يعتبر الإشكال الأمني هو المتسبب في تعطل قطاع النفط في ليبيا منذ سنوات نظرا لانتشار المليشيات المسلحة وسيطرة البعض منها بمنطق القوة على عدد من الحقول النفطية مما تسبب في تنشيط حركة التهريب والاستغلال غير المشروع للكميات المنتجة،ناهيك عن الإغلاقات المتكررة للحقول النفطية وتسببها في خسائر كبيرة.

وتحسن الوضع الأمني في حقول النفط منذ سبتمبر/ أيلول مما ساعد في رفع إنتاج الخام إلى 1.3 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى منذ 2013 عندما بدأت موجة من الاحتجاجات والإغلاقات.لكن هذا التحسن لم يلغي التدهور الحاصل في مستوى المعيشة للمواطنين الليبيين وخاصة في الجنوب.


** مؤشر نمو

إلى ذلك،أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أن إيراداتها خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي بلغت 1.66 مليار دولار.وأوضحت المؤسسة، في بيان لها،الأربعاء،أن إيراداتها، التي بلغت 1.66 مليار دولار، جاءت من مبيعات الخام ومشتقاته، إضافة إلى الضرائب والإتاوات المحصلة من عقود الامتياز، محققة بذلك زيادة تقدر بحوالي 93 مليون دولار أمريكي (5.6%) مقارنة بالشهر السابق.

وشدد البيان علي أن المؤسسة الوطنية للنفط "قد دأبت على نشر إيرادات مبيعات النفط والغاز بصفة شهرية، حرصاً منها على تكريس مبدأ الشفافية وتعزيز ثقة الشعب"، داعية لارتكاز القطاع العام بأكمله، وكل الإدارات الحكومية على الشفافية، وذلك لضمان التوزيع العادل للإيرادات النفطية في جميع أرجاء البلاد. كما تدعو المؤسسة إلى تكريس مبدأ الشفافية في المجال الاقتصادي، باعتبارها العنصر الرئيسي لضمان استقرار ليبيا في المستقبل وللتوصل إلى أي تسوية سياسية دائمة.

وتتواصل المساعي لإعادة الانتاج بقطاع النفط الى مستويات ما قبل عام 2011،حيث قام رئيس مجلس إدارة المؤسسة، المهندس مصطفى صنع الله، بزيارة الى مجمع راس لانوف البتروكيماوي،السبت الماضي، برفقة عدد من أعضاء مجلس الإدارة، و مدير عام الأمن والسلامة والتنمية المستدامة، و مدير عام التفتيش والقياس بالمؤسسة. و تم خلال هذه الزيارة استعراض خطة الشركة لإعادة تشغيل الموقع، وأعطى "صنع الله" الإذن بالمباشرة في تنفيذ الخطة متعهدا بأن المؤسسة الوطنية للنفط ستدعم بقوة هذه الخطة وتوفير كل الميزانيات المطلوبة.

وعقد صنع الله خلال هذه الزيارة إجتماعاً مع آمر حرس المنشآت النفطية للمناطق الشرقية والوسطى اللواء ناجي حمد المغربي ، بحضور عددٍ من ضباط الجهاز .. حيث تم التأكيد على الحماية اللازمة للعاملين والمنشآت النفطية .. مشيدًا بدور حرس المنشآت النفطية في حماية المنشآت.

وفي وقت سابق، اتفقت مؤسسة النفط الليبية مع شركتي "إيني" الإيطالية و"بريتش بتروليوم" البريطانية على استئناف عمليات الاستكشاف في ليبيا. وقامت المؤسسة،في أكتوبرالماضي، بتوقيع اتفاقية ستعمل بموجبها كل من ايني وبريتش بتروليوم على استئناف أعمال الاستكشاف في ليبيا.وكان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، قد طمأن الشركاء الأجانب للمؤسسة بعد الهجوم الإرهابي على المقر الرئيسي في طرابلس أن مستويات الإنتاج لن تتأثر وأن المؤسسة تحتفظ بكامل البيانات في أرشيف إلكتروني حديث وأن الحقول تعمل بشكل جيد.


** احتجاجات الجنوب

وفي غضون ذلك،تحدثت تقارير إعلامية عن تصعّيد في مدن الجنوب الليبي، في مواجهة السلطات بالعاصمة طرابلس،وسط غضب ماطنين ونشطاء وتهديدهم بإغلاق حقل الشرارة النفطي، إذا لم يتم الاستجابة لجميع مطالب المنطقة المتمثلة في تحسين القطاع الصحي، وإعادة تشغيل محطة أوباري الغازية، مع وقف عمليات الخطف والابتزاز للمواطنين، والإخفاء قسراً.

وقالت صحيفة "الشرق الأوسط"،أن حراك "غضب فزان"، الذي يضم شبابًا من مختلف مدن الجنوب،قال خلال اعتصام أمس أمام حقل الشرارة في حوض مرزق، إنهم أمهلوا في السابق حكومة الوفاق، التي يترأسها فائز السراج، حتى 25 من أكتوبر الماضي، لكنهم اضطروا إلى تمديد المهلة حتى الحادي عشر من الشهر الحالي، إلا أنه لم يتم الاستجابة إلى مطالبهم حتى الآن، حسب تعبيرهم.

