نشطت تجارة الهجرة الغير شرعية في ليبيا منذ السنوات التي أعقبت العام 2011، مستغلة في ذلك عدم تواجد الاجهزة الضبطية ومشاركة المليشيات المسلحة في هذا النشاط،وتحولت البلاد إلى بوابة رئيسية يتدفق إليها آلاف المهاجرين الأفارقة أملاً في عبور البحر المتوسط إلى أوروبا، هربًا من حروب أو ظروف اقتصادية متردية.

وبات ملف الهجرة أحد أكثر الملفات تداولا على الساحة الليبية،خاصة وأن ليبيا تحولت من بلد عبور إلى بلد إستقرار في ظل إنتشار مراكز الإحتجاز التي تكتظ بها المدن الليبية،وهو ما ضاعف من حدة المخاطر التي يعانيها هذا البلد الممزق جراء ظاهرة الهجرة غير الشرعية.


** انتشار الأمراض

ويعتبر إنتشار الأمراض أحد أبرز المخاطر التي تهدد ليبيا،وهو ما أكده وكيل وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، عيسى العمياني،خلال اجتماع عقد الخميس بوزارة الصحة في طرابلس،قائلا إن "هناك أمراض ظهرت في ليبيا، من بينها السل الرئوي نتيجة توافد مهاجرين بطريقة غير شرعية إلى ليبيا".

من جهته، قال ممثل جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية في ليبيا عبد السلام علوان :"إن بعض الأمراض الموجودة في مراكز الإيواء، هي أمراض مصاحبة للمهاجرين كالجرب والقمل ونقص المناعة والالتهاب الكبدي".وأضاف "لقد تم القيام بهذا المسح بهدف تحديد العوامل المؤثرة على صحة المهاجرين والموظفين الإداريين داخل مراكز الإيواء".

وناقش الاجتماع نتائج المسح الخاص بآثار الهجرة غير النظامية على الصحة العامة داخل مراكز الإيواء في ليبيا.وأوضح ممثل وزارة الصحة في الفريق المكلف بإعداد المسح، عادل التاجوري، أن المهاجرين الموجودين خارج مراكز الإيواء والبالغ عددهم 600 ألف تقريباً يشكلون مخاطر أكبر على الصحة العامة من أولئك الموجودين داخل المراكز.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية لدى ليبيا، حسين جعفر، إن "الانقسام الحاصل في ليبيا، هو السبب في الوصول لنتائج غير جيدة في الجانب الصحي، وإن صحة المهاجرين لم تنل العناية اللازمة من المنظمات والشركاء، والأمر يتطلب المزيد من التعاون وتواجد العديد من الشركاء المحليين والدوليين".وتابع "يجب أن توجه العناية لمواجهة مرض الحصبة، بعد أن تم التثبت من إصابة حالات به في ليبيا نتيجة للهجرة، كما يجب تقديم عناية خاصة بالنساء الحوامل داخل مراكز الإيواء".

وكان وزير الصحة  في حكومة الوفاق، محمد هيثم عيسى،أعلن في يوليوالماضي،عن وضع خطة احترازية لمواجهة احتمالات تسجيل أي حالات إصابة جديدة بمرض الحصبة.وقالت الوزارة أن المركز الوطني لمكافحة الأمراض سجّل 80 إصابة بمرض الحصبة بعد أن انتقلت العدوى إلى أحد المواطنين من أحد أطفال المهاجرين غير القانونيين.

وأوضح عيسى أن وزارة الصحة قررت إطلاق حملة تطعيمات مُستعجلة ضد المرض بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية، مُشيراً إلى أن ذلك جاء بعد الكشف عن حالات إصابة بمرض الحصبة من مناطق متفرقة في البلاد.وأكد وزير الصحة على أن الوزارة "ستقدم دعمها الفني واللوجستي بشكلٍ كامل" لضمان نجاح الحملة؛ كما سيتم تقديم العلاج اللازم للحالات التي تم اكتشافها.


** ارتفاع عدد المحتجزين 

يأتي الحديث عن هذه المخاطر الصحية،بالتزامن مع تحذيرات أطلقتها المنظمة الدولية للهجرة،الأسبوع الماضي،أشارت فيها إلى ارتفاع ينذر بالخطر لأعداد المهاجرين المحتجزين فى ليبيا.

وقالت المنظمة - فى تقرير الجمعة 10 أغسطس 2018- إنه برغم انخفاض عدد المهاجرين المحتجزين فى مراكز الاحتجاز الرسمية بخمس مرات فى أكتوبر من العام الماضى 2017، بسبب جهود المنظمة للإسراع بإعادة المهاجرين إلى أوطانهم وإغلاق مراكز الاحتجاز، إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت ارتفاعا مثيرا للقلق فى عدد المهاجرين واللاجئين الذين تم اعتراضهم فى البحر وأعيدوا إلى ليبيا.

وأضافت أن الرقم تضاعف تقريبا من 5500 شخص إلى 9300 بين عامى 2017 و2018، مشيرة إلى أنه لا توجد أرقام متاحة لعدد المهاجرين المحتجزين فى مراكز احتجاز غير رسمية تديرها ميليشيات أو مهربون.

وأشارت المنظمة الدولية إلى أنها أعادت حوالى 10 آلاف و950 مهاجرا تقطعت بهم السبل فى ليبيا، وذلك من خلال برنامج العودة الإنسانية الطوعية. وقالت إن غالبية المهاجرين وبما يصل إلى 9636 مهاجرا أعيدوا إلى بلدانهم فى وسط وغرب إفريقيا على رحلات الطيران العارض التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، كما أعيد 325 مهاجرا إلى شرق إفريقيا والقرن الإفريقى والباقى إلى شمال إفريقيا وآسيا.

ونوهت المنظمة إلى أنها ساعدت فى إعادة ما مجموعه 1314 مهاجرا إلى بلادهم من ليبيا على متن رحلات تجارية فى عام 2018 حتى الآن.مشيرة إلى أن ليبيا لا تزال نقطة العبور والمقصد الرئيسى للمهاجرين الذين يبحثون عن حياة أفضل فى أوروبا، مشيرة إلى أن إجمالى عدد المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا أوروبا عن طريق البحر المتوسط بلغ حوالى 60 ألفا و309 شخصا منذ بداية العام الجارى وحتى 8 أغسطس.

وقالت إن هذا العدد يبلغ حوالى نصف عدد الوافدين فى العام الماضى 2017 فى نفس الفترة، والذى بلغ حوالى 117 ألفا و988 شخصا، مشيرة إلى أن سبب الانخفاض يعود إلى حد كبير إلى سلسلة من التدابير التى اعتمدتها الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى منذ أواخر 2016 بما فى ذلك إغلاق مسار الهجرة عبر البحر المتوسط.


** ليبيا ضحية الهجرة

وتفاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية، خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، وأصبحت تشكل خطرًا على ليبيا التي تمثل منطقة جذب للمهاجرين غير الشرعيين؛ مما يجعلها صاحبة العبء الأكبر.

وفي يوليو الماضي،أكد رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاياني،أن ليبيا ضحية الهجرة غير الشرعية، وليس الليبيون من يهاجر إلى أوروبا، بل من يدخل إلى ليبيا عبر حدودها، ولهذا يجب بذل كل الجهود لمراقبتها.وقال تاياني، إن المشكلة لا تكمن في المهاجرين المتجهين إلى أوروبا فقط، بل في المهاجرين الذين يدخلون إلى ليبيا،مشيرا إلى ضرورة تحرير قائمة سوداء تحتوي أسماء المجرمين الكبار المتاجرين بالرجال والنساء.

وسبق أن أشار المسؤولين الليبيين،في اكثر من مناسبة، الى أن ليبيا تتحمل عبئ المهاجرين،ففي يونيو الماضي،أكدت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني أن ليبيا هي ضحية انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية، مؤكدة أنها ليست صناعة ليبية بل ظاهرة فرضت على البلاد.وأوضحت الوزارة، عبر صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك،أن هذه الظاهرة تفشت بسبب الانفلات الأمني في ليبيا خاصة حدود ليبيا الجنوبية.

كما سبق أن إعتبر رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج،في تصريحات إلى "واشنطن بوست" أن "أوروبا تتحمل جزءاً من المسؤولية، ولديها القدرة على استقبال مزيد من المهاجرين، كما لديها القدرة على دعم الهجرة القانونية"، معبراً عن استغرابه "من رفض بعض الدول الأوروبية قبول المهاجرين، ثم يقومون بلوم ليبيا بسبب الأوضاع التي يعيشها المهاجرون داخل ليبيا".

وتعتبر ليبيا، حسب العديد من المتابعين للشأن الليبي، ضحية للهجرة غير النظامية وليست سببًا فيها، فيما تستعمل الدول الغربية خاصة فرنسا وإيطاليا مسألة الهجرة كذريعة للتدخل السياسي والعسكري في ليبيا، للحد من موجات المهاجرين الوافدين من السواحل الليبية إليها، وتخليصهم من العبودية بحسب زعمها.

وتحولت ليبيا إلى البوابة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الساعين للوصول إلى أوروبا بحرًا، وسلك أكثر من 150 ألف شخص هذا الطريق في الأعوام الثلاثة الماضية.ويرجع ارتفاع أعداد المهاجرين من السواحل الليبية إلى تفكك الدولة الليبية ومؤسساتها وانتشار السلاح والفوضى في كامل أنحائها وغياب سلطة مركزية تحكم سيطرتها على البلاد.