تتجه ليبيا الى إلغاء الدعم الحكومي على المحروقات وتعويضه ببدل نقدي يمنح لمواطنيها، وذلك بهدف قطع الطريق نهائيا أمام مهربيه الى دور الجوار.

وتناقش حكومة الوحدة الوطنية تنفيذ قرار بذلك، وقال وزير المالية خالد عبد الله، إن “اختيار البديل الأنسب للدعم على المحروقات يتم بناء على دراسة شاملة للوضع الاقتصادي للدولة ومستوى المعيشة للمواطن، ويجب أن يضع مصلحة المواطن وقدرته الشرائية أولوية، ثم الأقل تكلفة على ميزانية الدولة، من خلال تحديد التكلفة الحقيقية واستهداف تحقيق سعر توازني”. وأوضح أن “الهدف من استبدال الدعم الذي تسعى الحكومة لتنفيذه، هو الحد من عمليات التهريب للمحروقات وتحسين مستوى المعيشة للمواطن ومعالجة التشوهات الاقتصادية”.

وتعتبر ليبيا ثاني أرخص دولة في العالم من حيث أسعار البنزين بعد فنزويلا، حيث يُباع اللتر الواحد منه بما يقدر بـ0.11 دولار أمريكي، وهو ما يستغله المهربون في تصدير جانب كبير من ثروة الليبيين الى دول الجوار وكذلك عبر البحر المتوسط من خلال التعاون بين الميليشيات المحلية والمافيات المالطية والإيطالية. 

وأنفقت ليبيا 30 مليار دولار لدعم المحروقات بين 2012 و2017، ذهب منها 30% في جيوب المهربين. 

وخلال اجتماع مع وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج، دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، الى ضرورة استمرار عمل اللجنة المشكلة لدارسة مشروع رفع الدعم عن المحروقات إلى حين التوصل لحل عادل يرضي المواطن.

وكانت اللجنة الوزارية لاستبدال دعم المحروقات بالدعم النقدي المباشر التي شكلها الدبيبة، قد عقدت الأحد اجتماعها الأول برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية ورئيس اللجنة الوزارية لاستبدال دعم المحروقات، لبحث البدائل المقترحة لاستبدال الدعم، وذلك بحضور أعضاء اللجنة وعدد من المسؤولين والمستشارين والخبراء الاقتصاديين.

وقال الحويج في تصريحات صحفية، إن “اختيار البديل الأنسب لدعم المحروقات سيتم بناءً على دراسة شاملة للوضع الاقتصادي للدولة ومستوى المعيشة للمواطن”، وأضاف أن “اللجنة ستعقد عدة اجتماعات لمناقشة البدائل المقترحة لاستبدال دعم المحروقات وإعداد مشروع قرار بالخصوص وإحالته لمجلس رئاسة الوزراء” مشددا على “ضرورة وضع مصلحة المواطن وقدرته الشرائية كأولوية، ومن ثم البحث في الخيار الأقل تكلفة على ميزانية الدولة وتحديد التكلفة الحقيقية واستهداف سعر توازني”.

الى ذلك، كشف رئيس لجنة الاقتصاد والتجارة والاستثمار بمجلس النواب ورئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة محمد الرعيض أن رفع الدعم عن المحروقات لن يتم قبل صرف الدفعة الأولى والثانية من علاوة الزوجة والأبناء بواقع شهرين لكل شهر، مضيفا أنّه يتوقع صرف العلاوة في شهري أبريل ومايو القادمين، ثم سيبدأ رفع الدعم عن المحروقات برفعه عن وقود الديزل وبعده البنزين.

وأكدّ الرعيض أنّه سيتزامن مع رفع الدعم زيادة في مرتبات المتقاعدين ومعاشات التضامن الاجتماعي، إلى جانب تنفيذ مشروع تعديل جداول المرتبات وتوحيدها، حتى لا يتجاوز الفارق بين الحد الأدنى والأعلى للمرتبات عشرة أضعاف فقط كونها تصل الان الى عشرين وخمسة وعشرين ضعفاً -وفق قوله-.

وكتب الخبير إبراهيم صالح أبو نوارة وهو مستشار سابق لدى منظمة الأمم المتحدة للإنماء أن خيارات رفع الدعم عن المنتجات البترولية تتنوع حسب تركيبة الدول والوضع القائم فيها. ويقترح كثير من الباحثين الاقتصاديين تطبيق النظام الأوتوماتيكي للأسعار عوضاً عن تطبيق السعر الثابت المتحكم به حكوميا. وسيتطلب من السلطات المعنية في ليبيا لتطبيق نظام التسعير الأوتوماتيكي تحديد صيغة التسعير واعتماد جدول زمني لتحديث مكونات صيغة التسعير، بالإضافة إلى وضع قاعدة تحدد (متى وكيف) يتم تغيير أسعار التجزئة، وأخيرا: إعداد هيئة مستقلة مسؤولة عن آلية التسعير. إلى ذلك، يجادل الأخصائيون في هذا المجال بأن الاعتماد على النظام الأوتوماتيكي في الأنظمة التي تواجه هشاشة سياسية وأمنية، سيكون أكثر استقراراً من ناحية تحصيل الإيرادات الضريبية الحكومية، بالإضافة إلى كونه يقلل التدخل السياسي واستعمال أسعار المحروقات كورقة مساومة سياسية.

وأضاف أن القطاع الصناعي في ليبيا سيواجه أكبر التبعات من جراء تعديل أسعار بعض المنتجات النفطية مثل: الكيروسين والغاز الطبيعي، وخاصة صناعات البتروكيماويات والأسمدة والحديد والصلب والأسمنت. ومثال ذلك، ستتأثر بشكل نسبي أسعار منتجات مصنع الحديد والصلب – مصراتة بتغير أسعار المنتجات النفطية، بالإضافة إلى منتجات مصانع الأسمنت في الخمس وزليتن بهذا التغير؛ ما يجعل كفاءتها ومنافستها للمنتج المستورد محل نقاش. أيضاً، تبدو منتجات مصانع راس لانوف للبتروكيماويات غير بعيدة من مثل هذا التأثير. وهناك أمثلة متعددة على رفع أسعار الغاز الطبيعي في المنطقة العربية وتأثيرها على الأسعار، فبعد سنة واحدة من زيادة الأسعار المحلية للغاز الطبيعي في عُمان، أعلنت بعض شركات الأسمنت في السلطنة عن تدهور أرباحها قبل خصم الضرائب بنسبة تتراوح بين 12% و18% مقارنة بالسنة السابقة.

وتقول دراسة حديثة للبنك الدولي إن رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تتراوح بين 7% و10%، لاسيما أن معدلات التضخم تصل إلى 26%، وفي وقت يتعذر فيه الاعتماد على بدائل أخرى، مثل تحسين كفاءة إنتاج وتوزيع الكهرباء، والاعتماد على وسائل النقل العام.

لكن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس مصطفى صنع الله، قال في تصريحات صحافية مؤخرا، إن التهريب المنظم للوقود يكلف الاقتصاد الليبي نحو 750 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى الضرر المجتمعي الذي خلفه هذا السلوك غير الشرعي، الذي لم يقتصر على الخسائر على المستوى المادي فقط، بل تسبب في فقدان احترام سيادة القانون.