في 21 ديسمبر 1988،وقع تفجير  الرحلة "بان أم 103" فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية وهي في طريقها من لندن إلى نيويورك وأدى التفجير إلى مقتل 270 شخصا معظمهم من الأميركيين، وهم 243 راكبا و16 من أفراد الطاقم و 11 من سكان لوكربي.
 وفي عام 2001، حكم على ضابط المخابرات الليبي عبد الباسط المقرحي بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتنفيذ الهجوم و التسبب في مقتل 270 شخصا. ويعتبر المقرحي الذي نفى تورطه في الهجوم المدان الوحيد حينذاك في قضية لوكربي. وتوفي المقرحي في ليبيا عام 2012 بعد أن أطلقت حكومة اسكتلندا سراحه قبل 3 سنوات لأسباب إنسانية في أعقاب تشخيص إصابته بسرطان في مرحلة متأخرة. 

وبحسب المحللين و المراقبين فإن الحكومة البريطانيّة حجبت كل الوثائق التي اعتقد الدفاع أنها يمكن أن تساعد في إثبات براءة المقرحي و كشف حقيقة وملابسات أخطر هجوم إرهابيّ في بريطانيا وتطال أيضا سمعة النظام القضائي الإسكتلندي، فبعد أن  تمّ إطلاق سراح المقرحي لأسباب إنسانية عام 2009، اعتقد الكثيرون آنذاك أن كيني ماكاسكيل، وزير العدل الإسكتلندي، لم يكن ليوافق على إطلاق السّراح لو كان لديه أدنى شكّ في أنّ حكم الإدانة مشكوك فيه

بعد 32 عاما وفي مطلع العام الماضي، طفت تفاصيل جديدة "مفاجئة" حول قضية لوكربي إلى السطح بعد مثول مشتبه به ثان أمام المدعي العام بمحكمة أمريكية حسب ما تداولته الصحف الأمريكية والعالمية، ذلك إضافة إلى رفع الحكومة البريطانية السرية عن بعض الوثائق المتعلقة بالقضية. حيث أكدت الصحف البريطانية أن المشتبه به الثاني هو من صنع القنبلة التي أسقطت طائرة "بان آم 103" فوق اسكتلندا عام 1988 ، مما أدى إلى مقتل 270 شخصا، دون الإشارة إلى الحكومة أو المصادر.


وبحسب ذات الصحف، فإن الدائرة بصدد نشر لائحة اتهام بحق أبو عجيلة مسعود الموجود حينذاك في ليبيا، وتتهمه الولايات المتحدة بتدمير الطائرة التي أسفرت عن مقتل 190 أمريكياوقد تلقت السلطات الأمريكية معلومات تفيد بأن مسعود قام برحلة إلى مالطا قبيل الهجوم، حيث صمم عبوة ناسفة لعبد الباسط المقرحي. و أشارت ذات المصادرإلى أن وزارة العدل الأمريكية تستعد للمطالبة بترحيل أبو عجيلة مسعود، الذي يخضع حاليا للاحتجاز في ليبيا، تمهيدا لمحاكمته في الولايات الأمريكية حسب صحيفة وول ستريت الأمريكية.

وفي إعلانه عن التهم، قال المدعي العام الأمريكي ويليام بار إن "الاختراق" حدث عندما علمت سلطات إنفاذ القانون في عام 2016 أن "المتآمر الثالث" قد تم اعتقاله بعد انهيار نظام العقيد معمر القذافي، وأنه أجرى مقابلة مع المسؤولين الليبيين في عام 2012. وأضاف أنه "وفقا للشكوى الجنائية، صنع مسعود القنبلة التي دمرت طائرة بان آم 103".

 وفي تصريح صحفي حينها، أكد وزير العدل الأميركي أنه  "لن يمنع الزمن أو المسافات الولايات المتحدة وشركائنا في اسكتلندا من السعي وراء تحقيق العدالة في هذه القضية".وأفادت وزارة العدل الأمريكية في بيان لها، أن مسعود شغل عدة مناصب في جهاز المخابرات الليبي، بما في ذلك عمله كخبير في صنع العبوات المتفجرة في الفترة بين عامي 1973 و2011.و أضافت أنه متورط كذلك في تفجير عام 1986 لملهى لابيل الليلي في غرب برلين، والذي أسفر عن مقتل اثنين من الجنود الأميركية، حسب ذات البيان.

من جهة أخرى و في تفاصيل مغايرة كشفتها القضية حينذاك فإن اللجنة المحققة اكتشفت وثيقة يعتقد بأنها تحتوى على معلومات عن جهاز توقيت قنبلة لوكربي والتى اعتبرت لاحقا عنصرا محوريا في دعوى استئناف المقرحي. لكن الحكومة البريطانية رفضت تسليم الوثيقة لفريق الدفاع عن المقرحي لأسباب تتعلق بالأمن القومي للمملكة المتحدة والذي يسعى للحصول على مداخل إلى الوثيقتين لإستخدامهما كدليل أمام محكمة الإستئناف لتبرئته.

كما كشفت صحيفة اسكتلندية أن الوثيقة السرية التى تعد محور دعوى الإستئناف في قضية لوكربى وترفض الحكومة البريطانية تسليمها حتى الآن إلى فريق الدفاع تؤكد بشكل لا ريب فيه أن "جهاز توقيت القنبلة التى فجّرت الطائرة الأميركية زوّد من دول لم تكن ليبيا بينهم ".

و أفادت الصحيفة أن مصدرا قانونيا اطلع على الوثيقة أكد أنها "تقدم تفاصيل هامة عن أن استخدام قنبلة صغيرة مخفية داخل آلة تسجيل ارتبط بمنظمات” ارهابية ” اخرى أكثر من الليبيين وأن محتوياتها ستطرح أرضاً إدانة المقرحي" مؤكدة  أن المعلومات الواردة في الوثيقة السرية "تشكل أهمية قصوى في القضية بعد إصرار الإدعاء العام على أن جهاز التوقيت المستخدم في القنبلة زوّد إلى ليبيا فقط، وتؤكد أيضا أن طريقة الهجوم كان الأسلوب النمطى لخلية إرهابية أخرى".

"من جانبه يؤكّد ليستر كولمان، عميل المخابرات الأمريكية، في كتابه في قبضة الأخطبوط In the Grip of the Octopus الصادر عام 1994 أن العبوة التي فجّرت الطائرة الأمريكية فوق لوكربي كانت "حقيبة هيرويين مغطاة أمنيًّا من قبل وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، قبل أن يتمّ استبدالها في مطار فرانكفورت". وهو ما تحدّثت عنه مجلة "تايم" الأميركيّة عام 1992، أي قبل صدور الكتاب بنحو عامين، و"ذلك عندما اتّهمت المجلّة منذر الكسّار بمساعدة مجموعة أحمد جبريل على وضع حقيبة المتفجرات في طائرة الـ "بان أميركان". في مطلع التسعينيّات، فرّ ليستر كولمان، الذي يملك كافّة مفاتيح قضيّة لوكربي والتي اكتشف تفاصيلها صدفة خلال إرسالها في مهمة إستخباراتية أمريكية للتحقق من معلومات حول عناصر وكالة مكافحة المخدّرات في نيقوسيا، إلى السويد وحصل على حقّ اللجوء السياسيّ فيها، وذلك بعد أن باع ما بحوزته من معلوماتٍ إلى شركة "بان أميركان"، وتحديدًا بينما كانت الإدارة الأميركية تحاول التنصّل من تحمّل مسؤوليّة دفع التعويضات عن طريق إلقاء اللوم على نظام السلامة الأمنيّ لدى الشركة، وقبل أن توضَع هذه المعلومات على الرفّ في أعقاب اكتمال كافّة عناصر توجيه الاتّهام إلى ليبيا."

في هذا السياق يقول أحد الكتاب والمحلليين المهتمين بهذه القضية " كانت المحكمة تعلم منذ البداية ، وكما هو واضح في أوراق الدعوى ، أن هناك اتهاما بحق هذين الليبيين لكن المحكمة التي ادعت أنها نزيهة وتطبّق العدالة ، انتهت إلى إصدار حكم يقضي بإدانة عبد الباسط المقرحي وحكم عليه بالسجن المؤبّد . وتمت تبرئة الأمين فحيمة وأطلق سراحه، ولم يكن بوسع المحكمة أن تطبّق العدالة وأن تكون نزيهة، لأن ذلك كان سيدفعها إلى إطلاق سراح الاثنين لأنهما بريئان، وحكم البراءة هذا سيعني أن الإتهام الأمريكي والبريطاني بحق ليبيا كان ظالما، وأن العقوبات الدولية التي فرضت على ليبيا كانت ظالمة. ولذلك ومن أجل حفظ ماء وجه بريطانيا والولايات المتحدة، جنحت المحكمة إلى إصدار حكمها وهي تعلم أنها ارتكبت خطأ كبيرا وشوّهت سمعة القضاء الإنجليـزي النزيه. وهكذا ، فإن قضية لوكربي ، قضية سياسية كانت تهدف منذ البداية إلى إدانة النظام في ليبيا ".