وتوعد الحراك في بيان تلاه أحد قادته بتعطيل حقل الشرارة النفطي بشكل نهائي عن الإنتاج خلال أسبوع، حال عدم تنفيذ مطالب أهالي الجنوب، فيما واصلوا نصب الخيام أمام الحقل للدخول في إضراب طويل المدى، بعد منعهم من دخوله من قبل رجال الأمن.

ويشتكي سكان الجنوب الليبي الإقصاء والتهميش منذ سنوات فضلاً عن غياب الأمن في المنطقة، التي باتت ملاذا آمناً للجماعات المسلحة العابرة للحدود.ونقلت الصحيفة عن روزّي عبد السلام، الذي ينتمي إلى مدينة أوباري،قوله إن حراك "غضب فزان" يضم جميع أطياف المجتمع الجنوبي، ويستهدف حث الحكومة على حل أزمات المنطقة، من غلاء المعيشة، وشح المواد البترولية، وتعرض المواطنين للخطف والمساومة من عصابات تشادية.

وأضاف عبد السلام أن "ثلث النفط الليبي يتواجد في أرض الجنوب"، ومع ذلك "فنحن محرومون من كل الخدمات الحكومية، وكـأننا نعيش في دولة ثانية"، لافتاً إلى أن الحراك الذي هاجمه رئيس المؤسسة الوطنية للنفط صنع الله، ليست له أغراض أو أهداف غير التقليل من معاناة المواطنين، وتوفير حقوقهم المشروعة، مثل السيولة النقدية في البنوك والمحروقات، وفرص عمل للشباب.وطالب عبدالسلام بضرورة "التحقيق مع حكومة الوفاق الوطني، والمجلس الرئاسي"، وسؤالهما عما قدما للجنوب خلال فترة حكمهما للبلاد.

وكرد فعل على الاعتصام، قال رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط إنه "لا يجب التسامح مع من يتسبب في خسارة الشعب الليبي مئات الملايين، أو مليارات الدولارات من عائدات إنتاج النفط، عن طريق التسبب في إغلاقه، لا لشيء سوى لتحقيق مصالح جماعات معينة". مضيفا في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية،أن خطر إغلاق الموانئ النفطية والتوقف القهري عن إنتاج وتصدير النفط الليبي لم ينته بعد.


** مطالبة بالتحقيق

ودائماً ما يطالب أعضاء مجلس النواب عن مدن الجنوب المختلفة سلطات البلاد بضرورة الالتفات إلى مطالب المواطنين، وإنقاذ الجنوب من براثن الجماعات المسلحة.وأشارت "الشرق الأوسط"،إلى دعوة مصباح دومة أوحيدة، عضو مجلس النواب عن مدينة سبها بجنوب ليبيا، أمس، المشاركين في حراك "غضب فزان" بالاستمرار في تصعيدهم إلى أن تستجيب السلطات لمطالب سكان الجنوب.

وقال أوحيدة:"استمروا يا شباب فزان في المطالبة بحقوقكم، فلا صنع الله ولا غيره يستطيع تكميم أفواهكم"، بما سماه "عنصرية مجحفة" ضد أهالي الجنوب. في إشارة إلى رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.وطالب أوحيدة، القائم بأعمال النائب العام في ليبيا، بالتحقيق مع صنع الله، والصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في طرابلس، وعبد المجيد حمزة رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء والمجلس الرئاسي.

وعزا ذلك إلى عدم توصيل الوقود إلى الجنوب، أو توفير الخدمات والسيولة والكهرباء، فضلاً عن "التلاعب بعوائد الاستثمارات والتحقيق في مجزرة براك الشاطئ، التي وقعت في مايو (أيار) العام الماضي، والتي قتل فيها أكثر من مائة شخص في هجوم من ميليشيات مسلحة، استهدف مقر قيادة اللواء 12 التابع للجيش الوطني الليبي".

يشار إلى أن القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، قد دعا للتحقيق في مصاريف إيرادات المؤسسة الوطنية للنفط (القائمة في طرابلس)، بعد اتهامات بذهاب بعض إيراداتها لتمويل مخربي منطقة الهلال النفطي، التي شهدت في يونيو/حزيران الماضي هجوماً عنيفاً.

وعاد الأمل بأن قطاع النفط في ليبيا بدأ تدريجيا يستعيد توازنه، خاصة مع التحسن الذي شهدته الحالة الأمنية شرقا وغربا، لكن بين الفترة والأخرى تظهر إشكاليات تؤكد أن استقرار القطاع يبقى مهددا.ويرى مراقبون أنه لا سبيل للخروج من الأزمة إلا من خلال إنهاء الانقسام السياسي الحاصل في البلاد،وتوحيد إدارة البلاد سياسيا وعسكريا،بما يضمن حسن إستغلال ثروات البلاد وتنميتها وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على حياة المواطنين.