قد لا يطول أمد انتعاش قطاع النفط الليبي في ظل المواجهة بين الجماعات المسلحة التي تُنذر بتقطيع أوصال البلاد بعد مرور 3 سنوات على سقوط نظام معمر القذافي.

وارتفع إنتاج النفط اللّيبي إلى 650 ألف برميل يومياً إلى 5 أضعاف مستواه قبل شهرين، في نجاحٍ نادرٍ يُحققه الاقتصاد في وقت تتقاتل فيه الجماعات المسلحة ويتنازع برلمانان السيطرة على البلاد.

وقال القائم بأعمال وزير النفط المستقيل عمر الشكماك :"إن الإنتاج قد يزيد إلى مليون برميل يوميا في وقت لاحقٍ، ليقترب من 1.4 مليون برميل يومياً أي قبل اندلاع الاحتجاجات التي أصابت القطاع بالشّلل في يوليو( تموز) 2013".

ويُمكن لهذا التطور أن يُعطي دفعاً قوياً للاقتصاد الليبي المتعثر خاصة بعد أن اضطر البنك المركزي إلى السحب من احتياطات النقد الأجنبي لتلبية احتياجات البلاد.

مخاطر
و لكن أهداف الدولة مُعرضة للفشل بسبب صراعات الفصائل والقبائل المختلفة التي تنذر بالتحول إلى حربٍ أهليةٍ.

وجاءت الزيادة الأخيرة في الإنتاج بعد أن نفذت مجموعة من المحتجين المطالبين بالحكم الذاتي لمنطقتهم اتفاقاً على إعادة فتح موانئ رئيسية في شرق ليبيا مثل السدرة.

غير أن ديرك فانديفال الخبير في شؤون ليبيا قال إن زعيم المحتجين المطالبين بالحكم الذاتي إبراهيم الجضران قد يُغلق الموانئ مجدداً بعد سيطرة جماعة مسلحة أخرى من مصراتة غرب البلاد على العاصمة طرابلس ومطالبتها بعودة المؤتمر الوطني العام اللّيبي (البرلمان السابق) ورفضت الاعتراف بمجلس النواب الجديد.

وللإشارة تدعم جماعة الإخوان المسلمين بعض مقاتلي مصراتة.

ورداً على ذلك قد يسعى المطالبون بالحكم الذاتي المؤيدون للفيدرالية إلى بسط نفوذهم على صادرات النفط وعلى الاقتصاد برمته.

وقال فانديفال مؤلف كتاب "تاريخ ليبيا الحديثة" :"يوجد دائماً احتمال أن ينتهز أنصار الفيدرالية الفرصة ليعيدوا ترسيخ أنفسهم".

ورغم بقاء القتال الجديد بعيداً عن حقول وموانئ النفط الليبية، إلاّ أن العنف المتصاعد في بنغازي شرق البلاد على سبيل المثال قد يطال بعضها وهي التي لا يبعد سوى 100 كليومتر عن ميناء الزويتينة النفطي.

ومن جهتها قد تقوم بعض العناصر الساخطة الأخرى بإغلاق خطوط الأنابيب المؤدية إلى الحقول الغربية لقطع التمويل عن المؤتمر الوطني العام. 

ويقول بعض المحلّلين إن حراس الأمن المكلفين بحماية المنشآت النفطية من نفس المنطقة نظموا احتجاجات قبل انتخابات يونيو(حزيران) لإغلاق حقل الشرارة أو حقل الفيل.

وقال أحد تجار النفط إن وجود برلمانين قد يشكل مخاطر قانونية إذا أصدر المؤتمر الوطني العام أوامر للبنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. 

ولا يتمتع مجلس النواب وكبار المسؤولين بأي سلطة في العاصمة بعد أن غادروا إلى طبرق في الشرق فراراً من القتال.

وأضاف "ستحدث مشكلة لو أمر المؤتمر الوطني العام البنك المركزي بتحويل إيرادات النفط، ولن يكون الوضع القانوني واضحاً للمشترين المحتملين للنفط اللّيبي."

وضع مالي صعب
يقول رئيس واحدة من أكبر الشركات الخاصة في ليبيا حسني "ب" إنه حتى مع تدفق صادرات النفط ستظل البلاد تسجل عجزاً تاريخياً في الميزانية بـ70% ما لم يرتفع الإنتاج إلى 1.6 مليون برميل يومياً بسعر 100 دولار للبرميل.

ويُذكر أن البرلمان صادق في يونيو(حزيران) على ميزانية بـ 49 مليار دولار على أساس إنتاج سنوي بـ 600 ألف برميل يومياً، لكن الإنتاج اقترب من 100 ألف برميل يومياً.

ولا تُصدر ليبيا بيانات حول صادراتها النفطية لكنها تحتاج إلى 140 ألف برميل يومياً من إنتاجها للمصافي المحلية.

وقال" ب" إن أزمة الميزانية تتفاقم بسبب مطالب بتغطية تكاليف الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والتي تتجاوز10 مليارات دينار بعد تدمير أسطول طائرات الركاب وحاويات تخزين الوقود في قتال استمر أكثر من شهر في طرابلس.

وأضاف أن الحكومة اضطرت إلى استهلاك المزيد من احتياطات النقد الأجنبي وبدأت في إصدار سندات إسلامية "صكوك" للبنوك المحلية.
ولم يتسنّ الحصول على تعليق من البنك المركزي بعد أن لزِم معظم الموظفين بيوتهم منذ أسابيع مثل غيرهم في معظم الوزارات، في حين فرّ محافظ البنك المركزي إلى مالطا.

ولم يُصدر البنك سوى بيانٍ مقتضبٍ لوسائل الإعلام المحلية قال فيه إن الاحتياطات تحسنت بفضل زيادة إنتاج النفط، دون الكشف عن التفاصيل بعد أن أشار في آخر بيانات للاحتياطيات الأجنبية إلى تراجعها إلى 109 مليارات دولار في نهاية يونيو (حزيران) من 130 مليار دولار في أغسطس (آب) 2013.

وقد يساهم ارتفاع فاتورة الواردات أيضاً في استنزاف الاحتياطات إذ تحتاج ليبيا إلى استيراد ما قيمته 30 مليار دولار من السلع الغذائية والاستهلاكية بسبب افتقارها إلى صناعات كبيرة غير النفط.

وقال" ب":"يتعذّر الوصول إلى مُعظم مستودعات المستوردين منذ حوالي 6 أسابيع بسبب القتال وبعض المشكلات الأخرى".

أسعار وصرف
وارتفعت الأسعار مع تعرض المستودعات للنهب ما أسفر عن نقص في البضائع ببعض المتاجر الكبرى في طرابلس.
وقال أحد السكان إن سعر علبة حليب الأطفال وصل إلى 8.57 دينار (7.03 دولار) مقابل7 دنانير في منتصف يوليو( تموز).

ومع إغلاق معظم البنوك لأسباب أمنية يصعب الحصول على العملة الأجنبية ووصل سعر الدولار إلى 1.60 دينار في السوق السوداء في طرابلس مقابل سعرٍ رسمي بـ 1.25 دينار.

ويُقدّر" ب" تكبد المشاريع الخاصة خسائر بملياري دينار مع تضرّر المصانع والمقاهي والمتاجر، ما دفع الشركات الأجنبية القليلة العاملة في ليبيا إلى مغادرة البلاد في ضربةٍ تعصف بآمال الحكومة بإقامة مزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص.