بعد سقوط نظام القذافي عام 2011 ضربت الفوضى ليبيا وسيطرت الميليشيات والفصائل المسلحة على هذا البلد، ورغم المساعي الدولية الحثيثة للتوصل لحل ينتهي بالبلاد إلى الاستقرار إلا أن المكابرة الداخلية وصراعات النفوذ الخارجية أبت دون ذلك.

إذ لم تثمر الجهود الدولية في الفترات السابقة عن إيجاد حل للقضية الليبية، وجميع المفاوضات عجزت عن إيجاد مخرجات نهائية تجعل الوضع مستقرا، بسبب الصراع الدولي المحتدم، ورغبة الأطراف المتنازعة في الاستحواذ على مقدرات الشعب الليبي وثرواته.. لذلك فشلت جهود مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة في إيجاد صيغة نهائية ترضي الأطراف المتصارعة المحلية، ووضع صيغة نهائية للأزمة الليبية.

تعد كل من إيطاليا وفرنسا من أبرز الدول المتدخلة في الشأن الليبي بحكم عدة أهداف، طبيعة القرب الجغرافي، وما يتمخض عنه عدة أهداف تتعلق بالأمن القومي لكل دولة على حدة، فيما يخص الهجرة غير الشرعية؛ والتي تعد ليبيا البوابة الأولى لتلك الهجرة، إضافة إلى المصالح الاقتصادية لهما عبر تدفق النفط الليبي إلى داخل القارة الأوروبية، ناهيك عن الشركات الإيطالية والفرنسية العاملة في استخراج النفط الليبي.

وقد أوصل تضارب المصالح الاقتصادية في ليبيا إلى تنافس بين إيطاليا وفرنسا، بالنسبة لإيطاليا، ترى لها الأحقية في الاستفادة على أوجه أكمل من النفط الليبي بحكم تاريخها الاستعماري في ليبيا، إضافة إلى القرب الجغرافي بين البلدين؛ ما يجعل من ليبيا بلدًا ذا أهمية كمجال حيوي في دوائر أمن إيطاليا القومي القريبة، وروما هي المستورد الأكبر للنفط الليبي، كما تستورد من طرابلس جزءًا من احتياجات الغاز الطبيعي والعلاقات التجارية خارج مصادر الطاقة بين البلدين ذات مردود في الميزان التجاري لصالح إيطاليا، فليبيا مستورد مهم للسلع الإيطالية على تنوعها.

وفي الناحية الأخرى، تأتي فرنسا، والتي حازت على تقدم دبلوماسي بين كل من حكومة فايز السراج وخليفة حفتر قائد الجيش الليبي، وتسعى فرنسا في تدخلها بليبيا في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، عبر الحفاظ على حصة شركة توتال الفرنسية من المخزون النفطي بحقول الغاز الليبي، ومن المعروف أن شركة توتال كانت قد فازت بعقد لاستثمار الغاز في حوض نالوت عام 2010 إلا أن ليبيا في مرحلة لاحقة فسخت هذا التعاقد بعد جدل قانوني.

وفي تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الشهر الماضي ذكر أن هناك مجموعة من أصحاب المصلحة الدوليين بما في ذلك الصين وروسيا وإيطاليا وفرنسا وبعض الدول العربية قد شاركوا في النزاع، واستمروا فيه على الرغم من أنهم يبحثون سبل إبطاء تدفق المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا ويبحثون في استقرار ليبيا حتى لا توجد مبررات للتدخل الأجنبي رغم أنهم مدفوعون أيضًا باحتمال وجود عقود إعادة بناء مربحة.

إن العقود الأكثر تنافسًا هي عقود صناعة النفط الليبية والتي من المتوقع أن تضاعف إنتاجها بحلول عام 2023 وخاصةً في مشاريع البنية التحتية والتي تعزز موقع ليبيا الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط.

على سبيل المثال تطالب القوى الأجنبية بالسيطرة على حقلي الشرارة والفيل النفطيين واللذين يقعان في الهلال النفطي جنوب ليبيا وكذلك يبحثون طرق السيطرة على رواسب النفط البحرية التي تحتفظ بها حكومة الوفاق الوطني مع الوصول إلى الموانئ الحيوية مثل بنغازي ورأس لانوف.

وفي تطور ملحوظ للتوجهات الدولية بشأن الملف الليبي، أعلن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، الثلاثاء، عن اجتماع وزاري بشأن ليبيا في الأمم المتحدة، الأسبوع المقبل. وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره المصري سامح شكري بالقاهرة، في إطار زيارة (غير محددة المدة) يجريها لودريان لمصر، لبحث قضايا وملفات إقليمية ودولية.

وكشف لودريان عن "عقد اجتماع عن ليبيا، الأسبوع المقبل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجمع وزراء خارجية الدول المعنية بالأزمة الليبية (لم يحددها)".

وقال الوزير الفرنسي إن الأزمة الليبية تثير القلق في فرنسا ومصر، واصفًا الاجتماع بأنه أمر ملح وطارئ.

من جانبه، التقى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، أمس الأربعاء، بالعاصمة الايطالية روما، رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي بحضور عدد من المسؤولين الايطاليين والليبيين.

وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أن المحادثات التي جرت بمقر الحكومة (قصر كيجي) وسط العاصمة، تناولت مستجدات الوضع في ليبيا وعدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك.

في نفس الإطار، يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة إلى إيطاليا، هي الأولى منذ نهاية التحالف الحكومي بين الشعبويين واليمين المتطرف ورحيل زعيمه ماتيو سالفيني عن وزارة الداخلية.

وأكد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي أن تحقيق الاستقرار في ليبيا، سيكون في بؤرة النقاش خلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأضاف في بيان "لا تزال الأزمة الليبية مصدر قلق شديد بالنسبة للحكومة الإيطالية ويمثل حلها مصلحة قومية مهمة".

ويرى مراقبون أن سقوط حكومة كونتي التي كانت تدعم حكومة الوفاق، سيؤدي لضعف السراج وتسهيل عملية تحرير طرابلس أمام الجيش الليبي.

ورجح الخبراء تغير الموقف السياسي الإيطالي تجاه ليبيا عامة والأوضاع السياسية بها مع تشكيل حكومة جديدة في روما، مؤكدين أن الاستقالة جاءت بعد فشل كونتي في إدارة ملف الهجرة غير الشرعية القادمة من ليبيا.