا من الفوضى إلى الدولة. ويبدو تنظيم انتخابات جديدة في البلاد لتجاوز الانقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية المستمرة منذ سنوات الخيار الأمثل للخروج من الوضع المتأزم.  بيد أن حرب الميليشيات وتباعد الرؤى السياسية بين الأطراف الفاعلة في بلادهم وغياب الترتيبات الأمنية والقانونية،  تجعل من الانتخابات خيارا صعبا.