رغم كل مبادرات السلام، والدعوة للتفاوض، لإنهاء الأزمة الليبية ،بشكل يعيد لهذا البلد أمنه واستقراره، فإنّ الخلافات بشأن أحقية الحكم في البلاد والمسك بزمام الأمور،تعيق أي تقدّم وتفرض مشهدا معقّدا ومتوترا،تتصاعد وتيرته بشكل يومي ينذر بالتوجه نحو انهاء فترة الاستقرار النسبي الذي حضيت به البلاد منذ عام والعودة الى مربع الحرب.
  ففي تلويح جديد بسيناريو معركة "طوفان الكرامة"،في العام 2019،أعلن قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، الاثنين،عن الاقتراب من اتخاذ ما وصفه، بالقرار الحاسم لتحديد المسار، نحو "استعادة الدولة"،ملوحا بخوض "معركة فاصلة لتحرير البلاد".
ملف المرتزقة والقوات الاجنبية
وطالب حفتر، في كلمة له خلال زيارة ،إلى منطقة الجفرة،إلتقى خلالها، عددا من أعيان ومشايخ هون وودان وسوكنة،بضرورة إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، محذرا من أنه "إذا فشلت المساعي السلمية في ذلك سنخوض معركة فاصلة من أجل تحرير البلاد". وفق ما أفاد تلفزيون "المسار" الليبي.


ويعتبر ملف المرتزقة والقوات الأجنبية،من أكثر الملفات المعقدة في ليبيا،فبالرغم من الإجتماعات المكثفة،في الداخل والخارج،والتوصيات التي أقرتها المؤتمرات الدولية،ظل الملف عالقا ودون حلول،وبقي كابوسا يؤرق الليبيين،ويقف حجر عثرة أمام إنجاز الاستحقاقات السياسية الهامة التي من  شأنها تحقيق الاستقرار في البلاد.
وأقرت اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، منذ يومين، تشكيل لجنة فرعية،بهدف رسم خرائط الجماعات المسلحة، والعمل على انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية.وفق ما أعلنه عبد الله باتيلي، المبعوث الأممي لدى ليبيا.وقال باتيلي، إن إنشاء هذه اللجنة الجديدة، يأتي وفقاً للبند الرابع من اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في جنيف، برعاية أممية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020.
وتجري اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، التي تضم طرفي النزاع العسكري في البلاد،منذ عامين،مشاورات لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف.وتعطلت أعمال اللجنة في أكثر من مناسبة،على خلفية تصاعد الخلافات السياسية بين جبهتي غرب ليبيا وشرقها.


دور مهم للجنة 5+5

وشارك باتيلي لأول مرة منذ تعيينه، في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"،وجاء الاجتماع في محاولة لكسْر حالة الجمود القائمة،بعد توقف عمل اللجنة عدة أسابيع بسبب الخلافات السايسية المتفاقمة.
ويسعى باتيلي لدعم اللجنة العسكرية التي حققت نجاحات مهمة خلال العامين الماضيين،بداية من وقف اطلاق النار الذي مهد لاستقرار نسبي في البلاد،اضافة إضافة إلى تبادل الأسرى بين طرفي النزاع، واتفاق فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب وإعادة الرحلات الجوية،ناهيك عن التوافقات بين الأجهزة الامنية والعسكرية شرق وغرب البلاد.
وأشاد باتيلي بدور لجنة "5+5"، في تحقيق الاستقرار الأمني والعسكري داخل البلاد،وقالت البعثة الأممية في ليبيا، في بيان لها،أنها على أهبة الاستعداد لدعم السلطات الليبية في إدارة الأسلحة والذخائر بالتعاون الوثيق مع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والجهات السياسية والأمنية الفاعلة.
ويبدو أن الملف الامني يمثل أولوية قصوى للمبعوث الأممي الجديد،الذي يسعى إلى إعادة الاجتماعات مجدّداً بين قادة الجيش المنقسم،والدعوة إلى ضرورة العمل على توحيد المؤسسة العسكرية في أسرع وقت ممكن،في محاولة لتخفيف حالة الاحتقان التي تصاعدت خلال الفترة الماضية وأدت الى اشتباكات عسكرية في أكثر من مناسبة.


عوائق في الطريق
لا تبدو المهمة سهلة، فالوضع دقيق والتطورات على الارض تخلق المزيد من الصعوبات،فالاتفاقيات الجديدة الموقعة بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وتركيا حول التنقيب عن النفط،أحدثت مزيداً من الانقسام والخلافات في البلاد،واعترضت عليه قوى إقليمية ومحلية عدة، من بينها قيادة الجيش الليبي والبرلمان الليبي والحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا.
في زيارته الأخيرة الى تركيا،وقع رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اتفاقيتين جديدتين للتعاون العسكري،الأولى تنص على رفع كفاءة قدرات الطيران الحربي في ليبيا،والثانية، تضمنت "بروتوكولات تنفيذية للاتفاقية الأمنية الموقعة من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عام 2019"،وفق بيان لحكومة الوحدة.
وتعكس هذه الاتفاقيات حجم التقارب بين حكومة الدبيبة وتركيا،ويشير مراقبون الى أن الدبيبة يسعى لتدعيم ترسانته العسكرية تحسبا من أي محاولة لإبعاده عن السلطة،وبدا ذلك جليا في إشراف الدبيبة على التمرين التعبوي، لقوات المنطقة الغربية "إعصار1"، الذي أقيم بعد أيام من استعراض عسكري حضره قائد الجيش خليفة حفتر في مدينة سبها.
وعلى وقع التوتر العسكري،يبدو المشهد السياسي في ليبيا شديد الغموض،فبالرغم من التفاهمات الأخيرة بين رئيسَي مجلس النواب عقيلة صالح،والمجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بشأن ملف المناصب السيادية،وتوحيد السلطة في غضون الأشهر المقبلة،إلاّ أن الأمر لا صعبا،حيث إعترض رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة،على هذه التوافقات معتبراً أن ما هو أهمّ من التوافق على توحيد السلطة وتوزيع المناصب التمهيد لإجراء الانتخابات.